المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر -52- المغاربة يحتضنون المتصوفة و يدخلون الدخان إلى مصر ويجعلون من الطربوش المغربي موضة

“المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر» ،كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين ، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها ،العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة .
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

 

يكشف الدكتور حسام محمد عبد المعطي، وهو يرصد تواجد المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، أن المغاربة يرجع لهم الفضل في إدخال الصوفية إلى المجتمع المصري، حيث حرص عدد من التجار على رصد مبالغ مالية من تركاتهم لهؤلاء المتصوفة بسبب اعتقادهم فيهم؛ وفي هذا الباب ،رصد الخواجا عبد الوهاب بن محمد جلوان  من تركته مبلغا ماليا مهما  لجماعة الشاذلية القاطنين بالإمام الحسين.
ويستشهد المؤلف بما وثقه الجبري  ،حينما لاحظ ذلك عند ترجمته للعديد من العلماء المغاربة اتجاههم للتصوف؛ وهو ما يوضح الدور المهم الذي أسهم به المغاربة في نشر التصوف في مصر.
كان عدد كبير من التجار المغاربة من المتصوفة؛ فحرص بعضهم عل إقامة حفلات الذكر في منازهم ودعوة المتصوفة إليها. فمثلا،يقول الكتاب،  الخواجا حدو بن عربي المنجور كان يعمل ليلة في كل شهر يصرف عليها ‎مبالغ مالية مهمة ،حيث يمد هؤلاء المتصوفة بالطعام والشراب؛ بل حرص عدد من التجار على رصد مبالغ من تركاتهم لأضرحة هؤلاء الأولياء؛ فالخواجا عبد رب النبي بن
الطيب البناني رصد لضريح سيدي أحمد البدوي 26 ريالاً ولضريح سيدي علي الرويعي ‎10ريالات ، كما أوصت فاطمة بنت عبد الخالق جسوس بشراء شاش هندي لضريح الإمام الحسين.
ويرى الدكتور حسام محمد عبد المعطي، أن الحركة الصوفية أصبحت في بعض جوانبها ظاهرة اجتماعية واقتصادية أكثر منها ظاهرة دينية أو فلسفية؛ فقد ارتبطت هذه الموالد بنشاط اقتصادي واسع للتجار،ويشرح أنه  في هذه المناسبات كانوا يروجون للعديد من بضائعهم وقد ظهر ذلك واضحا عندما ذكر
الجبرتي قيام علي بك الكبير بإنشاء وكالة ضخمة في طنطا إلى جانب المسجد الأحمدي وأنه أصبح يطلق عليها الغورية لتوجه كبار تجار الغورية في القاهرة إليها في كل عام.
كان هؤلاء التجار في أكثرهم من المغاربة،كما قدمت الطرق الصوفية شبكة رئيسية لوسائل الاتصال الأفقية بين جماعات التجار المغاربة في القاهرة؛ ومن ناحية أخرى كانت هذه الجماعات الصوفية مغلقة على نفسهاء كما قامت عل أسس عرقية؛  حيث كانت تحتفظ بعلاقات حميمة وتجارية بالوطن البعيد الذي يجلبون منه السلع اللازمة لتجارتهم بالقاهرة؛ ولعل الطريقة العيسوية مثال جيد على ذلك. ويصف الجبرتي هذه الجماعة
فيقول: «وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الأهواء ينسبون إلى شيخ من أهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى،وطريقتهم أنهم يجلسون قبال بعضهم صفين ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم ضربا شديدا مع ارتفاع أصواتهم؛ وتقف جماعة أخرى قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون أكتافهم في أكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر ويتلوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الأرض بأرجلهم،كل ذلك مع الحركة العنيفة والقوة الزائدة؛ بحيث لا يقوم هذا المقام إلا كل من عرف بالقوة».
هكذا يقول المؤلف ،أسهم المغاربة في نشر العديد من الطرق الصوفية في مصر؛ وقد أشاع المغاربة عن الزبيدي العالم اليمني الشهير مؤلف «تاج العروس في شرح القاموس» وغيره القطبانية،فكان إذا وفد أحد هؤلاء المغاربة إلى مصر حاجا ولم يصله بشيء لا يعتبر حجه كاملا،وإذ كان التجار المغاربة في مصر قد أسهموا في نشر القهوة والمقاهي في بلدانهم تأئرا بمصر؛ حيث نقل التجار المغاربة البن من مصر إلى بلدانهم؛ فقد كان انتشار ودخول الدخان إلى مصر في العام1603،   قد جاء على أيدي التجار المغاربة من بلاد العكرور؛ حيث نقله البرتغاليون إلى ساحل السنغال في القرن السادس عشر. ومن هناك نقله التجار المغاربة إلى مصر عند نقلهم لتراب الذهب؛ حيث جلبه علي بن سليمان المغربي المسراتي لأول مرة من خلال الوثائق في سئة 1616،وعلى الرغم من أن المذهب المالكي  الذي كان يتبعه أغلب التجار المغاربة – قد حرم الدخان،فإن عددا قليلا منالتجار المغاربة ظلوا يقومون بالتجارة فيه ،وإن كان كبار التجار المغاربة أحجموا  عن الإسهام في تجارته بصورة واضحة.
ويكشف الدكتور حسام محمد عبد المعطي، أن التجار المغاربة خاصة الفاسيين أسهموا في في نشر ارتداء الطرابيش في مصر بصورة واسعة ،حيث أصبح ارتداء الطربوش المغربي موضة يحتذي بها الجميع ،بالإضافة إلى الأحزمة «البرانس « الصوفية التي ترد صحبة ركب الحج المغربي أو تصنع في طولون والاسكندرية إضافة إلى النعال المغربية.


الكاتب : إعداد :  جلال كندالي

  

بتاريخ : 30/06/2021