المهدي المَنْجرَة في ذكراه

كان يَرىَ بعيداً كصقر ويُحلّق عالياً كطائر

 

فى 13 من شهر يونيو الجاري 2021 ، حلّت الذكرى السّابعة لرحيل عالم المُستقبليات المفكّر الجَسُور، الباحث المعروف المهدي المنجرة ، كان عالماً جليلاً، ذاعقل راجح بشهادة علماء ومفكّرين أجانب مرموقين، إلاّ أنه قوبل بالجحود والنكران من طرف بعض أبناء جلدته، وبني طينته وقومه. ولاغرو، ولاعَجب فلا كرامة لنبيٍّ بين قومه..! كما نُسِجتْ أباطيل، وحِيكتْ مزاعم، وادّعاءات وأباطيل حول مدى تكوينه العلمي، ومستواه الأكاديمي، إلاّ أنه مع ذلك أمكنه أن يتسنّم منازلَ عليا، وأن يتبوّأ مراتبَ رفيعة، وأن يُدرك أسمىَ المنابر العلمية على الصّعيد العالمي والوطني وأرقاها، وأن يحظى باحترام الأوساط الثقافية والعلمية، والفكرية والسياسية في مختلف أرجاء المعمور، وقد بدأ نجمه فى السّطوع عندما طفق يتحدّث عمّا أصبح يُطلق عليه اليوم «حرب الحضارات»، ولقد اعترف له بالتألق والتفوّق والنبوغ، المفكر الأمريكي المعروف صمويل هنتنغتون، ونوّه بقصب السّبق الذي أدركه فى هذا المجال فى كتابه الشهير»صدام الحضارات».
تعرّفتُ على هذا المفكّر الفذّ خلال عملي في سفارتنا بمدريد خلال الثمانينيات من القرن المنصرم؛ حيث كان شغوفاً بزيارة هذه المدينة الفيحاء التي كانت أثيرةً لديه، كنّا نجتمع مع صفوة من الأصدقاء الآخرين من المثقفين المغاربة الذين كانوا يتردّدون على هذه الحاضرة وكان بعضهم مقيماً بها ، كان يشطّ بنا الحديث خلال تواجده بها عنها، وعن تاريخها، وإشعاعها؛ لقد كان على علمٍ تام أنها مدينة تتميّز بخاصّية فريدة باعتبارها العاصمة الأوروبية الوحيدة التي تحمل اسماً عربيّاً أو أمازيغيّاً، كما أنها من بناء المسلمين، وكان الحضور العربي- والمغربي -الأمازيغي فيها حضوراً قويّاً، ونابضاً، وزاخراً منذ تأسيسها بشهادة شيخ الباحثين المغاربة في تاريخ الأندلس الصّديق العزيز المشمول برحمة الله الدكتور محمد بنشريفة؛ مدريد التي أصبحت اليوم من أكبر الحواضر الأوربيّة، أسّسها تحت اسم “مجريط” في القرن التاسع الميلادي الأمير محمد بن عبد الرحمن، خامس الأمراء الأموييّن في الأندلس.
كان المهدي المنجرة شغوفاً كذلك بزيارة بعض المدن الإسبانية الأخرى، خاصّة الواقعة منها في جنوب إسبانيا بالأندلس حيث كان تتمّ دعوته من طرف بعض المؤسسات والجمعيات الثقافية والجامعات لإلقاء بعض المحاضرات في العلاقات الدّولية والعلوم المستقبلية، أو المشاركة في العديد من الملتقيات والمناظرات والندوات الثقافية الدولية، وسواها من مجالات العلم والتاريخ والمعرفة. ولقد سبق لي ان كتبتُ عنه وعن أنشطته، ومشاركاته في هذه الملتقيات قيد حياته في بعض الجرائد العربية الدولية الكبرى الصّادرة في لندن التي كنتُ أكتبُ فيها بانتظام إبّانئذ، كتبتُ عنه إيماناً منّي بفكره المستنير، وإعجاباً منّي بعلمه وباجتهاده وأفكاره وألمعيته، وبمداخلاته القيّمة والرّصينة في هذه الملتقيات الدولية .
لا يختلف اثنان في بلادنا وربما خارجها كذلك على أن هذا المثقف الحصيف كان مفكّراً ذا عقل راجح، وكان ذا طبع لطيف، يحبّ البسط ويميل الى النكتة الظريفة، والمستملحة الطريفة، وفوق ذلك كله يتميّز بتواضعٍ جمّ يجعله يعلو ويكبر في أعين كلّ من قيّض الله له أن يتعرّف عليه عن قرب. كان لا يفارقة حاسوبه الصغير أبداً منذ ذلك الإبّان، ويستخرجه خلال محاضراته، ويسجّل فيه مداخلاته، ويدوّن ملاحظاته، سواء كان محاضراً أم مشاركاً أم مستمعاً، ومن المعروف أن المهدي المنجرة كان قد وضع له اسماً أمازيغيّاً طريفاً، فكان يسمّيه وينعته ب « يطّو» وهو اسم متداول في المغرب وفي سائر بلدان الشمال الإفريقي،كما أنه إسم امرأة مغربية رّيفية (شمال المغرب) كانت قد لعبت دوراً كبيراً في مساعدة الجيش المغربي على استرداد مدينة طنجة من قبضة الإنكليز أوائل القرن17. (أنظر مقالي في صحيفة «القدس العربي» بعنوان (شقراء الرّيف) لعبد العزيز بنعبد الله العدد 8125 بتاريخ 4 يونيو(حزيران) 2015) .

