المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر  -54- التجار المغاربة حرصوا على إنشاء وامتلاك الوكالات والمنازل لتأجيرها إلى ذويهم من الحجاج المغاربة

 “المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر» ،كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين ، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها ،العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة .
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

 

من بين الأسباب التي ساهمت في أن يكون للتجار المغاربة دور في نهضة مصر الحضرية والعمرانية، هناك النمو السكاني الذي شهدته القاهرة خلال القرن الثامن عشر؛ فقد شهدت توسعا في العديد من المحاور نتيجة لهذا الاستقرار المغربي أو حتى في الريف المحيط بالقاهرة أو من المدن الأصغر إليها.
وقد شهدت الأحياء التي تركز بهاالمغاربة يقول الدكتور حسام محمد عبدالمعطي،  توسعا عمرانيا كبيرا مثل باب الشعرية والأزبكية و في وسط المدينة، حيث قام كبار التجار المغاربة بشراء وإقامة مجموعات سكنية كبيرة في قلب قاهرة المعز،حيث تجلى ذلك واضحا  في حي الجودرية والغورية والمحامين.
ويضيف الكتاب إلى ذلك،أن القاهرة كانت  تشهد أثناء موسم الحج وخاصة خلال شهر رمضان توافدا بشريا كبيرا من كل شمال ووسط إفريقيا؛ حيث كانت تستقبل ما لا يقل عن ثلاثين ألف نسمة لمدة شهر تقريبا،وبالتالي كان لا بد من وجود منازل ورباع ووكالات وخانات لاستقبال هؤلاء الحجيج؛ حيث كان من السهل استيعاب هؤلاء في مبان كان يعدها التجار من أجل تحقيق أرباح حقيقية؛ حيث كان الحجاج المغاربة والأفارقة يؤجرون هذه المباني لمدة حوالي ثلاثة أشهر منذ وصولهم  إلى مصر حتى عودتهم من الحجاز وكان أغلبهم يحرصون على حفظ بعض أدواتهم وتجارتهم بها؛ حيث كانت أسعار هذه السلع تنخفض عند وصول قافلة الحج المغربي إلى مصر ثم تأخذ في الارتفاع؛ فكان التجار والحجاج يخزنون مثلا الزيت والطرابيش والكبريت لبيعها عند العودة،ومن أجل ذلك حرص التجار المغاربة عل إنشاء عدد من الرباع والوكالات؛ حيث كانت تدر عائدا  مرتفعا وكان وجود نوع من الثقة بين الحجاج المغاربة وبني جنسهم من التجار المستقرين بمصر يدفعهم إلى السكنى لديهم بها أكثر من غيرها. لذلك فقد أقبل التجار المغاربة يقول المؤلف  على إنشاء وامتلاك الرباع والوكالات والمنازل لتأجيرها إلى ذويهم من الحجاج المغاربة. ولعل ذلك يفسر رغبة التجار المغاربة وفق الدراسة  في شراء منازل ورباع ووكالات في منطقة الأزهر، حيث كان للحجاج المغاربة رغبة شديدة للسكنى بالقرب من الأزهر.
بالإضافة إلى هذا المعطى يقول الدكتور حسام حسام محمد عبدالمعطي،  كان امتلاك وكالة أو وحمام أوغير ذلك يدرعلى أي تاجر دخلا منتظما،مما يقوم بتحصيله من إيجار تلك المنشآت، وهذا أمر مهم؛ فقد كان هذا النوع من الاستثمار الأكثر ضمانا والأقل ربحية مطلوبا بصفة خاصة في الأوقات التي تتذبذب فيها الأسواق أو تتذبذب أسعار العملة في مثل تلك الأزمات المتكررة ،وكان الاحتفاظ بالأموال أو البضائع عرضة للمخاطرة، ولكن كان الاستشمار في العمائر الحضرية والعقارات يميل دائما إلى الزيادة في مثل تلك الأزمات؛ فالأرض لا تغش أبدا  وكان التجار يعرفون هذه الحقيقة؛ ويعرفون أن الأرض غير معرضة لغوائل وتقلبات الزمان والقدر وما تتعرض له الشركات التجارية من الخسارة،كذلك أيضا حرص التجار المغاربة على تنويع أصولهم  المالية خشية حدوث أية عمليات مصادرات لهم سواء من جانب الباشاوات خلال القرن السادس عشر أو من جانب الأمراء المماليك خلال القرن الثامن عشرا،وبالطبع كانت الأموال النقدية وحتى البضائع أكثر عرضة للمصادرة،كما يشير الجبرتي إلى ذلك؛ فمثلا حينما  قام مراد بك بمصادرة واسعة لعدد كبير من التجار فيقول الجبرتي: «وأخذ في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب  الأموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في أموالهم وسلبوا ما بأيديهم فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد»”.


الكاتب : إعداد:  جلال كندالي

  

بتاريخ : 02/07/2021