«القفز على الأسوار» ليس قضية مغربية أو إسبانية فقط!

وصول نحو 116,573 مهاجرا وطالب لجوء إلى أوروبا عبر البحر المتوسط خلال عام 2021

 

 

لفهم أسباب بحث العديد من المهاجرين، من جميع الرقع الفقيرة في العالم، وتحديدا من دول إفريقيا جنوب الصحراء، عن مسارات بديلة لحياتهم، أنجزت الأمم المتحدة تقريرا بعنوان «القفز على الأسوار: أصوات المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلى أوروبا».
التقرير الذي أجرى مقابلات مع 1970 مهاجرا من 39 دولة إفريقية في 13 دولة أوروبية، أعلن جميعهم أنهم وصلوا إلى أوروبا (عبر وسائل غير قانونية وليس لأسباب متعلقة باللجوء أو الحماية) توصل إلى بعض الاستنتاجات غير المتوقعة.
وتوصل التقرير إلى أن الحصول على وظيفة لم يكن الدافع الوحيد للهجرة بالنسبة لهؤلاء، إذ إن المهاجرين غير الشرعيين ليسوا جميعهم «فقراء» في إفريقيا، ولم تكن مستويات تعليمهم متدنية. فحوالي 58% منهم كانوا يعملون في وظائف أو كانوا يتلقون تعليمهم في المدارس قبل مغادرتهم أوطانهم، وكان معظم العاملين منهم يحصلون على «أجورا تنافسية». غير أن حوالي نصف العاملين قالوا أيضا إنهم لم يكونوا يكسبون أجورا كافية. في الواقع، بالنسبة للثلث ممن تمت مقابلتهم، لم يكن حصولهم أو احتمال حصولهم على أجور مجزية في بلدانهم الأصلية، ليمنعهم من القيام برحلة الهجرة.
ويوضح التقرير أن كل من تم استطلاعهم قد قضوا ثلاث سنوات على الأقل في التعليم، أكثر من أقرانهم.
وقال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر إن «تقرير القفز على الأسوار يسلط الضوء على أن الهجرة هي انعكاس لحالة تقدم التنمية في كل أنحاء أفريقيا، وإن كان ذلك التقدم غير متكافئ وليس بالسرعة الكافية لتلبية تطلعات الناس».
وأضاف مدير البرنامج أن الدراسة تبرز عاملين هما «العوائق التي تحول دون الوصول إلى الفرص، و»انعدام الخيارات»، باعتبارهما العاملان الحاسمان في حسابات هؤلاء الشباب» وقراراتهم.

المهاجرون الحالمون بالفردوس الأوروبي

يتوافد آلاف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء سنويا على المغرب، ويقيمون خيامهم بمدن الشمال، وتحديدا بمدينتي الفنيدق والناظور حيث يتحينون الفرصة لاختراق السياجات الفاصلة، مما يؤدي أحيانا إلى مواجهات عنيفة بين هؤلاء والقوات العمومية، ثلما وقع يوم الجمعة الماضي، حين عمد أكثر من 2000 مهاجر إلى التسلح بالعصي والمقصات، ثم توجهوا نحو السياج الفاصل بين الأأراضي المغربية ومدينة مليلية المحتلة، مما أسفر عن جرحى وقتلى.
إلى ذلك، أعلنت النيابة العامة الإسبانية، يوم الثلاثاء الماضي، فتح تحقيق في مقتل 23 شخصًا على الأقلّ خلال محاولة مهاجرين دخول مدينة مليلية المحتلة الجمعة انطلاقا من الأراضي المغربية.
وقال مكتب المدّعي العام الإسباني في بيان، إنّه «طلب فتح تحقيق، لتسليط الضوء على ما حدث»، بعد ساعات من مطالبة الأمم المتحدة بإجراء تحقيق مستقل في هذه المأساة.
وقضى ما لا يقل عن 23 مهاجرا وأصيب 140 شرطيا بجروح، وفقا للسلطات المغربية، عندما حاول نحو ألفي مهاجر فجر الجمعة عبور السياج الفاصل بين مليلية والمغرب.
وعزت النيابة العامة هذا القرار إلى «خطورة الأحداث التي قد تكون مست الحقوق الإنسانية الأساسية للأشخاص».
وكانت السلطات المغربية أوضحت عقب الفاجعة أن الضحايا قضوا في حوادث «تدافع وفي سقوطهم من السياج الحديد»، مشيرة أيضا إلى «استخدام وسائل عنيفة جداً من المهاجرين».
والاثنين، وجّهت النيابة العامة بمدينة الناظور المغربية تهما جنائية لـ65 مهاجرا اعتقلوا بعد هذه المحاولة، من بينها «الدخول بطريقة غير شرعية للتراب المغربي» و»العنف ضدّ موظفين عموميين» و»التجمهر المسلّح».

