المخرج السينمائي حسن بن جلون:الفنان والكاتب والموسيقي والمثقف بصفة عامة.. عليه أن يجيب عن متطلبات الوسط الذي يعيش في كنفه

حسن بن جلون عرفه الجمهور المغربي كمخرج سينمائي من خلال عدة أعمال ذات مواضيع هادفة، لكنه أيضا درس الصيدلة قبل أن يلتحق الى عالم الفن السابع، وهو أيضا إنسان مبدع تأثر بظروف الجائحة و تداعياتها.
عن هذا الانتقال و عن حياته و مدى تأثره بالظروف الحالية وجديده، كان لجريدة «الإتحاد الإشتراكي» هذا الحوار الممتع..

 

p لدى المخرج حسن بنجلون كمية من الأفلام مثل: الغرفة السوداء، أصدقاء الأمس.. وكلها لقيت الإستحسان لدى جمهور عريض وأثارت اهتمام المهتمين بالشأن الفني والمثقفين.. فهل في نظركم لأنها تتطرق لمواضيع مثيرة مثل مسألة التعايش و سنوات الرصاص؟

n أحاول أن أواكب هموم المجتمع المغربي، لأنني أومن بأن الفنان والكاتب والموسيقي والمبدع بصفة عامة والمثقف.. يجب عليه أن يجيب عن متطلبات الوسط الذي يعيش في كنفه.
وشخصيا أحاول في السينما أن أشتغل على الذاكرة، وبالتالي منذ شريطي الأول «عرس الأخرين» تطرقت لموضوع العاطلين الحاصلين على الديبلومات في فترة التسعينيات الذين بالرغم من حيازتهم لديبلوماتهم لم يستطيعوا الحصول على عمل.
كما تطرقت في عدد من أفلامي لموضوع المرأة، وكانت في إطار ديناميكية عرفها المغرب خلال سنوات الـ 2000، والحمد لله أنا جد مسرور بفضل أفلامي وأفلام العديد من المخرجين، كما بفضل العديد من الكتاب .. استطاعت مدونة الأسرة أن تعرف طريقها للوجود بشكل سريع.
بعد ذلك تم الاشتغال على سنوات الرصاص، وتم إنتاج عدة أفلام وعدة كتب.. تعكس هاته المرحلة، ونرى أنه نتيجة ذلك كانت المصالحة وانتهت برد الاعتبار للعديد من الأشخاص الذين كانوا منضمين في حركات سياسية مثل حركات «إلى الأمام» أو «20 مارس» أو غيرها من الحركات.
بعد ذلك تم التطرق للهجرة السرية من خلال فيلم «المنسيون» … وهناك عمل آخر حول القضية الفلسطينية وفيلم عن الملحن عبد السلام عامر..
اخترنا أيضا، بمعية فريق عملي، وأظننا كنا السباقين، تيمة «هجرة اليهود المغاربة»، وقد تلت ذلك عدة إنتاجات من كتب وأفلام تتمحور حول هذا الموضوع، بل أيضا تم إنجاز أطروحات في الجامعة تطرقت لها.
كل ما سبق يجعلني أخلص إلى كون دورنا كمبدعين، هو تحفيز أفراد المجتمع على التفكير ودفع الناس إلى التمحيص وتحليل ظاهرة مجتمعية ما، وهذا هو دور المثقف بصفة عامة، ولو أنني لا أعتبر نفسي بمثقف بل فقط أعكس، بما أملكه من ملكات ومعارف وأليات، ما يروج في الوسط الذي أعيش فيه وأكسر الطابوهات محاولة مني لتطوير المجتمع المغربي.

p في أي إطار يصنف المخرج حسن بن جلون نفسه؟ وهل يمكن تصنيف أعماله ضمن الأعمال الملتزمة؟

n أظن أن أعمالي السينمائية متنوعة، ففي كل مرة أتحدث عن موضوع معين. هناك من يعتبرني أقوم بسينما ملتزمة، لا أظن ذلك على الاقل ليس في كل مرة. فهناك فقط محاولة لتكسير الطابوهات، وهذا ما قد يعتبره البعض سينما ملتزمة، وأنا أعتبرها سينما المجتمع Cinema societale.
ونحاول فقط أن نتتبع حاجيات المجتمع، وهذا هو التصنيف الذي يمكنني أقوله عن سينما حسن بنجلون

