المجلس الأعلى للتربية والتكوين يدعو إلى وضع الأكاديميات الجهوية ضمن نسق ناجع للحكامة الترابية

قال المجلس الأعلى للتربية والتكوين إن المشروع المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 07.00 المنظم للأكاديميات ظل وفيا لنفس النظام المعمول به حاليا، ذلك أن التتميمات التي يقترحها على الرغم من أهميتها لا تجيب عن الأسئلة الكبرى ذات الصلة بالحكامة الترابية للشأن التربوي والمهام والأدوار الاستراتيجية التي تؤسس لها، وأضاف المجلس في تقريره المتعلق بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الصادر مؤخرا والموجه لرئيس الحكومة، أن المجلس يتوخى من خلال التوصيات التي يقدمها في هذا التقريرفي شأن مشروع قانون بتتميم وتغيير القانون 07.00 القاضي بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الإسهام في تعميق مقتضيات مشروع القانون، في اتجاه جعله حاملا للمقومات التشريعية الكفيلة بإحداث التغيير المنشود في نمط الحكامة الترابية للمنظومة، سواء من حيث المسؤولية، وقواعد القيادة والريادة، أو من حيث الهيكلة، والتنظيم، والتنسيق، وممارسة الصلاحيات، وتدبير العلاقات وفضاءات الاستشارة، واتخاذ قرارات القرب.
وأوصى المجلس في تقريره /رأيه الذي تتوفر الجريدة على نسخة منه، بإدخال تغييرشامل وعميق على القانون 07.00 وبلورة تصور قانوني مستقبلي ومواكب للمستجدات يكون كفيلا بوضع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والبنيات التابعة لها ضمن نسق ناجع للحكامة الترابية، يحمل تغييرات حاسمة، تستمد قوتها من التوجهات والمبادئ والمقومات والقواعد التي أوردها القانون-الإطار51.17 ، من أجل إرساء “جيل جديد من الأكاديميات “.
ودعا المجلس، في إطار المجهودات المبذولة لتجميع النصوص التشريعية المنظمة للتعليم المدرسي، إلى دراسة إمكانية دمج أحكام مشروع القانون المتعلق بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في مشروع القانون المتعلق بالتعليم المدرسي من أجل بلورة مدونة قانونية متكاملة.
واقترح المجلس توصياته بهدف الإسهام في مراجعة هذا النص القانوني عبر تحديد مجموعة من المجالات التشريعية التي تستلزم المراجعة أو التوضيح أو التدقيق أو الإغناء. ودعا إلى توضيح وضع الأكاديمية، بين كونها مؤسسة عمومية تشتغل في دائرة المهام والاختصاصات الموكلة إليها بنص تشريعي، وتنفذ قرارات مجلسها الإداري وتحت وصاية السلطة الحكومية، وبين كونها بنيات إدارية جهوية لا ممركزة، تضطلع بمهام تمثيل الإدارة المركزية على المستوى الجهوي، عبر صلاحيات مفوضة لها بقرار وزاري لا تدخل ضمن الاختصاصات الأصلية للأكاديمية، وتمارسها تحت السلطة المباشرة للإدارة المركزية مؤكدا أنه من المفيد توصيف التنظيم الترابي للتعليم المدرسي من حيث كونه، إما منتظِما في هيكلة لامركزية تتشكل من مؤسسات عمومية مستقلة، وإما في تنظيم ترابي يجمع بين هيكلة لامركزية، وأخرى لاممركزة متفرعة عن الإدارة المركزية، مع تحديد لائحة صلاحيات الإدارة المركزية التي يمكن نقلها إلى الأكاديمية كاختصاصات ذاتية محددة في نص مشروع هذا القانون، ولائحة الاختصاصات الأخرى التي تتعلق بصلاحيات الإدارة المركزية التي يمكن تفويضها للأكاديمية، من أجل تدبيرها، وتمثيل الإدارة المركزية على المستوى الجهوي. كما شدد على أنه يتعين تجسيد مبدأ الاستقلالية المخوَّل للأكاديميات، عبر صلاحيات واختصاصات تُمكّنها من اتخاذ القرار وتنفيذه مما يمكّنها من تعزيز استقلاليتها التربوية والإدارية، والمالية.
