المغرب الثقافي يحصي خسائر عمقه التاريخي والعلمي

 

ما طمره الزلزال تحت الأنقاض ليس أجسادا بشرية، وإنما تاريخ من الحضارة وجزء من المغرب الثقافي والعلمي والديني الثاوي في المغرب العميق. فقد تضررت عدد من المآثر والمعالم التاريخية بعدد من المدن، أشهرها المسجد الأعظم بقرية «تنمل» وقصبة أكاديرأوفلا ومسجد الكتبية بمراكش، وهي معالم ساهمت بشكل كبير في تنشيط الدورة السياحية بالمغرب كما شكلت على مر التاريخ، ذاكرة تاريخية للمغرب والمغاربة شاهدة على عظمة من مروا وتركوا آثارهم خالدة للإنسان وللتاريخ.

المسجد الأعظم «تينمل»

يقع المسجد في تراب عمالة تارودانت التي تعد أقدم وأعرق مدن المغرب، والتي يعتبر سورها ثالث أعظم سور أثري في العالم بعد سور الصين العظيم وسور كومبالغار بالهند. ازدهرت فيها صناعة السكر في القرن السادس عشر والتي بنى بعائداتها السلطان السعدي أحمد المنصور قصر البديع وقبور السعديين بمراكش، حيث كان يستورد الرخام المستعمل في ذلك من إيطاليا.
يعود تاريخ بناء المسجد الأعظم المعروف بـ»تينمل» – تيمنا بالمنطقة التي يقع فيها –  إلى القرن الثاني عشر، أي إبان حكم الدولة الموحدية، التي بسطت سيطرتها على المغرب الأقصى بين 1121 و1269، حيث خرج الموحدون كحركة دعوة تحت قيادة المهدي ابن تومرت من منطقة تينمل. ويعد أحد أهم المواقع التاريخية في جبال الأطلس الكبير.
وكان ابن تومرت من قبائل مصمودة الأمازيغية التي كانت تقطن بوسط جبال الأطلس الكبير.وعندما بلغت الدولة الموحدية أوجها، شيد الخليفة، عبد المؤمن بن علي، هذا الجامع التاريخي في عام 1156 ميلادية، شاهدا على حضارة الدولة الموحدية والأدوار التي لعبتها تاريخيا، لاسيما في غرب أفريقيا والأندلس.
يقع الجامع على ارتفاع 1230 مترا، ويتميز أساسا بصومعته الفريدة من نوعها في المعمار الإسلامي.ووفق اليونيسكو، فإن مسجد تينمل بُني «تخليداً لذكرى ابن تومرت، مؤسس سلالة الموحدين».
تم بناء هذا المسجد تم وفقا للتراث الأندلسي المغاربي، الذي «يجمع بين صقل التقاليد المعمارية وتقنيات البناء المحلية».
وقد تمكن المغرب سنة 1995 من تسجيل موقع المسجد الأعظم لتنمل ضمن «قائمة مواقع التراث العالميفي المغرب»، كما سبق أن تم تسجيله ضمن قائمة التراث الإسلامي وذلك في عام 2019.
وفي هذا السياق، عبرت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، في بيان تضامني لها، عن استعدادها للتعاون مع المغرب لمواجهة أضرار الزلزال، لا سيما ترميم الآثار التي تضررت في بعض المدن التاريخية.
وعلى إثر زلزال 8 شتنبر الجاري، انهارت أجزاء من المسجد وتداعت جدرانه وانهارت مئذنته جزئيا وقد تكومت الحجارة بقربه. وهي الأضرار التي قالت وزارة الثقافة إنها تخصص لها ميزانية للترميم بعد أن كانت قد انتهت حديثا من عمليات ترميمه.  وقد امتدت أشغال ترميمه على مدى 18 شهرا، تحت إشراف مديرية المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .

