المعارضة الاتحادية تمتنع عن التصويت على قانون  المؤسسات السجنية

«بناء على كل ما سبق، فإننا نصوت بالامتناع عن مشروع القانون رقم 10.23 المتعلق بتدبير وتسيير المؤسسات السجنية»، هكذا ختم سعيد انميلي، عضو الفريق الاشتراكي   المعارضة الاتحادية، تدخله في الجلسة العامة بمجلس النواب التي استمرت إلى ساعة متأخرة من صباح الأربعاء الماضي، لدراسة مشروع القانون الذي أجازته الأغلبية، وقال عنه الفريق الاشتراكي إنه مشروع قانون ذو أهمية اجتماعية كبيرة، نظرا لارتباطه بتنظيم واحدة من المؤسسات التي نراهن عليها بشكل كبير في عملية تطوير وتحديث المجتمع، هذا القانون الذي يرتبط بتدبير وتنظيم المؤسسات السجنية، والمأمول فيه أن يشكل إجابة فعلية وكافية عن مجموعة من النواقص التي تعتري عملية تدبير السجون المغربية.
وانطلاقا من تموقعنا السياسي الذي يقتضي منا القيام بممارسة معارضة مسؤولة وموضوعية، نؤكد في الفريق الاشتراكي –المعارضة الاتحادية على أهمية هذا المشروع القانون، استنادا إلى مجموعة من الاعتبارات، لعل أهمها متطلبات المسار التنموي الذي انخرطت فيه بلادنا، والذي يتطلب مساهمة كل فئات المجتمع المغربي بما فيها الفئة الخاضعة لإعادة التأهيل من داخل المؤسسات السجنية. وإذا كنا قد انخرطنا، بكل مسؤولية والتزام تام، الغاية منه تجويد هذا النص، فإن انخراطنا هذا وإيلاءنا الأهمية اللازمة لهذا المشروع، يجد أساسه في استحضارنا للتوجيهات الملكية التي تضمنها الخطاب الملكي، الذي ألقاه جلالته في افتتاح السنة القضائية بتاريخ 29 يناير 2003، والذي أكد فيه على لزوم تمتيع السجناء بكافة الحقوق التي تكفل كرامتهم الإنسانية بالرغم من سلب حريتهم، وبالتالي في إيماننا الراسخ بضرورة الحسم مع مجموعة من الأساليب الكلاسيكية التي ميزت عملية تدبير المؤسسات السجنية بالمغرب، وذلك وفق رؤية تنسجم مع منظومة حقوق الإنسان، وبضرورة الملاءمة الكلية للقانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الذي اعتمدته حكومة التناوب التوافقي، والذي كان حينها قانونا بمضامين متقدمة باتت مراجعتها اليوم ضرورة تفرضها التحولات، وأضاف البرلماني الاشتراكي إننا أمام محاولة جديدة لإعادة تنظيم السجون المغربية، هذه المحاولة التي حتى وإن أكدنا أنها أتت بالعديد من المقتضيات التي تكرس الحقوق، ونصت على العديد من التدابير التي تضمن إعادة تأهيل السجناء ومرونة اندماجهم من جديد في المجتمع، إلا أننا نجدد التذكير بما أكدنا عليه طيلة مراحل مناقشة هذا المشروع على مستوى لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، وهو قناعتنا الثابتة بأن إقرار أي قانون يروم تنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، يجب أن ينطلق من فكرة أساسية، مضمونها أن هذه المؤسسات يجب أن تعمل على تأهيل السجناء من أجل ضمان إعادة إدماجهم في المجتمع، وليس أن يقتصر دورها فقط على المساهمة في عملية التأهيل، وهو ما لا يمكن إدراكه إلا بسن تدابير تنطلق أولا وأخيرا من حماية حقوق وكرامة المعتقلين وأطر وموظفي المؤسسات السجنية على حد سواء.