وبخصوص المؤسسات التعليمية فقد أكد المجلس على أهمية تحديد نطاق استقلاليتها، باعتبارها جزءا من التنظيم الترابي للأكاديمية،.وهي الاستقلالية التي كرستها الرؤية الاستراتيجية بمثابة مبدأ في حكامة المنظومة وكإحدى مقومات التفريع في تدبيرالتعليم المدرسي، واقترحت الهيئة الاستشارية في تقريرها إدراج عدد من المقتضيات التي تحدد مجالات إشراف السلطة الحكومية على الأكاديميات الجهوية بشكل يعزز استقلالية هذه الأخيرة من جهة، ويوضح الدور الاستراتيجي والتنظيمي للسلطة الحكومية، من جهة أخرى.
واقترح المجلس إدراج عدد من المقتضيات التي تحدد مجالات إشراف السلطة الحكومية على الأكاديميات الجهوية، ولاسيما في ما يتعلق، على سبيل المثال لا الحصر، بالمجالات التالية:
•مجال المشروع الجهوي متعدد السنوات لتنمية وتطوير التعليم المدرسي، تتولى فيه الأكاديمية مهمة الإعداد والتنفيذ، ويضطلع فيه مجلسها الإداري باختصاص المصادقة في هذا المستوى، في ما تحتفظ فيه السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي بصلاحية المصادقة النهائية والتأشير على المشروع.
•إبرام عقود -البرامج ثلاثية الأطراف بين الدولة والأكاديمية والجهة، وهي العقود التي تحدد التزامات كل طرف
في إنجاز الأهداف المتضمنة في المشروع الجهوي، وعمليات التنفيذ، والتدابير، والتمويلات والتتبع والتقييم. تتولى
الأكاديمية، في هذا المجال، مهمة الإعداد بشراكة وتنسيق مع السلطات الحكومية المعنية، في ما يضطلع مجلسها
الإداري باختصاص المصادقة والتتبع والمراقبة، وتظل صلاحية المصادقة النهائية والتتبع والتقييم موكلة إلى
السلطات الحكومية المعنية، لاسيما قطاعي التعليم المدرسي والمالية، وأوصت الهيئة، في المقابل، بمراجعة اختصاصات الأكاديميات وتمتيعها بمهام وصلاحيات تمكّنها من تنمية التربية والتعليم والتكوين بالجهة، وتوفير التعليم المدرسي وجميع الخدمات العمومية المرتبطة به، والعمل على ضمان الولوج إليها لجميع الأطفال في سن التمدرس المتواجدين داخل المجال الترابي التابع لها، وتنفيذ السياسة العمومية والبرامج والمشاريع التي تضعها السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي، وذلك وفقاً للقوانين والنصوص التنظيمية والضوابط والمعايير المنظمة لهذا القطاع، ويمكن، على سبيل المثال، أن يتضمن تفصيل هذه الاختصاصات المجالات التالية لتَدخُّل الأكاديميات: تنمية العرض المدرسي الجهوي وتنويعه، تطوير البنية التحتية والتجهيزات المدرسية وتحسين ظروف استقبال المتعلمين، تفعيل النموذج البيداغوجي الوطني، العمل على التكييف اللازم للعرض المدرسي الجهوي، إدماج الرقميات في النظام المدرسي، توفير الدعم من أجل التربية والتكوين لفائدة المتعلمين، تطوير الموارد البشرية وكفاءاتها والرفع من أدائها، تطوير البحث والابتكار، ليساهم في تحسين منظومة التعليم المدرسي بشكل عام، والممارسات المهنية بشكل خاص. إحداث شبكات مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، تطوير برامج للإشعاع الثقافي والفني والرياضي والانفتاح على المحيط، إبرام شراكات مع هيئات ومؤسسات وطنية ودولية، الإشراف على مؤسسات التعليم المدرسي التابعة للقطاع الخاص، ومؤسسات التعليم المدرسي غير الربحية وضمان التزامها بمبادئ المرفق العمومي، القيام بمهام المراقبة والتقييم والافتحاص، المنْصبّة على الأداء التربوي والتدبيري للمؤسسات التعليمية،العمومية والخاصة على السواء.
