المحامي محمد المموحـي من هيئة تطوان لـ «الاتحاد الاشتراكي» : واقع مهنة المحاماة اليوم مقلق

 

 ماهي الانشغالات المقلقة للمحاماة في ضوء ما يجري الآن؟

تاريخيا ومنذ الاستقلال، كانت المحاماة وروادها في طليعة القوى الوطنية الحية المكافحة من أجل تثبيت الاستقلال السياسي ودعمه بإرساء دولة المؤسسات بإقامة نظام ديمقراطي يحقق أحلام وآمال المغاربة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وإقامة مؤسسات قضائية عصرية لعدالة نزيهة تحمي الحقوق وتصون الحريات.
كما ساهمت مهنة المحاماة ورجالاتها الرواد إلى جانب القوى التقدمية وناضلت ضد كل أشكال الاستبداد في مراحل ما اصطلح عليه سنوات الجمر والرصاص وما عرفته البلاد آنذاك من حملات الاعتقالات بسبب الرأي المخالف للنظام السياسي، وكان لرجال البذلة السوداء أدوار بارزة في الدفاع عن قيم الحرية والعدالة، حيث واجهوا مختلف أساليب التضليل، وصمدوا في وجه الظلم وسجلوا حضورهم القوي في مختلف المحاكمات السياسية من المحاكمة الكبرى بمراكش إلى المحاكمات العسكرية واستمر حضورهم القوي في مختلف المحطات التاريخية التي شهدتها البلاد والجدير بالاعتزاز في تراث وتاريخ مهنة المحاماة. إن النضال الحقوقي لم يكن معزولا عن النضال السياسي العام الذي انخرطت فيه مجمل القوى الوطنية والتقدمية لإقامة نظام حكم ديمقراطي في ظل دستور منبثق من الإرادة الحرة للشعب يؤسس لدولة الحق والقانون وفعل حقيقي للسلطة، وقد كانت لهذه الأدوار التي لعبها رواد المهنة ضريبة كبيرة بلغت ذروتها مع استشهاد الأستاذ الشهيد عمر بنجلون وهو في أوج عطائه المهني والسياسي.
واستمرت هذه الأدوار، في مراحل التحولات والانتقالات الكبرى التي مرت بها البلاد. حيث بصم المحامون ببصمتهم الراسخة في ملفات العدالة الانتقالية وتجربة المصالحة والإنصاف التي دشنت لمرحلة تحول نوعي في مسار البلاد نحو أفق القطع مع تجارب الماضي الأليم، وفي مجال حقوق الإنسان كان لها الدور المحوري في بلورة الميثاق الوطني لحقوق الإنسان الذي دشن لمرحلة جديدة من الاهتمام المجتمعي بملف أوضاع حقوق الإنسان إن على مستوى التشريع والقوانين والواقع أو على مستوى الترافع بشأنها لدى مختلف المؤسسات والهيئات الوطنية والدولية، حتى أصبحت ثقافة حقوق الإنسان مكونا أساسيا في حركية المجتمع المغربي.
إذا كانت هذه الصورة المشرقة هي الصورة المترسخة لدى الرأي العام الوطني والمهني عن تاريخ المحاماة بالمغرب. في المقابل من هنا يطرح السؤال الآن عن الصورة الحقيقية التي أصبحت عليها المحاماة الآن.

 وما هي أسبابها وأساليب معالجتها بطرح بعض الأسئلة المقلقة عن طبيعة الانشغالات المطروحة؟

