«القضاء العرفي بالمغرب خلال فترة الحماية الفرنسية» 1912 1956-

يستعرض الباحث عبد العزيز بودرة في مؤلفه « القضاء العرفي بالمغرب خلال فترة الحماية الفرنسية» مختلف التحولات التي عرفها نظام القضاء العرفي بالمغرب، بعد تدخل سلطات الحماية منذ إصدارها ظهير 11 شتنبر 1914 الذي حدد معالم سياسة سلطات الحماية الفرنسية في الشأن الأمازيغي، وهو ما لم تقم به من قبل معظم الدراسات التي تناولت الموضوع في عمومياته، وفي ارتباط بقضايا شكلت أساس الصراع السياسي بين المغرب ونظام الحماية. لذلك، يعتبر هذا البحث إسهاما نوعيا في دراسة جانب من جوانب السياسة القضائية في شقها العرفي بالمغرب إبان فترة الحماية، على اعتبار أن هذه القضية شكلت أطروحة معرفية صعبة ومعقدة لا يمكن فهمها إلا بدراسة مختلفةٌ جوانبها و متعددةٌ زواياها.
من هذا المنطلق، تتجلى أهمية هذا البحث الجديد الذي يتناول بالدرس والتحليل موضوعا يستحق كل العناية، علما بأن كل ما كان يحرك سلطات الحماية هو الاستحواذ على المجال ثم فرض السيطرة على المجتمع القبلي المغربي الذي شكل أحد أهم مراكز المقاومة المسلحة للوجود الأجنبي واتساع نفوده، وكان يرفض رفضا باتا وصول الدخيل لمجالاته. فجاءت هذه السياسة التي تحّمل مسؤوليتها أول مقيم عام بالمغرب، المارشال ليوطي، الذي حاول وضع أسسها ليواصل مشروعه المقيمون العامون الذين خلفوه على رأس الإقامة العامة للحماية، وهو ما يؤكد عليه الباحث عبد العزيز بودرة، اعتمادا على وثائق مهمة أوضحت وأثبتت بأن السياسة القضائية للحماية الفرنسية في المغرب ما بين سنتي 1912 و1956م، كانت موجهة لوضع المجتمع المغربي بين صنفين من القضاء، وهذا هو بيت القصيد في إشكالية الموضوع.
بعد سبر أغوار السياسة العرفية التي نهجتها الإقامة العامة للحماية الفرنسية بالمغرب، عبر تتبع توجهاتها ومساراتها، توجه الباحث نحو إعطاء صورة تفصيلية عن وضعية القضاء المحلي والمركزي بمغرب الحماية، حيث حرص على التمييز بين أنواع المحاكم بالمغرب، وتحديد المهام التي كانت تضطلع بها طيلة فترة الحماية، بالإضافة إلى تتبع السياق التاريخي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي باشر فيه المارشال ليوطي الإصلاحات الأولى للعدالة العرفية بمغرب الحماية. كما تمكن الباحث من تحديد المناطق ذات العوائد «البربرية» الأمازيغية والتي عينتها فرنسا بمراسم وزارية على مدى 15 سنة، وهو ما أعطى صورة واضحة عن التقسيم المجالي والإثني الذي سعت إدارة الحماية إلى فرضه على المجال المغربي.


بتاريخ : 05/01/2022