المبتدأ والمنتهى لقراءة رواية «أولادالكاريان» للكاتب محمد صوف

كاريان سنترال هو عشق فريق الطاس، الذي يقف خلف تأسيسه ثلة من رجالاتنا الوطنيين، عبد الرحمان اليوسفي وعبد السلام بناني والعبدي، هو مركز الأمن الذائع الصيت، الكائن بين درب مولاي الشريف والشابو، هو سينما السعادة أو سينما شريف

 

رواية «أولاد الكاريان» للقاص والروائي والمترجم محمد صوف، صدرت في الآونة الأخيرة، في حلة أنيقة وجميلة، عن منشورات أگورا بطنجة. وهي مكونة من 94 صفحة من القطع المتوسط. زيّن غلافها الأول بلوحة جذابة وممتعة «فرانزي أمام كرسي منحوت» للرسام والمصور والفنان التشكيلي الألماني «إرنست لودفيج كيرشنر» (1938-1980)، وطرز الغلاف الرابع بورقة تحليلية مختصرة ودقيقة بقلم الدار الناشرة، مما جاء فيها :
«في هذه الرواية يتقمص المكان دور الشخصية المحورية، ويحتضن الأحداث من ألفها إلى يائها. داخله تتفاعل شخوص كأنها ظلال له، تعكسه في كل تجلياته..»
عملا بنصيحة الصديق الشاعر محمد عرش، قرأت الرواية مثله في حصة واحدة، القراءة الأولى بطبيعة الحال، التي خصصت لها ليلة من ليالي رمضان هذا العام.دون لف أو دوران تدخلك «أولاد الكاريان»، إلى عوالمها. تأخذ بتلابيبك وتأسرك منذ الأسطر الأولى، تماما كما يأسرك شريط سينمائي، من الدقائق الثلاث الأولى، لتجد نفسك لاهثة خلف أحداثه، المشوقة والمحبوكة فنيا وجماليا. الأمر ذاته يحدث مع الرواية الأخيرة لكاتب «كازا بلانكا».
الفضاء العام لكل الأحداث هو كاريان سنترال خلال زمنين متعاقبين، قبيل الاستقلال وبعده.
بهذا الفضاء، وفي خلاء خلف مؤسسة كانت تتولى رعاية أبناء الشهداء، غير بعيد عن ملعب الطاس الشهير، تنطلق شرارة الحكاية المؤثثة لهذا العمل السردي الأخاذ. بهذا الخلاء يستفرد ثلاثة شبان، من أبناء الكاريان ذاته، بالبتول قصد التناوب على اغتصابها، وكادوا يدخلون في شجار عمن يفوز بها أولا، لو لم يخرج ولد غضيفة سكينه، ويحسم في الأمر، مهددا صديقيه علال وعبد القادر، مقررا أن تكون الغنيمة، ذات الأربعة عشرة ربيعا، من نصيبه بمفرده. هو الذي لم يقفل عقده الثاني بعد.
لم تكن البتول جميلة فقط، بل كانت ذكية أيضا، إذ تعلمت القراءة والكتابة بالكتّاب، ومنه انتقلت إلى المدرسة، لتكون الوحيدة من البنات، التي حصلت وقتها على الشهادة الابتدائية، لكن بمجرد بلوغها سن المراهقة، صارت محبوبة ومشتهاة، من قبل فقيه الكتّاب، وعبد القادر الذي لم يفلح في الظفر بها، وكذلك من قبل الذي كانت من نصيبه غصبا وبالقوة، أما من تُيم بها وتُيمت هي فعلا به، فكان إنسانا آخر غير هؤلاء جميعا.
ونحن نتتبع مسار البتول في الرواية، نجد أنفسنا نغوص في عوالم كريان سنترال، في فترة مفصلية في تاريخنا، حيث القوي يغتصب الفتاة التي لا إخوة لها، ويفعل الشيء ذاته مع صبيان بمواصفات محددة، لن يقدروا هم أيضا على إفشاء ما يحدث لهم، لأسرهم ولذويهم.
كاريان سنترال هو :
-عشق كل قاطنيه لفريق الطاس، الذي يقف خلف تأسيسه ثلة من رجالاتنا الوطنيين، عبد الرحمان اليوسفي وعبد السلام بناني والعبدي.
– مركز الأمن الذائع الصيت، الكائن بين درب مولاي الشريف والشابو.
– حب الوطن ومقاومة المستعمر، من قبل رجالات من أبنائه أو نازحين إليه، كبلعيد والفقيه البصري وبوعزة لمزابي ولفقيه العبدي والصغير المذكوري، وغيرهم كثر.
– التسليات الثلاث لأولاده، سينما السعادة أو سينما شريف، وعشق الطاس مع الإدمان على مشاهدة مبارياته، ثم لافوار، أو ما يطلق عليه بـ «المربحة البيضاوية».
وهو أيضا كما جاء على لسان الكاتب بالصفحة 88 :
« الكاريان كدار لقمان. لعوينة تسقي أبناءه. والشمع، ولدى البعض مصابيح الغاز تنير لياليه. والخوف من الحريق رفيقه الدائم. والصغار يكبرون رغم أنفهم على حد قول القاصين أحمد المصباحي وأحمد بطا..»
«أولاد الكاريان» هي البتول. والبتول هي عصب الحكاية في الرواية. هي المبتدأ وهي المنتهى. ما حدث لها في المستهل ليس حدثا عابرا، بل ستكون له امتدادات عبر سيرورة السرد. وكلما اعتقدنا أن مسارها توقف في محطة ما، تخرج مجددا من ثنايا الحكاية، لتبصم على حضور متجدد، تقودنا عبره بالتدريج والتدرج، إلى خاتمة الحكاية، وكانت هي من افتتحتها كما أسلفنا.
وعلى أساس أن «الراوئي» هو خير كاتب للتاريخ»، فأنا اعتبر رواية «أولاد الكاريان» وثيقة أدبية، حول كاريان سنترال، في فترة من فتراته، العصيبة والزاهرة في الوقت ذاته. صاغها مؤلفها الكاتب والمترجم والسينيفيل، محمد صوف، بلغة شفافة ومطواعة، ثم عبر سرد فني.بديع وجميل، فيه من المتعة بقدر ما فيه من الإثارة والإدهاش والتشويق.
لا بد من الإشارة في الختم، إلى أن ما خطته أناملي بصدد هذه الرواية، جاء نتيجة إعجابي بها وعشقي لها، الذي يضاهي حبي وعشقي الوارفين، ثم تقديري الكبير لمؤلفها، الذي تعلمت من إبداعه الشيء الكثير، والذي كنت ولاأزال من قرائه الأوفياء، في الأصناف الأدبية الثلاثة التي يبدع فيها، القصة القصيرة ثم الرواية والترجمة.


الكاتب : عبد الحق السلموتي

  

بتاريخ : 10/05/2024