الكاتب والمخرج المسرحي بوسلهام الضعيف لـ»الملحق الثقافي»: كل عمل مسرحي هو تجربة أجدد فيها أدواتي ومفرداتي

تجربة مسرحية فارقة تمتد لربع قرن، قدم خلالها المخرج والفنان المسرحي والمؤلف المغربي بوسلهام الضعيف، مع «مسرح الشامات»أعمالا متميزة سواء على مستوى الإخراج أو الكتابة والتشخيص. تجربة حققت حضورا وصنعت اسما لها في الملتقيات المسرحية العربية كمهرجان المسرح التجريبي ومهرجان دمشق الدولي للمسرح، ومهرجان المسرح العربي بالأردن، ثم مهرجان بغداد الدولي للمسرح والذي كرم في دورته الرابعة في أكتوبر 2023 المخرج بوسلهام الضعيف.
اشتغل بوسلهام الضعيف كثيرا على الرواية ، فكانت أعماله: «ليلة القدر» اقتباسا عن رواية الطاهر بن جلون، و»كل شيء عن أبي» عن رواية «بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات» لمحمد برادة، و»الخادمات» لجان جينيه، و»نعال الليل» لبيرنارد ماري كولتيس، و»العوادة» للويجي بيراندلو، و»ليل ونهار» لغزافييه دورانجييه»، و»الموسيقى» ليوكيو ميشيما. ومن أعماله المؤلفة التي أخرجها «رأس الحانوت» و»مسك الليل» و»حياة، حلم وشعب في تيه دائم». حصل على الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني الأول للمسرح عام 1999 عن مسرحيته «رأس الحانوت».
الضعيف قدم مسرحيات «ألفية على سيف»، «التخشيبة»، «ألف لعبة وحكاية»، و»أوفيليا لم تمت». وشارك كممثل أيضا في «سفر في الحلم» ، و»ذاكرة نور» للفنان التشكيلي الراحل محمد القاسمي، و»بيكارسكاس» لسرفانتيس إخراج خوسي غراندا، و»فويزك» لجورج بوشنر إخراج أحمد ايزدة، و»عزلة» لمحمد خوميس، و»ملكية مصادرة» لتينسي وليامز . هذا الغنى والتنوع جعل تجربته المسرحية في طليعة التجارب المسرحية المذهلة التي تقدم وعيا جديدا بعوالم المسرح المعاصر.
الكتابة بالنسبة لمؤلف رواية «استوديو حمرية» و»المسرح ورشة مفتوحة» هي ذلك المكان المريح الذي يستند إليه ليعيد تركيب علاقاته مع العالم والفن، وهي الشرفة الأخرى التي تتيح له الإصغاء إلى العالم بشكل هادئ.
في هذا الحوار مع الكاتب والمخرج والممثل بوسلهام الضعيف، نقترب أكثر من مشروعه المسرحي، من رؤيته لمسرحة الأدب، من اشتغاله على الرواية ، ووضعية المسرح المغربي وموقع النقد داخل هذه العملية. كما نقف على مصادر غنى تجربته التي تحاول تأصيل الفرجة المسرحية وجعلها فرجة ذات خطاب فكري ، وليس فرجة للترفيه والاستهلاك.

 

 

يعيش المسرح المغربي حالة انحسار تتداخل فيها مجموعة من العوامل: النص، الجمهور، فضاءات العرض، غياب سياسة ثقافية مسرحية.كيف توصّف هذا الوضع؟

يعيش المسرح المغربي حالة مفارقة، فمسرحنا أو تجاربنا المسرحية، ومنذ الجيل المؤسس (الطيب الصديقي، العلج…) كانت تجارب متميزة ولها فرادة في المسارح العربية. بالمقابل فإننا لم نستطع لحد الآن أن نخلق ممارسة مسرحية قارة بموسم مسرحي له أجندة معروفة. فعندنا بنايات بدون مسرح، وفرق مسرحية بدون مسارح تشتغل فيها بشكل يومي.عندنا الحديث عن المسرح أكثر من المسرح نفسه. إن المدخل الأساس لخلق حياة مسرحية هو مدخل المسارح التي يجب أن تكون مخصصة بشكل يومي للمسرح، وأن تشغل مهنيين وتقنيين وإداريين قادرين على خلق علاقة مع الجمهور، علاقة وفاء للمسارح أعني الفضاءات المسرحية.