الانشغال الأول: هو الانشغال بقانون المهنة المطروحة، وقبل إبداء بعض الملاحظات بخصوص مشروع قانون المهنة المطروحة ، لابد من تسجيل ملاحظة أساسية على واقع المهنة. إن واقع مهنة المحاماة اليوم هو واقع مقلق، وهذا القلق هو تصورعام يسود مجمل الهيئات الوطنية، وهو القلق على مصير هذه المهنة، وعلى أدوارها، وحتى على مؤسساتها، وعلى واقع العدالة ببلادنــا.
وزاد هذا القلق بسبب الأزمة العميقة التي انفجرت أخيرا مع المقارنة الأحادية التي دشن بها وزير العدل منهجية تعاطيه مع الشأن المهني.وطريقة طرح لمسودة مشروع تعديل قانون المهنة الذي زاد في تعميق هذا القلق وزاد في درجة الأزمة القائمة، انضافت إلى هذا ما ورد في قانون المالية من مستجدات ضريبية تثقل كاهل المحامين، ولا تراعي وظيفتهم الإنسانية ورسالتهم الحقوقية، ولا تنتبه إلى خصوصية مهنة المحاماة التي تحتاج إلى قانون ضريبي عادل ومنصف ينطبق من تشخيص واقعي لشروط الممارسة المهنية وحاجيات الأجيال الشابة التي التحقت بالمهنة، وقد واجه المحامون هذه المستجدات بحراك مهني غير مسبوق، رافضا لأي مساس بثوابت المهنة ورسالتها ومدافعا عن المكتسبات التاريخية المهنية، وفي هذا الصدد لابد من الإشادة بكثير من العرفان بالدور المميز الذي لعبه الفريق الاشتراكي لمجلس النواب سواء داخل لجنة العدل والتشريع أو بالجلسة العامة، حيث صوت بالرفض للمستندات الضريبية التي اقترحتها الحكومة في قانون المالية لسنة 2023 الذي جاء في جوهره لصالح الشركات التجارية الكبرى بالإعفاءات الضريبية التي استفادت منه على حساب القاعدة الواسعة من الفئات المهنية وفي مقدمتها مهنة المحاماة. التي ستأثر بشكل سلبي بهذه المقتضيات. والتي يتعين سحبها وتصحيح الوضع بطرح مقتضيات ضريبة تراعي خصوصية المهنة.
وقد تابع معنا الرأي العام الوطني والجرائد الوطنية، ووقف على حجم التذمر والقلق السائد في المشهد المهني، والذي فاقم الأمر هو فقدان الثقة في المؤسسات المهنية بعجزها عن مواكبة أطوار الحراك المهني، الذي خرج إلى الشارع متجاوزا مجمل النقابات، ومطالبا وزارة العدل بسحب مشاريعها الأحادية الضارة بالمهنة، وقد ازداد منسوب انعدام الثقة في مكتب جمعية هيئات المحامين، بخصوص طريقة تدبير الحوار مع وزارة العدل بشأن مشروع قانون المهنة، الذي كان من المفروض ان يمر إلى مسطرة التشريع خلال هذه الدورة البرلمانية، وهو الحوار الذي بقي في أطوار السرية بين الوزارة والجمعية، ولم يعلم بشأنه عموم المحامين أي شيء، ولم يجر بشأنه أي حوار مع الهيئات المهنية.
من هذه المنطلقات يعتبر مشروع تعديل قانون المهنة من الانشغالات المحورية للمحامين المغاربة، لأنه من المفروض في هذا المشروع أن يرتقي إلى مستوى تشريع يوسع من عمل المحامي واختصاصه. بدل ما هو قائم وأن يلزم الدولة والمؤسسات العمومية والإدارات العامة والجماعات الترابية المختلفة بالاستعانة بالمحامي أثناء مباشرة أي مسطرة قضائية كيفما كان نوعها ومستواها، وأن يتضمن المشروع إلزامية حضور المحامي في جميع قضايا المعتقلين، وأن لا يقتصر هذا الحضور والمؤازرة على قضايا الجنايات بل يتعين أن يشمل حتى الجنح التي تكون فيها حالة الاعتقال إلى غير ذلك من القضايا المرتبطة بقانون المهنة، وهي القضايا التي ستخصص لها حيزا كاملا تفصيلا للندوة التي نظمها فريق الحزب بمجلس المستشارين مع تنسيقية القطاع الاتحــادي.
الانشغال الثاني: هذا الانشغال يرتبط بمصير التعاضدية العامة لجمعية هيئات المحامين بالمغرب باعتبار الإطار الذي يدبر التغطية الصحية لعموم المحاميات والمحامين، وهي التعاضدية التي تأسست في عهد الرئيس النقيب الطيب السياسي في يناير سنة 2008. وتعمل على توفير التغطية الصحية لما يفوق 20 ألف محامية ومحام وأسرهم وتعتبر من المكتسبات الهامة، هذه التعاضدية تمر الآن في مرحلة دقيقة من عمرها بعد صدور القانون رقم 18/98، الذي يحدد مقتضيات تطبيق نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض، وبعد صدور النصوص التطبيقية، الذي يضع فئة المحامين ضمن الفئات الملزمة بقوة هذا القانون بالانخراط في نظام التأسيس الإجباري عن المرض، هذا الانشغال بمصير التعاضدية التي يتمسك بها المحامون كإطار مؤسساتي مكلف بالتأمين على المرض بالنسبة لهم ولأسرهم يواجه تحديا جديدا يتمثل في محاولة انخراط بعض الهيئات في عقد اتفاقيات منفردة مع وزارتي العدل والمالية وصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتمهيد الطريق لآلية الاندماج في النظام الإجباري، وهو ما قد يتسبب في كارثة اجتماعية مالية لعموم المحامين، وعلى وجود التعاضدية وخاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لشرائح واسعة من المحاميــن.