مصرع 46 مهاجرا
في ولاية تكساس

إلى ذلك، لقي 46 شخصا حتفهم، داخل شاحنة لنقل مهاجرين، في ولاية تكساس الأمريكية، بحسب ما أعلنت السلطات.
وأشارت سلطات الولاية، إلى أنها تلقت بلاغا بوجود شاحنة، مركونة على طريق صغير يؤدي للطريق السريع بالولاية، وبعد تفتيشها عثر على جثث المهاجرين، وأشخاص آخرين كانوا يصارعون من أجل الحياة، بسبب نقص الأوكسجين والماء.
وأفادت وسائل إعلام أمريكية، بأن السلطات المحلية نقلت 16 مصابا، بينهم 4 أطفال، للعلاج في المستشفيات.
وكشفت سلطات الولاية، أن الشاحنة كانت غير مجهزة بمكيفات، ولم يعثر على ماء مع المهاجرين.
من جانبه قال قائد فرق الإطفاء في سان أنتونيو، إن الناجين الذين نقلوا إلى المستشفيات «كانوا ساخنين جدا عند لمسهم، كما أنهم كانوا يعانون من ضربة شمس ومن إنهاك حراري ولم يكن بحوزتهم ماء».
بدوره أعرب وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد عن أسفه للمأساة، وأشار إلى أنه لا يعرف جنسيات الضحايا، لكنه توجه إلى سان أنطونيو، ويسود الاعتقاد بأن عددا منهم من المكسيكيين ودول أخرى من أمريكا الجنوبية.

اليونان تجبر طالبي لجوء على صد مهاجرين من تركيا

قالت صحيفة «الغارديان» إن عددا من طالبي اللجوء في اليونان زعموا أن الشرطة اليونانية أجبرتهم على القيام بعمليات صد عنيفة وغير قانونية ضد المهاجرين في منطقة حدودية عسكرية، في جوف الليل.
ويزعم طالبو اللجوء، الذين تم احتجازهم بين العمليات، وفق الصحيفة، أنه تم تجنيدهم قسرا أو استدراجهم هناك من قبل رجل سوري يعيش في حاوية في ساحة مركز للشرطة اليونانية، ثم استخدموا كرجال قوارب لنقل مهاجرين آخرين إلى تركيا.
وروى ستة مهاجرين، سوريون ومغاربيون، كيف شاركوا في عمليات صد على نهر إيفروس تحت الإكراه، مقابل مذكرة من الشرطة تسمح لهم بالبقاء لمدة شهر في اليونان. وصف اثنان من الرجال وضعهم بأنهم «عبيد». قالوا إنهم شاهدوا الشرطة اليونانية تجرد طالبي اللجوء ويسرقونهم ويهاجمونهم قبل إعادتهم إلى قوارب مطاطية مكتظة، ثم تأمر الرجال بنقلهم عبر النهر العميق السريع إلى الضفة التركية.
حصل تحقيق مشترك أجرته صحيفة «الغارديان»، و»لايتهاوس ريبورتس»، و»لوموند»، و»دير شبيغل»، و»ARD Report München» على أدلة مرئية لتأكيد شهادة الرجال، ووثائق تؤكد احتجازهم وإطلاق سراحهم لاحقا من قبل السلطات اليونانية.
كان الرجال من بين أولئك الذين ردوا على مجموعة فيسبوك «Consolidated Rescue»، والتي طلبت من الناس التحدث عن هذه الممارسة.
تضاعفت التقارير عن عمليات الإعادة منذ مارس 2020 عندما وصل آلاف الأشخاص، العديد منهم من السلطات التركية، إلى الحدود اليونانية بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه فتح «البوابة» إلى أوروبا. رفضت السلطات اليونانية ورئيس وزرائها، كيرياكوس ميتسوتاكيس، المزاعم باستمرار، وأصروا على أن اليونان لديها سياسة هجرة «حازمة ولكن عادلة».
لكن السكان المحليين في القرى الحدودية تحدثوا علانية عن طالبي اللجوء، الذين عادة ما يكونون ملثمين، الذين «يعملون» للشرطة، وأكد ضابطان يونانيان كبيران ممارسة استخدام رعايا دول ثالثة كوكلاء في عمليات الإعادة.
زعم الرجال أنفسهم إكراها ممنهجا. قال باسل (اسم مستعار)، وهو سوري الجنسية، إنه أمضى ثلاثة أشهر في زنزانة للشرطة في تايتشيرو، بالقرب من الحدود اليونانية التركية، يقوم بإرجاع اللاجئين الآخرين.

