المغرب في القرن الخامس عشر(1415/1510) .. «أضواء على قرن مغمور» لأحمد بوشرب

صدر عن دار الثقافة سنة 2021 كتاب «المغرب في القرن الخامس عشر(1415/1510) أضواء على قرن مغمور» لصاحبه أحمد بوشرب الأستاذ المتخصص في تاريخ مغرب القرن الخامس عشر. يقع الكتاب في حوالي مئتين وثمانين صفحة من الحجم المتوسط، وهو من تقديم المؤرخ ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق. يتكون الكتاب من مقدمة وستة فصول وملاحق للخرائط والصور المتضمنة فيه.

 

ساهمت الوقائع الجديدة التي حملها القرن الخامس عشر الميلادي في الانتقال إلى عالم جديد كانت له آثار على المغرب البلد المجاور لأوربا، والذي ظل منخرطا في تاريخها لعدة قرون. ويتساءل مقدم الكتاب ما إذا كان صاحبه تمكن من كتابة تاريخ المغرب انطلاقا من القرن الخامس عشر؟
لاشك أن أحمد بوشرب استطاع من خلال تكوينه الأكاديمي ودربته في التعامل مع وثائق القرن الخامس عشر التي أبان عنها في أطروحته حول دكالة، ومقالاته المحكمة كما أتاح النقاش بين الكلي والجزئي، أن يجعل القارئ للكتاب مطمئنا لمضانه، ونتائجه. ويتساءل أحمد التوفيق وهو القارئ الأول لهذا الكتاب ومقدمه سؤالا جريئا مفاده كيف نجا المغرب من التنصير الإيبيري بعد احتلال سبتة سنة 1415م ؟
يحاول صاحب الكتاب الإجابة عن إشكالية مفادها: ما الذي يسمح لنا اليوم بدراسة قرن (1415/1510) لايزال مغمورا؟ وهو من أحلك عصور المغرب، وأشدها إبهاما وغموضا على حد تعبير المؤرخ عبد الوهاب بن منصور؟

العوز المصدري:

تجمع الدراسات الأكاديمية الوطنية والأجنبية على أن الغوص في البحث في تاريخ المغرب خلال هذه الفترة هو مغامرة ومقامرة، مما جعل الدراسات حول هذه الفترة نادرة وأغلبها لا يجدي نفعا ولا يشفي غليلا إذا ما سلمنا بالمقولة السابقة، وهي أن معظم الباحثين فضلوا البحث في الفترة المعاصرة وتجاوزوا البحث في الوسيط والحديث نظرا لندرة الوثائق. وحتى الذين فضلوا المغامرة ، فإن دراساتهم حول مغرب القرن 15 م أسقطت أزمات النصف الثاني من القرن 14 لتفسير الغزو الإيبيري للسواحل المغربية أو الوضعية الحرجة التي أصبح عليها المغرب، والتي خلخلت بناه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فمثلا ما حدث في المغرب خلال القرن الخامس عشر الميلادي، نظر إليه البعض على أنه نتاج الطاعون الأسود الذي عصف بأوروبا دون أن يعتمدوا في ذلك سندا مصدريا فقط لأنه تزامن مع الأحداث المدوية التي عرفها المغرب.
يرى أحمد بوشرب، وهو الضالع في تخصصه والحقبة الزمنية موضوع الدراسة، أن هناك مصادر بإمكانها أن توصلنا إلى الحلقة المفقودة في تفسير أحداث مغرب القرن الخامس عشر الميلادي، ومنها أدب الرحلة البرتغالية. كما يوجه نقدا لاذعا يستطيع من خلاله إرجاع الثقة إلى البحث في هذه الحقبة ومفاده أنه لا يمكن بأي وجه من الأوجه اعتبار الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بالأندلس، سببا في هجرات الموريسكين، وهو الطرح الذي ظل يدافع عنه المؤرخ محمد رزوق، والذي أثبت أحمد بوشرب محدوديته.
ومن جهته يتأسف صاحب الكتاب على أن البعض تعمد عدم الرجوع إلى بعض المصادر النفيسة لحلحلة أحداث القرن الخامس عشر، ظنا منهم أنها لا تجدي نفعا ولا تشفي غليلا أو بمعنى آخر مجرد تحصيل حاصل؛ ومنهم أوغيست كُور الذي أغفل توظيف أرجوزة محمد الكراسي في دراسته لسلاطين الدولة الوطاسية، كما تطرق إلى ذلك الباحث محمد شقرون.

