المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية 9- يهود الصويرة خلال فترة السلطان عبد الرحمان بن هشام (1822/1859)

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

 

حاول السلطان مولاي سليمان جاهدا منع أي تسرب أجنبي خلال ولاية عهده ورغم خروج بعض المناطق عن طاعة المخزن كما هو الحال بالنسبة لزعامات الجنوب المغربي؛ وبخاصة آل بودميعة بسوس الأقصى، إلا أن السلطان أرسل حملة بزعامة القائد الحاحي أغناج الذي وضع حدا لطموحات بودميعة حيث تجمع الوثائق أن القائد نجح في جعل الأسرة السملالية تفر إلى الجنوب. فسوس كما هو معلوم ومن خلال رواية الناصري في استقصائه « لم ينكحها المخزن لمدة ستين سنة ونيف» وسوف يتم إخضاع المجال إلى دائرة الطاعة والبيعة ابتداء من حركة الحسن الأول سنة 1886، وكما سبق أن أشرنا فإن أهل الذمة وكما توضحه الوثائق الشريفة لم يتم تميزهم عن جيرانهم المسلمين؛ بل تم الاحسان إليهم باعتبارهم مكونا من مكونات الدولة المغربية، وباعتبار المخزن الراعي لهم والساهر على أمنهم واستقرارهم. ويتضح ذلك من خلال شغلهم لمناصب مخزنية رفيعة المستوى، أو من خلال وثوق السلاطين بهم والارتقاء بهم إلى درجة تجار السلطان. وفي هذا الصدد يمكن العودة على أجود دراسة قدمها المؤرخ دانييل شروتر والموسومة ب «تجار الصويرة» والتي ترجمها عن الإنجليزية إلى العربية الباحث المغربي المتخصص في العلاقات المغربية البريطانية خالد بن صغير، ويمكن كذلك معرفة دورهم من خلال دراسة أخرى لنفس المؤلف موسومة ب « يهودي السلطان» .
ظروف حكم السلطان
عبد الرحمان بن هشام :
حكم السلطان عبد الرحمان بن هشام ما بين سنتي 1822 و1859 وخلال فترة حكمه وقعت ثلاثة أحداث هامة غيرت الوضع في المغرب؛ تتمثل في احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 ، وانهزام المغرب أمام القوات الفرنسية في وقعة إسلي سنة 1844 ، وتوقيع السلطان مجبرا على معاهدة 1856 مع بريطانيا العظمى بعد أن نجح القنصل العام البريطاني جون دريمند هاي في اقناع السلطان بجدوى وأهمية هذه المعاهدة التي ستفتح الباب على مصراعيه أمام التجارة الدولية، وتضع حدا لاحتكار السلطان لبعض المواد التجارية .
لقد فقد المغرب هيبته وسمعته الدولية التي ظل عليها منذ انتصاره في معركة وادي المخازن عام 1578 أمام القوات البرتغالية؛ ويتجلى ذلك من خلال تبادل السفارات الأجنبية والعثمانية ولم يتعرض المغرب لأي هزيمة منذ انتصاره في هذه المعركة حتى انهزم شر هزيمة أمام القوات الفرنسية سنة 1844 في وقعة إسلي، وهي المعركة التي أبانت عن ضعف الجيش المغربي القبلي وقوة ونظام الجيش الفرنسي المدجج بأحدث الوسائل الحربية، والمنظم أحسن تنظيم والمتقن لتكتيك الحرب وفنونه، وقد ألف العديد من الفقهاء والمتصوفة كتبا يبدو من خلال مضامينها أنها موجهة للسلطان بغاية النصح والإرشاد ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، الكردودي في مؤلف “كشف الغمة” وابن عزوز المراكشي وآخرين حيث نصحوا السلطان بضرورة إحداث تغيير على مستوى منظومة الجيش المغربي وإصلاحه من الداخل. ونظرا لما يقتضيه الإصلاح من ضرورة الأخذ بعين الاعتبار رأي الفقهاء وكذا ما يستلزمه من ميزانية لم يكن يتوفر عليها المغرب فإن الإصلاح في عهد السلطان كان محتشما ولا يوفي الغرض.


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 01/04/2023