المفكر سالم يفوت.. رائد تطبيق المنهج الإبستمولوجي على الفكر الفلسفي

يعتبر سالم يفوت، كمفكر مغربي، أحد أعمدة الفلسفة العربية المعاصرة، له عدة  أعمال فكرية متميزة، في حقل الدراسات الفلسفية، جعلت منه أحد رموز الحقل الفلسفي في الساحة العربية، ويكفي أنه أسهم، بشكل كبير، في التعريف أعمال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، ترجمة وتعريفاً.
ولد سالم يفوت بمدينة الدار البيضاء سنة 1947، تابع دراسته العليا في الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط حيث حصل على الإجازة سنة 1968، قبل حصوله على دبلوم الدراسات العليا سنة 1978، ثم على دكتوراه الدولة سنة 1985، وانضم الراحل إلى اتحاد كتاب المغرب في دجنبر 1977 كما انتخب سنة 1992 نائبا لرئيس الجمعية العربية.
لقد صنف سالم يفوت ضمن «الموجة « الفلسفية الثانية الجديدة في الفكر المغربي المعاصر، التي برزت في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، وهي الموجة التي استطاعت ولوج التفكير الفلسفي من باب الإبستمولوجيا وفلسفة العلوم والتاريخ والسوسيولوجيا، معلنة بذلك عن الإسهام في إبداع فكر فلسفي عربي جديد، يختار المناسب من المناهج المعرفية عربيا وغربيا ليناقش مجموعة من الإشكاليات الفكرية العربية المعاصرة نقاشا علميا ينفتح على المفاهيم والتصورات المرتبطة دوما بتجديد مناهج البحث في مقاربتها للقضايا الفلسفية وبالمستوى المعرفي والإبستمولوجي الجديد في ضوء تطور العلوم الصحيحة.
رسخ المفكر المغربي سالم يفوت في الساحة العربية  إلى جانب المفكر محمد وقيدي، عن طريق تناوله لمفهوم الإبستمولوجيا، من خلال عمله الشهير «درس الإبستمولوجيا»، الذي ألفه بالاشتراك مع عبد السلام بنعبد العالي سنة 1985،  أو من خلال مشاركته في عمل جماعي حول «تاريخ العلوم والإبستمولوجيا» الذي صدر في غضون 1996، كما  أطر في هذا الصدد مجموعة من الأطاريح الجامعية، وأسهم في تنسيق عدة ندوات فكرية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط.
كان يفوت مؤمناً بأهمية ودور تدريس الفلسفة في ترويج الخطاب العقلاني لدى الطلبة والباحثين وبالتالي المساهمة في ترويج هذا الخطاب لدى العامة، وقد انعكس هذا الإيمان بشكل كبير على طبيعة أعماله، (وهو مؤلف كتاب «فلسفة العلم والعقلانية المعاصرة»، 1982؛ أو «فلسفة العلم المعاصر ومفهومها للواقع»، 1985؛ «العقلانية المعاصرة بين النقد والحقيقة»، 1989؛ «المناحي الجديدة للفكر الفلسفي المعاصر»، 1999)، وكان مدافعاً شرساً عن تدريس الفلسفة في أطوار التعليم الثانوي والجامعي، في الحقبة التي كانت الفلسفة تتعرض للحصار والتهميش، ومن هنا كانت أسباب نشره لأولى مقالاته ودراسته في مجلة «أقلام» التاريخية، إلى جانب الراحل محمد عابد الجابري أو عبد السلام بن عبد العالي ومحمد سبيلا ومحمد وقيدي وغيرهم كثير، وكذلك أسباب صدور أغلب أعماله الأولى عن دار «الطليعة» الدمشقية.
رحل المفكر المغربي سالم يفوت إلى دار البقاء عن عمر يناهز 66 سنة (1947 ـ 2013)، مخلفا وراءه أعمالا فكرية قيمة في حقل الدراسات الفلسفية على وجه التحديد، حتى أن الراحل يُعتبر أحد رموز الحقل الفلسفي في الساحة المغاربية.
تميز الراحل  بالنبل والأخلاق، والتي كانت من القيم الأخلاقية التي اشتهر بها،  حيث عُرف عنه بحق عدم الانخراط في صراعات أكاديمية أو شخصية ضد زملاء مفكرين وباحثين وأساتذة، كما اشتهر بالابتعاد عن الأضواء وعن المنابر الإعلامية، وفي هذا السياق، نقرأ تواضع عدد مساهماته في الملاحق الفكرية أو الثقافية التي تصدر في الساحة، على قلتها، والأدهى إن صح التعبير، أنه كابد معرفياً رغم معاناة وتبعات مرحلة «سنوات الرصاص»، بكل المخلفات التي تركتها تلك الحقبة على حالته الصحية، حيث مرّ من تجربة السجن في وجهها القمعي، بما ولدته من خيبة أمل داخلية جعلته يبتعد عن السياسة والاختيارات الإيديولوجية.


الكاتب : عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 24/02/2024