 الحديث عن وضع المسرح يقودنا إلى الحديث عن جمهوره .ألا ترى أن غياب التربية الفنية منذ مراحل التعليم الأولي يساهم في تدني الذائقة الفنية، ويضيع على المسرح متلقيا قادرا على التشبع بالفن وتربية حسه الجمالي؟

الحديث عن الجمهور، حديث مركب تتداخل فيه عناصر تاريخية وسوسيولوجية واقتصادية. فليس هناك جمهور واحد، هناك جماهير متعددة ومختلفة، فهناك من يريد أن ينمّط الجمهور وينمط المسرح في شكل واحد. هناك أنواع من المسرح كما أن هناك أذواقا مختلفة. مع الأسف الذوق العام يتم إفساده بشكل فظيع من طرف وسائط التواصل والإعلام العمومي. أضف إلى ذلك غياب التربية الفنية داخل مؤسساتنا التربوية بمختلف أسلاكها. فقد تجد باحثا يشتغل في بحث الدكتوراه عن التلقي وجماليات التلقي، وهو لم يسبق له أن شاهد عرضا مسرحيا.

 وسط هذه الوضعية، حافظت فرقة «الشامات» التي تشغلون مهمة مديرها الفني على تألقها طيلة ربع قرن بتقديم أعمال رسخت مكانتها في المشهد المسرحي المغربي.كيف استطعتم توطين هذه التجربة وتحقيق هذا الإشعاع؟

تجربة مسرح «الشامات « أظنها تجربة متفردة في المسرح المغربي والعربي، لأنها راهنت على المسرح، وعلى الاشتغال مع المهنيين في مختلف التخصصات. هذا الوفاء للمسرح شعاره (مسرح مواطن، مسرح للحياة) بمعنى الانخراط في الفن، ولكن كذلك في قضايا المجتمع المغربي.
الجانب الثاني أن الفرقة انخرطت في التكوين المسرحي وساهمت في خلق جمهور مسرحي من خلال، خصوصا، دوري مسرح الأحياء وملتقى الكتابة المسرحية، والعديد من الورشات التي تنظمها الفرقة سواء في المؤسسات التعليمية أو المؤسسات الإصلاحية (السجون). فهناك العديد من المسرحيين والفنانين الذين تخرجوا من تجربة مسرح «الشامات» قبل أن يلتحقوا بالمعهد.

 عملكم الأخير «كْلام» هو التجربة الثانية لكم مع أعمال الروائي محمد برادة بعد مسرحية «كل شيء عن أبي» المقتبسة من رواية «بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات». كيف ترى العلاقة بين الأدب والمسرح، وهل كل عمل أدبي قابل للاقتباس والمسرحة أم أن طبيعة وقيمة النص هي ما يحدد ذلك؟

ولد المسرح في رحم الطقوس الدينية، وفي البدء كانت الكلمة، وكان المسرح يتحدث بلغة الشعر، والشعر الدرامي هو شعر جسدي، شعر يخرج من لغة الجسد. هناك تداخل بين الأدب والمسرح. كما أن هناك من يرى بأن المسرح هو أدب قبل كل شيء، ويجب أن يحافظ على أدبيته. بالمقابل هناك من يرى بأن المسرح فن جسدي، فن الخشبة، وأن المسرح يجب أن يدمر كل أدب.
أرى أن المسرح فن شامل، فن اللغة والكلمة والجسد، والرهان هو خلق تناغم بين كل العناصر، فلا يجب أن نغرق في الخطابة كما أنه يجب أن يكون للمسرح معنى في المجتمع وفي حياة الناس، وأن تكون فرجته، فرجة للروح والفكر وللحواس. أما المسرحة فأظن أنه يمكننا أن نُمَسْرح كل شيء، وأن المسرح قادر على استيعاب كل النصوص، بما فيها وصفة الطبيب التي يمكن أن نحولها إلى مسرحية.
عرض «كلام» له طبيعة خاصة من حيث أن هاته المسرحية هي عبارة عن سفر، سفر عبر المدن،عبر الفضاءات، عبر الشخصيات، استعادة الزمن، إعادة خلق شخصيات ماتت. ورغم أن الموضوع هو السفر عبر المقابر، فإنه استفزاز للحياة وطرح التساؤلات حول الحياة، ثمة جرأة في التناول، جرأة في طرح قضايا وجودية ولكن كذاك قضايا ذات طابع سياسي أو مرتبطة براهن مجتمعي معين.
عرضت المسرحية في الرباط ،وقد سبق وأن قدمت في مكناس وطنجة .كما أنها ستكون حاضرة في مهرجان المسرح العربي الذي ستنظمه الهيئة العربية للمسرح في بغداد شهر يناير المقبل، 2024. والملاحظ أن المسرحية ورغم اختلاف المدن والفضاءات التي عرضت بها، فإن التفاعل مع الجمهور يبقى مثيرا. فالعرض فرض على الجمهور إصغاء بطريقة خاصة، فرغم أن الاختيارات الجمالية والفنية للعرض المسرحي هي مختلفة عن السائد والمستهلك، فإنه قد خلق تواصلا جد إيجابي مع الجمهور.