مصر من أكبر مصدري الهجرة

على الصعيد المصري، تكشف وثيقة أوروبية عن وصول أكثر من 3500 مصريا فروا من البلاد عن طريق القوارب في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام انتهى الأمر بجميعهم تقريبًا في إيطاليا.
وأشارت الوثيقة الصادرة عن مفوضية الاتحاد الأوروبي بتاريخ 15 يونيو 2022، وأماطت اللثام عنها صحيفة «EUobserver» إلى أن هذا الرقم يمثل أربعة أضعاف المصريين الذين هاجروا خلال المدة ذاتها من عام 2021.
وقد تصدر المصريون قائمة الجنسيات الأكثر وصولًا بشكل غير نظامي إلى إيطاليا، بحسب الوثيقة، وتطالب الوثيقة بتعاون عاجل بين مصر وليبيا وغيرهما «في ضوء الزيادة الهائلة في عدد الوافدين غير النظاميين من المواطنين المصريين إلى دول الاتحاد الأوروبي.
يعتقد رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى سابقا، رضا فهمي، أن «من المستحيل منع الهجرات غير الشرعية من السواحل المصرية بشكل كامل، لكن النظام في مصر يقدم نفسه دائما على أنه حارس البحر المتوسط من المهاجرين، سواء المصريين أو الأفارقة، وهي ورقته التي دائما ما يلوج بها للمسؤولين الأوروبيين خلال المؤتمرات الصحفية التي تجمعه بهم من وقت إلى آخر».
وأكد المتحدث «أن النظام المصري تربطه مع الدول الأوروبية اتفاقيات دولية بخصوص قضية الهجرة غير النظامية إلى سواحلها الجنوبية، وهو ملتزم بها من أجل استمرار ضمان المساعدات من جهة».
من جهته، قال المحلل السياسي عزت النمر: « أعداد المصريين التي وصلت أوروبا، وبالتحديد إلى إيطاليا، تضاعفت وتزايدت عما كانت عليه في السابق. المصريون يخرجون من ليبيا ومن غيرها، والنتيجة واحدة هي أن المصريين هم الجنسية الأكثر وصولاً بشكل غير نظامي لأوروبا». وأوضح: «أن الشعب المصري يعاني من الغليان والكبت والقهر والفقر، وأن مصر على فوهة بركان، وأن الانفجار وشيك، وأنه دليل على عدم الاستقرار».