p من هو حسن بن جلون بنظرة حسن بنجلون نفسه؟

n ازددت بمدينة سطات، فوالدي من مدينة فاس ووالدتي من مواليد سطات.. ترعرعت داخل أسرة كبيرة ومتعددة، بحكم أن والدي كان متزوجا بثلاث نساء . وكنت في الشارع سطاتيا وما أن أدخل المنزل حتى أصبح فاسيا أمارس عادات وتقاليد فاس، و بالتالي فكانت لدي تربية مزدوجة، خليط ما بين العادات السطاتية والفاسية، وهذا ما أعتبره غنى في حد ذاته.
وأذكر أنني في طفولتي، كنت أحضر مجالس الحلقات (بتسكين اللام) وبها تعلمت الحكي كما كنت أتتبع المسلسلات في الراديو أذكر منها «القايدة طامو» وربما هاته المرحلة هي التي جعلت مخيال الطفل الذي كنته واسعا، بحيث كنت أتخيل وأبتكر الديكورات والشخصيات والقصص والفضاءات.. لأنه حينها لم تكن هناك الصورة، بل فقط الراديو أو الحكي .
من جهة أخرى كان لي الحظ أنني من جيل عرف حركية و نشاطا ثقافيا بالمدرسة، فحظيت بشرف التكوين على يدي أساتذة مغاربة و فرنسيين على السواء، الذين ربوا فينا الشغف بالمطالعة من خلال عادات جميلة، بحيث يمنح لكل تلميذ كتاب معين سواء باللغة العربية أو الفرنسية يكون عليه قراءته في مدة لا تتعدى الـ 15 يوما ليعود بعد ذلك بتلخيص وتحليل لما قراه تتم مناقشته جماعة.
فضلا عن ذلك فقد كان بمدينة سطات ناديان سينمائيان، كنت مواضبا عليهما.
وهكذا، فالحلقات والنوادي السينمائية وقراءة الكتب..كلها ساهمت في تكويني، ولا أنسى تأثير العائلة حيث كان لدى أخي الأكبر اهتمام واسع بالمجلات التي تتطرق للفن والسينما، يحتفظ بها ويجمع صور السينمائيين والممثلين التي كانت تبهرني وكنت شغوفا بها واعتدت النظر فيها وأن أسرح بخيالي.
بعدها أحببت أن أدرس السينما، لكن والدي مانع، فدرست الصيدلة بفرنسا، وعندما عدت للمغرب فتحت صيدليتي بمدينة سطات، لكن بعدها رجعت لفرنسا لأحقق حلمي، فولجت للمعهد الحر للسينما الفرنسية لأدرس السينما، و قمت بتدريبات عملية بكل من قنوات فرانس 3 وفي ميدان الإشهار قبل أن أعود للمغرب.
بالمغرب التحقت بفرقة الدرالبيضاء التي كانت تتكون من محمد الركاب رحمة الله عليه، و مصطفى الدرقاوي و سعد الشرايبي وحكيم النوري وعبد الرحمان الخياط و السي محمد الختير رحمة الله عليه وعدة إخوان آخرين و الدرهم.. وكونا فريق الدارالبيضاء تحت إسم Les cinéastes associés.

p كيف عشتم فترة أزمة كورونا وما تطلبتها من حجر صحي؟ كإنسان وكفنان؟

ظروف كورونا هي قاسية ليس على ميدان الفن فقط، بل على عدة مجالات، المجال الفني أكيد تأثر بكيفية كبيرة وتجلى أثاره على القاعات السينمائية والمسارح التي أقفلت للأسف الشديد، لأنه لم تعد هناك حفلات ومهرجانات…
من جهة أخرى، فإن هاته الجائحة جعلت الفنانين يتفرغون للإبداع، فمثلا أنا شخصيا دفعتني هاته المرحلة إلى الكتابة بكثافة وكتبت وثائقيا يحمل إسم Jock, le dernier du Mellah.
وكتبت شريطا مطولا بعنوان «حبيبة» وقد تم تصويره. وأيضا أتممت كتابة شريط «جلال الدين» وتم تصويره أيضا. فضلا عن ذلك كتبت فيلمين تلفزيين، بعنوان «ليلى بهيج» و«الحديقة الزرقاء» .
وبالتالي فهاتان السنتان اجتهدنا فيهما كثيرا في الكتابة وأيضا في التصوير، وأتمنى أن هاته الأعمال ترى النور عندما تفتح القاعات السينمائية.
هاته هي أعمالي الجديدة إذن، وأتمنى أن يرفع عنا هذا الوباء وترجع المياه لمجاريها ويرجع الفن لمستواه الراقي، وأن نلتقي جمهورنا في القريب العاجل ويفتح باب المهرجانات كما كنا سابقا..


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 05/02/2022