 في سياق الاقتباس أيضا، قمتم باقتباس أعمال أدبية عالمية. ألا تطرح مسألة مغربة هذه النصوص إشكالا على مستوى القيم الفلسفية التي تكتنف هذه الأعمال لدى الجمهور المغربي؟ وهل يمكن بالتالي إدراج تجربتكم ضمن مسرح النخبة؟

أظن أن المسرح هو نخبوي. مفهوم النخبة لايعني الفئة المثقفة أو المالكة للمعرفة، بل يعني أن لكل تجربة جمهورها، وذوقها الخاص، وعندما نقتبس أو نمسرح نصا عالميا، فهذا لايعني أننا ننقل ثقافة أخرى إلى مجتمعنا، بقدر ما نبحث عن الجوهري في التجربة الإنسانية.

إلى ماذا يحتكم بوسلهام الضعيف المخرج حين يمسرح الرواية؟ هل يجدد في أدواته الفنية ورؤيته الإخراجية في كل عمل للخروج من النمطية القاتلة لبعض التجارب المسرحية؟

كل عمل مسرحي هو تجربة تدفعني إلى تجديد أدواتي ومفرداتي، أشتغل بوتيرة عمل مسرحي كل سنة، وبإيقاع فيه البحث والإصغاء والتعلم، والخوف من الرتابة والتكرار، وهناك أعمال مسرحية تأخذ مني وقتا كبيرا في الكتابة لسنتين أو أربع سنوات، وليس هاجسي الإبهار ولكن أن أكون أصيلا وصادقا في ما أقدم للناس، وقد أصدم المتتبعين لأنني أخيب أفق انتظاراتهم التي تكون مرتبطة في أن أكرر نجاحات بعض عروضي المسرحية.

 الكثير يعرف بوسلهام الضعيف المؤلف والمخرج المسرحي، لكن علاقتك بالكتابة تمتد أكثر من عمرك المسرحي، بدءا بالقصة والمقالة وانتهاء بالرواية. وربما كان أول لقاء للقارئ معك عبر رواية «استوديو حمرية». كيف ترى هذا الانتقال من الفني إلى الروائي رغم ما يشكلانه من تكامل في العملية الإبداعية؟

n لي علاقة خاصة مع الكتابة، كتبت الشعر والقصة وأصدرت رواية «استوديو حمرية»، وكتبت نصوصا أخرى للمسرح لم أخرجها. إن الكتابة هي شرفة أخرى تتيح لي الإصغاء إلى العالم بشكل هادئ.
كما أن الكتابة مرتبط لدي بالقراءة، وأظن أن متعتي الأساس تكمن في القراءة، متعتي الأساسية في الإبداع وليس الإنتاج. شغفي بالقراءة، بمختلف أجناسها، يتزايد كل يوم، لأنني أعتبر نفسي بالأساس قارئا.
إن القراءة هي هدف في حد ذاتها، لأنني احلم أن أكون قارئا جيدا ، وحلمي منذ الطفولة أن امتلك مكتبة مثالية وأن أعيش فيها محاطا بالكتب.

 نلاحظ أن مساحة النقد المسرحي بالمغرب تتقلص مقارنة مع النقد الأدبي والسينمائي، عكس الفورة النقدية سابقا المشتغلة على المسرح( د. المنيعي، بنزيدان ). كيف تقرأون هذا التراجع بالنظر الى أن النقد أساسي وضروري لتطوير أي تجربة إبداعية؟

الملاحظ هو غياب المتابعة النقدية للعروض المسرحية.

إن الناقد المسرحي الحقيقي هو الناقد المتشبع بالممارسة والذي يمتلك تاريخا للمشاهدة، فالنقد المسرحي ليس هو النقد الأدبي، هناك نقاد جدد..لكن تجاربهم تبقى معزولة في غياب حياة مسرحية.
لتطوير النقد المسرحي، يجب أن تكون لدينا أكاديمية للفنون، وأن يكون هناك تخصص نقد فني أو نقد مسرحي. فنحن لحد الآن لا نميز بين البحث والتنظير والنقد الفني.


الكاتب : حاورته: حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 22/12/2023