الكتابات والرسوم الحائطية غير اللائقة.. من «سرّية» النشأة إلى «جماهيرية» التعميم

يعد بعضها شكلا من أشكال الإساءة للملكين العمومي والخاص وللذوق العام

 

ليس هناك من أحد منا لم يسبق وأن وقعت عيناه عقب مروره في أحد الشوارع أو الأزقة على أشكال مختلفة من الكتابة التي غطّت ظهر حائط ما، كتابات قد تتعدد صورها ومعانيها، في الوقت الذي يظل القاسم المشترك بينها في كثير من الحالات أنه تم «خطّها» في «غفلة» و «خفية» بعيدا
عن أعين الناظرين.

 

كتابات ورسوم وإشارات، الكثير منها، لا يعدو أن يكون مجرد خربشات تفتقد بالمرّة لمعايير الحُسن والجمال، عدا عن كونها تحمل عبارات وصور مسيئة وخادشة للحياء تصل لدرجة التقزز، في كثير من الأحيان، ما يدفع بالمرء للتساؤل عن مصدر الجرأة التي يستمد منها أصحاب هذا الفعل المشين قدرتهم على القيام بمثل هذه الأفعال، بكل حرية وطلاقة، عوض الاكتفاء بالامتعاض من هكذا مناظر منفّرة.
ويرى بعض الباحثين في علم الاجتماع أن الظاهرة ليست بالأصيلة داخل المجتمع المغربي، بل هي حديثة العهد، وتعود في شكلها الأول إلى الكتابات المناهضة للاستعمار، وهو غير الشكل الذي باتت عليه اليوم، بالإضافة إلى كونها منقولة عن مجتمعات أخرى وتأتي كضريبة لعولمة الاتصال، هذا عدا عن أنها لا تعبّر بالضرورة عن طابع احتجاجي لدى الأشخاص، لأنها تشبع في أغلب الأحيان حاجة ماسّة إلى التعبير الذي تمّ كبته في العلن. تعبير يرى عدد من المختصين أنه شكل من أشكال ترجمة لمشاعر مبعثرة قد تشمل رؤى اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية يجيش بها صدر الإنسان، والذي ينمّ في مراحل عمرية معينة عن طيش وعبث، وأحيانا عن فراغ لا تقبله الطبيعة.

رسائل بين «الإبهام» و «الوضوح»

يشير عدد من المهتمين إلى أن هذه الترجمة يتم تصريفها في هكذا صور من الفعل، التي يتم إعادة تبنيها من طرف أشخاص جدد في إطار العلاقة السببية بين مفهومي التأثير والتأثر لتندرج في الأخير تحت إطار»موضة» معينة، وهو ما يتجلى بشكل واضح وصريح من خلال بعض العبارات والرموز ذات الانتشار الواسع، التي لا تكاد تبارح مرمى بصرنا أينما حللنا وارتحلنا عبر طول وعرض البلاد. وإذا كانت بعض هذه «المشاهد» واضحة الإديولوجيا والتوجه فإن أخرى منها تظل مبهمة وتدعو للتساؤل عن المغزى الذي تترجمه، وطبيعة الأشخاص الذين يتبنونها، والشكل الذي تتخذه تنظيماتهم، مع العلم أن بعض العارفين من القلة، الذين يستطيعون فكّ شيفرة بعض هذه الرموز المبهمة، أكدوا لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» في تصريحات لهم، على أن بعضها يحمل دلالات تتعلق بالعنف والشغب، ويعبر عما تم وصفه بـ «ثقافة شوارعية» لا يُعلم إلى أي مدى بالضبط يمكن اعتبارها مجرد لغة شبابية عصرية كتلك المستعملة والمنتشرة عبر بعض «أغاني الراب»، أم أنها تعتبر ترجمة فعلية لسلوكيات عنيفة، خصوصا وأنها تكتسي بطابع السرية، عكس» لغة الراب» التي أشرنا لها على سبيل المثال، التي تعيش في «الضوء»، هذا دون إغفال أن القصد من استعمال تلك الرموز «العنيف» منها و «المسالمة» قد يختلف من شخص لآخر، وذلك ما يمكن قراءة بعض من ملامحه على أرض الواقع من خلال بعض الرموز التي قد تحسب على هذا «الفصيل» أو ذاك، أو على فئة من المنتسبين إليه، على سبيل المثال الحصر.

تعبير على إيقاع «الفوضى»