 ماهو واقـع القضـاء وأوضاع العدالة حاليا في المغرب؟

لابد من التذكير أن استغلال السلطة القضائية الذي تحقق في دستور 2011، كان مطلبا أساسيا من جملة المطالب التي ناضلت من أجلها هيئة الدفاع مع مختلف القوى الحية بالبلاد، ويعتبر هذا المكسب، وما أتى به هذا الدستور من قواعد والمبادئ التي نص عليها وعلى ضمانات المحاكمة العادلة التي أتى بها، وبعد مرور كل هذا الحيز الزمني على هذه التجربة، لابد من التساؤل عن واقع القضاء وأوضاع العدالة. خاصة، في ضوء التقارير الوطنية والدولية التي انتقدت قصور أداء العمل القضائي وبطء آليات استغلاله، وتأثير كل ذلك على مستوى الاستثمار حيث اعتبر تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن العدالة تحتل المرتبة الرابعة ضمن العوامل المعيقة للتنمية واستمرار الاستثمار وتحسيس مناخ الأعمال، وهو نفس الانتقاء الذي ورد في تقرير الخارجية الأمريكية وطبعا يعتبر المحامون الفئة الأكثر احتكاكا وتفاعلا مع جهاز العدالة ومؤسسات القضاء، وهو على اطلاع على مختلف أوضاع المحاكم، وهي أوضاع في مجملها غير مطمئنة، فهي تحد من الولوج المستنير إلى العدالة الذي هو مطلب كل مواطنة ومواطن.
إضافة إلى هذه الانشغالات المحورية، هناك أيضا قضايا تكتسي أهمية كبيرة في تقوية مهنة المحاماة وتحصينها، وهي معاهد التكوين الذي ينص عليها القانون المنظم للمهنة، دون أن ترى النور إلى الوجود وهو أمر مقلق جدا ويضع علامة استفهام حقيقية على مصداقية توجه الوزارة وما تصرح به في هذا الموضوع المتعلق بإحداث معاهد للتكوين.
أيضا هناك ورش أساسي هو ورش التخليق الذي يعتبر مفتوحا باستمرار بما يعنيه هذا التخليق من محاربة كل أشكال الفساد واستعادة قيم النزاهة والاستقامة والالتزام بقيم المهنة ورسالتها الإنسانية. وفي هذا الباب أصبحت الحاجة ماسة إلى بلورة ميثاق لأخلاقيات مهنة المحاماة لتنظيم آدابها وأعرافها، وتحصينها من كل الانزلاقات التي تتربص بها خاصة في مرحلة الانتخابات المهنية حيث بدأت تبرز بعض مظاهر الانحراف وشراء الذمم التي كانت غريبة عن جسم المحاماة.


الكاتب : حاوره : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 03/06/2023