وفي المجال المالي أوصى المجلس بتوسيع اختصاصات الأكاديميات عن طريق منحها الحق في التخطيط وتوزيع الميزانية حسب حاجاتها الفعلية والتفاوض بشأنها وتـرتــيب الأولويات والتنفيذ، بالإضافة إلى تنويع مصادر تمويلها لاسيما عبـر تمكيـنها من تقديم منتوجات وخدمات مؤدى عنها، تدخل في بـاب اختصاصهـا وخبـرتها الوظيفيـة.
ولم يغفل رأي المجلس الموجه لرئيس الحكومة التسطير على كون مشروع القانون لم يحدد بوضوح مهام ومسؤوليات الأكاديميات في مجالات التكوين والبحث التربوي مشددا على ضرورة الربط بين المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والأكاديميات، لما سيحققه ذلك من نجاعة في تدبير التكوين الأساس والمهني، وبناء تصور واضح ومندمج لأدوار ومسؤوليات هذه المكونات للمنظومة على الصعيد الجهوي والعمل على إرساء بنية وطنية، تشتغل ضمن التوجهات الكبرى للسياسة العمومية في مجال مهن التربية والتكوين. أما بخصوص المنهجية التشاركية في تدبير التعليم المدرسي فقد أكد المجلس أن قطاع التربية والتكوين من بين القطاعات الأكثر حاجة إلى إعمال المقاربة التشاركية في تدبير شؤونه، وفي دعمه ومؤازرته، وفي الدفع به إلى تحقيق غاياته المجتمعية، لذلك، ومن زاوية اعتبار المقاربة التشاركية سبيلا للانخراط العملي في التفكير والتطبيق والتتبع، وليس فقط التعبير عن المطالب والانتظارات، فإنه يوصي بإشراك الفاعلين والشركاء على المستوى الجهوي، إحداث هيئة استشارية توفر للمديرية الإقليمية فضاءً للتشاور والاقتراح بإمكانه أن يضطلع بمواكبتها في إعداد وتتبع أنشطة تنمية التعليم المدرسي على صعيد الإقليم، وإتاحة الفرصة أمام الفاعلين والشركاء الاجتماعيين والمؤسساتيين على المستوى المحلي، من أجل الإسهام، على نحو تشاركي، في اقتراح تدابير وأنشطة تتوخى تحسين وتقوية الخدمة المدرسية، ومواكبة مختلف أعمال وأنشطة تطوير التعليم المدرسي على المستوى الإقليمي، والمشاركة في اتخاذ بعض القرارات التي تستلزم انخراطا جماعيا.
ولم يفت رأي الهيئة الاستشارية التنصيص على مبدأ المناصفة في النص التشريعي، مع الإحالة على نص تنظيمي يحدد النسب الدنيا لتمثيلية النساء في هذه الهياكل ومناصب المسؤولية، يتعلق الأمر باستحضار المبدأ الدستوري الرامي إلى تحقيق المناصفة في إسناد المسؤوليات الجهوية والإقليمية، على مستوى المؤسسات التعليمية، وكذلك في تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات، وتركيبة اللجان المتخصصة الدائمة والمؤقتة المنبثقة عنها، والهيئات الاستشارية، ومناصب المسؤولية على مستوى بنيات التعليم المدرسي الجهوية والإقليمية والمحلية.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 06/01/2022