المجانية في المستشفيات العمومية بين النظري والتطبيق

 

تعتبر المجانية في المستشفيات العمومية مصطلحا فضفاضا، يوحي ظاهره بأن المريض المعوز يمكن التكفل به صحيا في الفضاءات الصحية العمومية تكفّلا تاما، والحال أن هذا الأمر تعتريه العديد من الصعوبات والإكراهات. وضع تؤكده يوميات المستشفيات العمومية بمختلف مناطق المغرب، التي تعاني من خصاص كبير في الأدوية، ومن أعطاب متكررة في المعدات البيوطبية وأجهزة التشخيص المكمّلة، وحتى العلاجية منها، إلى جانب النقص الكبير في المفاعلات المخبرية، الأمر الذي يقلّص من لائحة التحاليل التي يمكن إجراؤها.
إن الولوج إلى العلاج بالمؤسسات الصحية العمومية، لا يتسم دائما بالسلاسة، بسبب الإقبال الكبير عليها وارتفاع الحاجيات الصحية للمرضى، خاصة المعوزين الذين يشملهم نظام المساعدة الطبية والحاملين لبطاقة «راميد»، الذين وبعد استيفاء العديد من المساطر والشروط، والتي من بينها آجال المواعيد، يمكن لعدد منهم تحقيق مبتغاهم الصحي، والاستفادة من الفحص والتشخيص، بحسب ما هو متوفر، كما يمكن للبعض إجراء عمليات جراحية مكلّفة، والأمثلة كثيرة في هذا الباب التي لا يمكن إنكارها، لكن هناك الكثير من المرضى الذين يصطدمون بواقع أعطاب التجهيزات، كما هو الحال بالنسبة لمرضى السرطان، على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي ضرورة وحتمية التوجه نحو القطاع الخاص من أجل إجراء فحوصات معينة وتحاليل ضرورية، وهو ما لا يكون في متناول جميع المرضى، لا سيّما إذا كان المرض مكلّفا وعلاجه طويل الأمد، ويتطلب القيام بالعديد من التدخلات خارج أسوار المستشفى العمومي.
إن المجانية تقتضي التكفل الشامل بالمريض، من خلال توفير وتسخير كل الإمكانيات المتوفرة في المستشفى العمومي، وإذا ما تعذر إجراء فحص معين أو تحليلة خاصة، لظروف معينة، فإن وزارة الصحة، وفي إطار الشراكة بين القطاع العام والخاص، من المفروض أن توجه المرضى صوب مؤسسات صحية خاصة، سواء تعلق الأمر بمختبرات للبيولوجيا أو للأشعة أو غيرها، لإتمام الفحوصات التي يتطلبها وضعهم الصحي، مع تحمّلها لكل النفقات التي ستترتب عن ذلك، آنذاك يمكن الحديث عن المجانية مفهوما وتطبيقا، يلامس المريض وقعها وأثرها في حياته اليومية، أما في الوضع الحالي فإن المستشفيات العمومية تعاني من خصاص كبير، وميزانياتها تئن بسبب عدم تسديد ما بذمة مجموعة من الأطراف المعنية بتمويل نظام «راميد»، وهو ما لا يؤهلها لتطبيق هذا الشعار المرفوع وتجسيد مدلوله الفعلي عمليا.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 28/12/2019