المرصد الأورومتوسطي وتونس

من جانبه، أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن أسفه العميق إزاء وفاة وفقدان عشرات المهاجرين وطالبي اللجوء عقب غرق قاربهم قبالة السواحل التونسية قبل أيّام.
وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم الجمعة، أرسل نسخة منه لـ «عربي21»: إنّ القارب المطاطي الذي أبحر من سواحل مدينة زوارة شمال غربي ليبيا كان يحمل على متنه نحو مئة من المهاجرين وطالبي اللجوء، قبل أن يتعرض للغرق يوم الإثنين الماضي قبالة سواحل ولاية «صفاقس» جنوب شرقي تونس، ما أدّى إلى فقدان 76 وإنقاذ 24، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
ووفق معلومات تلقّاها المرصد الأورومتوسطي، ينحدر أغلب الضحايا من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وبعضهم من جنسيات عربية، غير أنّه لم يتسن حتى الآن تحديد جنسيات الغرقى بشكل دقيق.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّه مع هذه الحادثة، يرتفع عدد الضحايا الموثّقين من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى نحو 800 منذ بداية العام الحالي، قضوا في أكثر من 85 حادثة غرق في مياه المتوسط، وهو ما يساوي تقريبًا ذات العدد في ذات المدة من العام الماضي، ويؤشر بشكل واضح على تجاهل الأطراف المعنية بذل أي جهود لإنقاذ أرواح هؤلاء الأبرياء.
وأكّد أنّ جهود البحث والإنقاذ المتواضعة وضعف الاستجابة لمناشدات قوارب المهاجرين التي تعرّضت للغرق ساهم بشكل مباشر في زيادة أعداد الضحايا، إذ في بعض الحالات يتم اكتشاف حوادث الغرق من قوارب صيد تصادف مرورها في مكان الحادثة، ولا تكون مجهزة بأي من المعدات اللازمة لعمليات الإنقاذ.
ولفت إلى أنّ دول الاتحاد الأوروبي وخاصة دول المقصد تستمر في سياساتها المتشددة تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء، ما يدفعهم إلى اللجوء لطرق ومسارات خطيرة للوصول إلى أوروبا. كما تواصل تلك الدول توفير الدعم لعمليات الصد والإرجاع العنيفة إلى دول غير آمنة، دون النظر إلى الانتهاكات المروّعة التي يتعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في تلك الدول.
وقالت باحثة شؤون الهجرة واللجوء في المرصد الأورومتوسطي «ميكيلا بولييزي»: «المقلق في التعاطي مع حوادث غرق المهاجرين وطالبي اللجوء أنّ الأطراف المعنية تُريد على ما يبدو أن تستمر حالة التعاطي الاعتيادية مع هذه الحوادث، وكأنّ أرواح الضحايا ليست مهمة ولا تستدعي أي تحركات خاصة لوقف هذه المأساة المستمرة».
وأضافت: «من المهم كمدافعين عن حقوق الإنسان أن نستمر بإعلاء الصوت ضد جميع السياسات التي تتسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في استمرار حوادث غرق المهاجرين وطالبي اللجوء في البحر المتوسط. موت المئات كل عام لأسباب يُمكن تفاديها ليس أمرًا طبيعيًا ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون كذلك».
وكان المرصد الأورومتوسطي وثّق في تقرير سابق تصاعد أعداد الغرقى من المهاجرين وطالبي اللجوء وكذلك الواصلين إلى أوروبا خلال العام الماضي، إذ تشير الأرقام إلى وصول نحو 116,573 مهاجرا وطالب لجوء إلى أوروبا عبر البحر المتوسط خلال عام 2021، أي بزيادة أكثر من 20% عن عام 2020، والذي شهد وصول 88,143 مهاجرا وطالب لجوء. وبالمثل شهد ذات العام تصاعدًا في أعداد الوفيات والمفقودين في البحر المتوسط، إذ سُجّل وفاة وفقدان نحو 1,864 شخصًا منهم 64 طفلًا، بزيادة تقدر بنحو 21% عن عام 2020 الذي قضى فيه 1,401 شخص.
ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى مسؤولية دول المنشأ والمقصد وجميع الأطراف الأخرى ذات العلاقة بتقديم المساعدة والعون لمن تقطعت به السبل في البحار، والعمل باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي أكّدت على وجوب إنقاذ ومساعدة الأشخاص الذين تتقطع بهم السبل في البحار، وكذلك الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ، التي حثّت الدول الساحلية على التنسيق لإنقاذ المكروبين في البحر، والذين يكونون على مقربة من سواحلها.
وجدد المرصد الأورومتوسطي دعوته إلى إعادة إطلاق مهام الإنقاذ الرسمية الأوروبية، وضرورة تسيير دوريات دائمة لضمان التعامل الفعّال مع أي حوادث غرق محتملة، والتعامل بمنظور إنساني واحد مع جميع الضحايا في مختلف أنحاء العالم.
وطالب المرصد الأورومتوسطي الاتحاد الأوروبي بالعمل على توفير قنوات آمنة للهجرة، بما يؤدي إلى حماية المهاجرين وطالبي اللجوء من استغلال تجار البشر، بالإضافة إلى تطوير آليات وظروف الاستقبال، وعدم التعسف في رفض طلبات اللجوء، والعمل على نحو إيجابي لإدماج المهاجرين واللاجئين في مجتمعاتهم الجديدة.
اتصلت صحيفة «الغارديان» بمركزي شرطة نيو تشيمونيو وتايتشيرو، ووزير حماية المواطنين ورئيس حرس الحدود في إيفروس عدة مرات، لكنها لم تتلق أي رد حتى وقت النشر.


الكاتب : وكالات

  

بتاريخ : 01/07/2022