كما شدد انميلي على أن نجاعة تنفيذ وتنزيل مضامين المشروع رهينة بحل ظاهرة الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية، فالأمر نعم يتعلق بآليات تسيير هذه المؤسسات، لكن يصعب جدا تصور نجاح أي صورة من صور تدبيرها وتسييرها خاصة إذا كانت تحت عنوان «أنسنة ظروف الاعتقال بالمغرب»، في ظل الأوضاع التي ترضخ فيها اليوم، والموسومة باكتظاظ فظيع، بات يشكل أهم المآزق التي تعترض أداء هذه المؤسسات لوظائفها الأساسية، وبالتالي فإن فعالية تنفيذ مضامين هذا المشروع رهينة بمراجعة سياسة الاعتقال بالمغرب، باعتبارها مدخلا أساسيا لحل مشكلة الاكتظاظ.
كما لا يمكن الحديث أبدا عن أي شكل من أشكال أنسنة الاعتقال بالمغرب، من دون التركيز على طبيعة ونوعية بل وفلسفة السياسة التأهيلية التي تنفذها المؤسسات السجنية، هذه السياسة التي بات من المطلوب اليوم التفكير، وبشكل جدي، في مداخل تأهيلها وكيفيات الارتقاء بمضامينها، وأضاف المتدخل نفسه أنه بالرغم من مجموع الحقوق التي تضمنها المشروع لفائدة السجناء، إلا أن الولوج إلى هذه الحقوق سيصطدم، لا محالة، بالعديد من الإكراهات التي يأتي الاكتظاظ في مقدمتها، خاصة أن هناك العديد من الظواهر السلبية التي تتفرع عن هذه الظاهرة المشكلة.
وبالرغم كذلك من مجموع المستجدات المهمة التي أتى بها مشروع القانون الذي نحن بصدد مناقشته، إلا أنه من المعلوم أنه غير كاف بالمرة الاكتفاء بوضع قواعد قانونية تضمن حقوق السجناء، بل المطلوب بالموازاة مع ذلك إحداث تغييرات جذرية في نظام السجون، وذلك وفق رؤية تستند إلى منظومة حقوق الإنسان، وهو ما يتطلب كبداية لهذا التغيير الجذري، توفير الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على تطبيق هذه القواعد والمقتضيات، وهو ما يتطلب تخصيص موارد بشرية مشبعة بقيم حقوق الإنسان وبضرورة وأهمية ومعنى حماية حقوق وكرامة السجناء، باعتبارهم نزلاء بمؤسسات إصلاحية غايتها الأولى والأخيرة تقويم سلوكهم وضمان إعادة اندماجهم في المجتمع.
لقد حرصنا في الفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية، وانطلاقا من هويتنا السياسية ومن مرجعيتنا الحقوقية، وبالاستناد إلى تقارير مجموعة من المؤسسات الدستورية والمنظمات الحقوقية، بالإضافة إلى أهم نواتج العمل البرلماني المرتبطة بالموضوع، لاسيما توصيات المهمة الاستطلاعية المؤقتة حول وضعية السجون بالمغرب (فبراير 2020)، على المساهمة في تجويد هذا المشروع، حيث تقدمنا بـ 148 تعديلا لم تقبل منها الحكومة غير 39، وهو ما لم يترجم طموحنا الكامل في المساهمة في تجويد هذا النص.
وإذا كنا نعتبر أن هذا المشروع يشكل نقلة نوعية في طريقة تدبير المؤسسات السجنية بالمغرب، بصورة تضمن احترام الحقوق الأساسية للسجناء، إلا أننا نحتفظ لأنفسنا بحق إبداء العديد من الملاحظات عليه، خاصة أنه جاء متضمنا للعديد من المفردات التي نعتبر أنها في حاجة إلى بيان معنى وتوضيح، حتى لا يؤدي سوء فهمها أو سوء استخدامها من طرف الإدارة إلى المس بحقوق السجناء.


الكاتب : م. الطالبي

  

بتاريخ : 26/10/2023