العودة إلى المصادر المنسية المشرقية:

يعتبر أحمد بوشرب الرجوع إلى هذه النفائس قيمة مضافة للبحث الجاد في تاريخ مغرب القرن الخامس عشر، ومن بين هذه النفائس مصادر برتغالية سيكون له السبق في تحليل مضانها وبخاصة مصادر البرتغال التي تناولت فترة حكم أسرة أفيش التي وصلت إلى سدة الحكم بعد ثورة (1385/1383). وأما بالنسبة للمصادر المشرقية المتضمنة في الكتاب، فهي تجميع لشهادات حجاج مغاربة لا يوجد لها أثر في المصادر المحلية رغما ما يعتريها من عيوب من قبيل كونها شهادات شفوية لا يمكن الوثوق بها دائما، مما يقلل من قيمتها المصدرية وهو ما جعل مصطفى بن حسن الجنابي في تاريخه يعترف بخلل الروايات المتضمنة في كتابه ويعتذر في أكثر من مناسبة عن ذلك عكس التغطية التي قام بها عبد الباسط بن خليل لثورة فاس ضد السلطان عبد الحق المريني، حيث تميزت هذه التغطية بثراء المعلومات حولها رغم أن الراوي كان مستقرا في تلمسان أو وهران حسب أحمد بوشرب. فالقارئ للشهادة يمكن له تتبع كرونولوجيا الثورة من حيث سياقها التاريخي، وظروفها، ومراحلها وظروف مبايعة الشريف الجوطي وكأن عبد الباسط كان شاهدا عيانا على الثورة.

المصادر البرتغالية أساس
كتابة تاريخ مغرب ق15:

* وثائق القصر الملكي:
يجزم أحمد بوشرب على أن العودة إلى المصادر البرتغالية أمر لا مفر منه لكتابة تاريخ رصين لمغرب القرن الخامس عشر الميلادي؛ أولا لتنوعها ولتضمنها معلومات غاية في الأهمية لا يمكن أن نجد لها نظير في مصادر أخرى، فهناك الحوليات البرتغالية والتي سبق لصاحب الكتاب ترجمتها والمشاركة بها في مناسبات علمية كثيرة، والتي يغطي معظمها ظروف ونتائج الغزو الإيبيري للسواحل المغربية وكذا الرسائل البرتغالية الرسمية الصادرة من القصر، والتي تأمر بالتوجه إلى الموانئ المغربية ومصادرة السفن ووسق الزرع دون ترخيص ووثائق إبراء الذمة؛ فهذه المراسلات الرسمية تسجل وقائع وأحداث تاريخية مهمة وتحمل إفادات غاية في الأهمية.
وتكمن أهمية هذه الوثائق في محاولة كتابة تاريخ ذهني لبرتغاليي القرن الخامس عشر، سيما أنها تفسر الجانب العدائي تجاه المغاربة، وبعض هذه الوثائق حسب صاحب الكتاب تؤرخ لأحداث ظلت مغيبة في مجمل مصادر مغرب القرن الخامس عشر ومنها؛ غياب عبد الحق المريني عن فاس يوم اندلاع الثورة و محاضر محاكم تفتيش لشبونة.

* كتب الرحلات:
وصف إفريقيا للحسن الوزان:
يأتي في مقدمة كتب الرحلات كتاب وصف إفريقيا للحسن الوزان، نظرا لاعتماده من طرف عدة باحثين عرفوا بصرامتهم المنهجية ودقتهم في التعامل مع المادة المصدرية، بالإضافة إلى كون صاحبه نقل إلينا معلومات تهم الجوانب التاريخية والسياسية والذهنية والاقتصادية، غير أن أحمد بوشرب يرى أن ما تضمنته هذه الرحلة لا يمكن إسقاطها إلا على النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي سيما في ما يتعلق بالأحداث التي تهم الجوانب العمرانية والأنشطة الاقتصادية التي دونها حسن الوزان؛ فوصف إفريقيا سيكون هو عمدة أحمد بوشرب في صياغته للكتاب موضوع القراءة.
رحلة الإيطالي كداموشتو (Gadamosto) :
يقدم هذا الرحالة المبعوث بأمر من الأمير هنري الملاح سنة 1455 إلى الوكالة التجارية أركين قبالة الساحل الموريتاني معلومات مهمة ووصفية لمراكز تنبكتو وودان، وأهم المسالك التجارية الرابطة بين تلك الربوع، وموانئ الضفة الجنوبية للمتوسط، ونوع السلع المتبادلة غير أن أهم إفادة تقدمها هذه الرحلة هي دحض الرواية القائلة بتحول الطرق الصحراوية تجاه الشرق وابتعادها عن مدن المغرب .
رحلة بشيكو بريرا (Pacheco Pereira)
تغطي رحلته جوانب من تاريخ وواقع االملاحة في المغرب والسلع المتبادلة .
رحلة فلنتين فرنانديش (Valentim Fernandes) مسقط رأسه ألمانيا واستقر به المقام في لشبونة عام 1495م. وصف السواحل المغربية الممتدة من سبتة إلى الجنوب المغربي، وجمع هذه المعلومات في كتابه الذي نشره سنة 1507 .تكمن أهمية هذا الرحالة في كونه كان شاهد عيان على بعض الأحداث التي شهدها المغرب إبان الاحتلال البرتغالي لسواحله، وتدحض نتائج بحثه بعض الدراسات التي اعتمدها باحثون مغاربة وأجانب، كما يتيح كتابه المقارنة بين وصفه ووصف الحسن الوزان.