صومعة الكتبية

رمز آخر من رموز التاريخ والسياحة في المغرب والمدينة الحمراء تعرض لأضرار بسبب الزلزال، هو مسجد الكتبية المطل على ساحة جامع الفنا بمراكش، حيث اهتزت صومعة جامع الكتبية وتصاعد منها غبار لحظة الهزة .وتعد صومعة الكتبية من أقدم آثار مدينة مراكش، وهي تطل على ساحة جامع الفنا وسط المدينة الحمراء.
شيدت هذه الصومعة قبل ما يزيد عن 900 عام، واشتهرت بجمالها المعماري على طراز الفن الأندلسي، حتى تحولت لقبلة تجذب أنظار وأفئدة الزوار والسياح.
وحمل المسجد اسم الكتبية نسبة إلى حي الكتبيين المجاور، الذي تواجد فيه بائعو الكتب.وهو من أشهر معالم السياحة في مراكش لأنه يتميز بجمال بنايته وزخرفته المذهلة.

قصبة أكادير أوفلا

من المباني الأثرية التي تضررت من الزلزال ، نجد قصبة أكادير أوفلا التي تم ترميمها حديثاً، بعد الزلزال الكبير الذي ضرب أكادير سنة 1960.
بنيت قصبة أكادير أوفلا في يد سلطان الدولة السعدية محمد الشيخ السعدي ،ودُمرت مرتين بسبب الزلزال.
توجد قصبة أكادير أوفلا في مدينة أكادير، على قمة جبل ارتفاعه 236 متراً، حيث كانت تقع المدينة قديماً، قبل الدمار الكبير الذي محى أغلب آثارها في الزلزال الذي ضربها سنة 1960.
وتعد هذه القصبة من أبرز المعالم السياحية والتاريخية لأكادير، إذ إنها شُيدت على يد السلطان محمد الشيخ السعدي، سنة 1540، لأسباب عسكرية، وذلك للتحكم في ضرب البرتغاليين، الذين كانوا متواجدين أسفل الجبل، بحثاً عن طريق الهند.
وقد كان البرتغاليون حينها قد أنشأوا حصناً لهم على سفح الجبل، وبرجاً للمراقبة، الشيء الذي دفع بالسعديين لبناء قصبة أكادير أوفلا في نفس المكان، من أجل الدفاع عن المدينة.
تم تصميم قصبة أكادير أوفلا بشكل ملتوٍ، يطل على أسفل الجبل الذي بنيت عليه، بها سور خارجي مدعم بعدة أبراج، ومسجد كبير، ومبنى الخزينة، ومستشفى، ومنازل، وأزقة عديدة، وأضرحة، كلها تطل على شاطئ البحر، وشعار المغرب الشهير «الله الوطن الملك».
استمر هذه القصبة في حماية مدينة أكادير أوفلا، وهي تسمية باللغة الأمازيغية، تعني «الحصن العالي»، إذ كانت تعتبر نواة للمدينة، وأهم معالمها، حتى دمارها سنة 1960 بسبب الزلزال، الذي تسبب في إنهاء تاريخ هذه المدينة بكل ما فيها.
بقيت قصبة أكادير على حالها المدمر لسنوات طويلة، إذ تحولت إلى مزار سياحي شهير، يتوجه إليه السياح من أجل مشاهدة مدينة أكادير من أعلى الجبل، كما أنها كانت طريقاً من أجل التوجه إلى مناطق جبلية أخرى قريبة من المدينة.
ولأن الطريق هناك تعتبر وعرة وخطيرة، فقد أغلقت السلطات المغربية القصبة سنة 2019، بسبب كثرة حوادث السير، وارتفاع عدد الضحايا هناك، ليتم ترميمها من جديد، وافتتاحها سنة 2020، لكن الأمر لم يستمر طويلاً، بعد أن تضررت من جديد، وانهار جزء كبير منها اليوم بسبب هذا الزلزال.


الكاتب : ح. الفارسي

  

بتاريخ : 12/09/2023