رغم أن الكتابات والرسومات غير القانونية قد تبدو في «بعض صورها» وسيلة للتعبير عن «الرأي» أو التعبير الفني وترجمة لأبعاد جمالية، كما يرى ذلك عشاق ما يصطلح عليه بفن الجداريات أو الݣرافيتي، إلا أنها تعكس في شكلها غير القانوني أو غير المنظّم جانبا من الفوضى وعدم الاكتراث بحرية الآخر التي تنتهي عندها حريتنا كأفراد، وفقا لتصريحات عدد من استقت الجريدة رأيهم في هذا الباب، زيادة على ما تتسبب فيه من انتهاك لحقوق الملكية وتشويه لجمالية الأحياء، نتيجة للتلوث البصري المنبعث الذي قد يتأفّف معه خاطر البعض ممن لا يتقبلون هذا الوضع، مما يؤثر بحسبهم، عكسيا على جاذبية المنطقة ويترك انطباعا سلبيا لدى بعضا من الزوار والمقيمين، علما بأن هذه الظاهرة لقيت انتشارا واسعا لا يكاد يخل معه مرفق خاص أو عام من «سوأة» تلطيخ بخاخات الصباغة، التي طالت مختلف الجدران والأسوار، ولم تميز بين مؤسسة تعليمية أو منزل أو إدارة أو «مرفق صحي»؟
وتعتبر الكتابة غير القانونية على الجدران وفقا للقانون المغربي مخالفة للقوانين ذات الصلة التي تنظم استخدام الممتلكات العامة، ويتم معاقبة مرتكبيها وفقا لأحكام القوانين المنظمة لهذا النوع من السلوك، ويتضمن ذلك غرامات مالية أو عقوبات أخرى حسب درجات حمولاتها ومضامينها، والتي قد تصل إلى السجن في بعض الحالات الخطيرة كتلك التي تحرض على العنف والتطرف أو غيرها، وبعيدا عن الحلول الأمنية التي قد لا تبدي نجاعتها دائما مع هذه الظاهرة ذات «الطابع السري»، يراهن بعض المحللين بصفة أكبر على الجانب التحسيسي لامتصاص وطأة وحدّة هذه السلوكات، وذلك من خلال تكثيف حملات التوعية، سواء عبر الاحتكاك المباشر في الميدان أو عن طريق تسليط الضوء أكثر على هذه الظاهرة عبر مختلف منابر الإعلام الهادف.

مبادرات لـ «التنظيف»

وعلاقة بموضوع التحسيس بمساوئ هذه الظاهرة، عرف تراب درب السلطان بمدينة الدار البيضاء خلال شهر رمضان المنصرم تنظيم مبادرة جمعوية يطبعها التميز، استهدفت عددا من المدارس ومحيطها بهذا الموضوع، بشعار لم يخل من الإبداع والمتمثل في «ميساج في الحيط كيوسخ الحيط»، وفي هذا الشأن صرح فتاح زكي ممثل جمعية مبادرة الخير المسؤولة عن تنظيم هذه الحملة للجريدة قائلا «يأتي هذا العمل بشراكة بدرجة أولى مع مجلس دار شباب بوشنتوف إلى جانب كل من مجلس عمالة الدار البيضاء عبر برنامح أوراش والمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية الفداء مرس السلطان وكذلك العمالة، حيث عرفت المدرسة الابتدائية المنصور الذهبي بمقاطعة الفداء الانطلاقة الفعلية لهذه المبادرة قبل تعميمها فيما بعد على كل من مؤسسات عبد الله مسعود، وأبي ذر الغفاري، وإعدادية رابعة العدوية بمقاطعة مرس السلطان». وأضاف المتحدث قائلا «عملنا بنزولنا إلى الميدان على نهج سياسة القرب والتواصل المباشر لإيصال رسائلنا التوعوية حول مساوئ الكتابات والرسوم غير اللائقة بطريقة أفضل، واعتمدنا في سبيل ذلك على توزيع ملصقات معبرة إلى جانب تنظيف محيط المدارس من الكتابات والصور المسيئة، وتعويضها بجداريات فنية تجسد القيم الحضارية الحقّة للمجتمع المغربي».
وعن السياق التنظيمي لهذه المبادرة يضيف أشار زكي إلى أن هذه المبادرة «تأتي في إطار دق ناقوس الخطر، وكرد فعل ضد كل ما من شأنه أن يسيء إلى قيمنا الدينية والمجتمعية ويشوه بالموازاة مع ذلك جمالية مدينتنا»، مؤكدا «ما حفزّنا على ذلك إدراكنا العميق لسلبيات انتشار الكتابات والصور المسيئة على صعيد المؤسسات التعليمية، التي من المفروض أن تشكل بيئة صحية تعمل على التنشئة الاجتماعية السليمة والمسؤولة للأفراد، لذلك وجدنا من الضروري أن نستهدف عبر هذه الخطوة الناشئة الجديدة التي تشكل عماد الغد من أجل حمايتها عبر تنظيف محيطها والمساعدة في تخليقه».

جدران بدون «تعصب»

وإذا كانت مثل هذه الخطوة التي أقدمت عليها جمعية مبادرة الخير تندرج ضمن المبادرات الجمعوية القانونية المحمودة، التي دائما ما تلاقي استحسانا كبيرا من طرف الساكنة، فإنها بالمقابل قد لا تروق لبعض المتعصبين الذين قد لا يتقبّلون محو ما خطته أناملهم على جدران الغير، من رسوم وكلمات وتعابير، قد لا تعنيهم إلا وحدهم ولا تشكل قيمة مضافة للمتلقي الذي ينظر إليها، لأنها لا تحمل رسالة ذات أبعاد إنسانية واجتماعية ولا يكون لها مدلول عام، باستثناء تصريف حسابات خاصة في كثير من الحالات؟

صحافي متدرب


الكاتب : سامي القلال

  

بتاريخ : 22/04/2024