الهيستوغرافيا المغربية حول تاريخ مغرب القرن 15

تأتي في مقدمتها ثلاث أطاريح جامعية مغربية وكتابا جماعيا؛ منها أطروحة محمد القبلي(1986) بالفرنسية والتي عربها سنة 2011( المجتمع والحكم والدين بالمغرب في العصر الوسيط)؛ اهتم محمد القبلي بالفترة المرينية، وتطرق لبعض أحداث القرن 15 م بشكل محدود مبينا صعوبة الخوض فيه نظرا لشح المصادر وسطحيتها وضعف شخصية السلاطين . أما أنطونيو دياش فرينيا فقد أنجز سنة 1990 أطروحته» البرتغال المغرب خلال القرن الخامس عشر». وباعتباره عميد الباحثين البرتغاليين، فإنه لم يتطرق إلى أحداث الجنوب المغربي لتكتفي دراسته بالجزء الشمالي فقط، كما تكمن أهمية أطروحته بتضمنها لوثائق فريدة كان له السبق في استثمارها وتضمينها في بحثه. وناقش حسن الفيكيكي سنة 1991 أطروحته حول « مقاومة الوجود الإيبيري بالثغور الشمالية المحتلة (1412-1574) ولم تنشر إلا في سنة 2012.
ما يميز حسن الفيكيكي أنه تحرى الميدان لضبط طوبونومية المجال مواقعا وأعلاما ، مما ساعده على إزالة اللبس في عدة مصادر برتغالية حرفت أسماء المواقع والأماكن والأعلام. وفي سنة 2011 أصدر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب كتابا جماعيا خصص فيه فصلا كاملا للقرن الخامس عشر لأهميته في التحقيب .
بالإضافة إلى الدراسات الأكاديمية المعتمدة في الكتاب موضوع القراءة، فإن أحمد بوشرب اعتمد مقالات علمية رصينة، ومحكمة كتلك التي نشرها برنار روزنبورجي حول المجاعات والأوبئة والتغذية، ومقالات أريباس باولو مريانو المعتمدة على أرشيف مملكة أرغون وبعض مقالات الباحثة روزير سليكرو التي اعتمدت، وثائق مملكتي بلنسية وأرغون.
مكنت هذه المادة المصدرية الغنية والمتنوعة من تقسيم أحمد بوشرب كتابه إلى ستة فصول حيث اهتم الأول بالجانب الطبيعي، والمناخي، والهيدروغرافي، وانعكاساته السلبية على انحباس المطر والمجاعات والأوبئة. أما الفصل الثاني فتطرق فيه الباحث إلى فترة ظلت مغمورة في التاريخ تبتدئ زمنيا مع مقتل السلطان أبي السعيد ومبايعة ابنه عبد الحق، كما قدم صاحب الكتاب رؤية جديدة حول مسألة الاحتجاج في تاريخ المغرب من خلال ثورة فاس ومبايعة محمد الشيخ الوطاسي ودنو كعبه على تدبير أمور الدولة السياسية، حيث شدد الباحث على ضعف بصيرة هذا السلطان في ترؤس الحكم. أما الفصل الثالث فتطرق فيه الباحث للحديث عن السياق التاريخي للاحتلال البرتغالي لسواحل المغرب ومراحل هذا الاحتلال، ونتائجه على البلاد والعباد. وخصص الباحث في الفصل الرابع نوسطالجيا عن ردود فعل المغاربة إزاء الاحتلال الإيبيري، مميزا بين الجهاد كمقاومة شعبية ومقاومة الدولة للاحتلال والتي تميزت بالضعف والتشرذم. وفي الفصل الخامس تحدث أحمد بوشرب عن البنى الاقتصادية لينتهي في الفصل السادس والأخير إلى الحديث عن دور التطورات الاقتصادية في خلخلة دينامية السكان المغاربة وعلاقة السكان بمجتمع الأقليات.

خلاصة وتركيب:

تنفي الدراسة القيمة التي أنجزها أحمد بوشرب، وهو أحد أعمدة المدرسة التاريخية المغربية، أن يكون القرن الخامس عشر أحلك عصور المغرب وأشدها إبهاما على حد تعبير المؤرخ عبد الوهاب بن منصور، أو أنه قرن الأزمات كما شدد على ذلك البعض دون سند مصدري وفي ظل العوز المرجعي، وبالتالي فإن المادة المصدرية المتنوعة والغنية مكنت الباحث من دحض هذه الآراء المسبقة ليؤكد أن مغاربة القرن الخامس عشر ظلوا ينعمون بمستوى معيشي جيد مقارنة مع ساكنة الإيبيريتين.

* باحث في التاريخ


الكاتب : د.ربيع رشيدي *

  

بتاريخ : 06/10/2023