??who are you

عندما ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته بجامعة «كورنيل»، كان لمّا يَزَلْ في مقتبل العمر، كان شغوفاً بحبّ الاستطلاع والخوض في مختلف حقول المعرفة، والفضول العلمي، والتطلّع نحو استبطان المجهول واستكناه المستقبل، وسَبْر آفاق كلّ العلوم، وكان فضوله العلمي والمعرفي يدفعه دائما إلى السّؤْل والسُّؤال، والتساؤل والاستفسار بدون هوادة، وبدون انقطاع، عن كلّ ما يخطر له في دروب العلم، وحقول المعرفة، أو يعنّ له في الحياة. وذات مرّة ضاق بكثرة أسئلته وتساؤلاته وبفضوله ذرعا أستاذه بالجامعة فصاح به بإعجاب وانبهار: مَنْ أَنْتَ…؟ مَنْ تكون…؟ .. who are you ?وأردفَ الأستاذ الأمريكي قائلاً: تساؤلاتك الدقيقة المتوالية ستجلُبُ لك الكثيرَ من المعرفة، ولكنها قد تجلب لك معها كذلك الكثيرَ من المتاعب.
والحديث ذو شجون يجرّ بعضه بعضاً، وممّا كنّا سمعناه عن المرحوم المنجرة أنه كان نشيطا، يقظاً، ومشاكسا، ومشاركا بحماس منقطع النظير منذ نعومة أظفاره، منذ أن كان صبيّاً طريّ العود، غضّ الإهاب، في شرخ شبابه وريعان عمره في الحياة الطلاّبية والثقافية، والاجتماعية والسياسية، والشبابية، وكان يحضر التجمّعات الشعبية التي ينظمها الوطنيون، وكان يؤمّ طلباً للعلم والتكوين المدرسةَ والكتّاب (يُسمّى في المغرب المسيد) في آنٍ واحد.

ذات ليلة في مدريد العامرة

أتذكّر ذات مرّة أننا كنا نتعشى أربعتنا؛ الصديق الأديب الوزير محمّد العربي المسّاري، والمفكر المهدي المنجرة والكاتب محمّد شقور رحمهم الله تعالى جميعاً ، وكاتب هذه السطور، في أحد مطاعم مدينة مدريد بأحيائها العتيقة، وعندما ناولنا النادلُ قائمةَ الطعام، وألقينا نظرة ًعَجْلىَ على الوجبات والأطباق التي كان يعدّها هذا المطعم، طلب منه المهدي رحمه الله شريحةَ لحم يسمّيها الإسبان Solo millo ويُنطق في الأسبانية «سُولُو مِييّو» فقال للنادل بلغة سيرفانتيس: «نَعَمْ سُولُومِييُّو لأننّي أريده أن يكون لي لوحدي !” أيّ ما معناه وكما يُنطق في اللغة الإسبانية Solo mío ….)) مستغلاً تقارب وتشابه النطق في العبارتين، فانخرط الجميع في ضحك مسترسل …وطالت السّهرة .. ويا لها من سهرة، كنّا ضيوفاً على طعام مزّ، وفكر خلاّق، وأدب رفيع، وبعض السياسة، والكياسة…وجَعَلْنَا ليلنا قصيراً- كما يُقال بالعامية المغربية- (يعني أنّنا قصّرنا ليلنا، ولكنّنا لم نقصّر قطّ في صداقتنا، وعِشرتنا، وأنسنا …) وأنستنا هذه الأمسية اللطيفة الحافلة باللحظات السعيدة والهنيهات الممتعة والأحاديث الشجيّة والأقاويل الطليّة ليالي مدريد الشتويّة القارصة، وملأها أو عوّضها دِفْءُ الصّداقة مع مَنْ يُسمّيهم أو يُطلق عليهم الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت « جلسات مع أنبل النّاس»..!

بلدان نامية وأخرى في طريق النموّ

تأمّلات المهدي المنجرة وأفكاره في المجتمع والتنميّة والثقافة ومستقبل الثقافة والاقتصاد والعلم والتعلّم التي تعتبر من المقوّمات الأساسية في حياة الفرد والجماعة في محيطه الاجتماعي، يمكن رصدها في عرض قيّم، ودراسة متّزنة ورصينة أفاض فيها تقية محمّد عن كتاب المهدي المنجرة « قِيمَةُ القِيَم»، نقرأ بكلّ إعجاب: «أنّ المؤلف يُولي الاهتمامَ بمختلف القيم الموجّهة للمجتمع توجيهاً صواباً سواء من داخله أو حتى في ما يمكن أن يربطه بالخارج من علاقات”. وكذا: «ورغم كثرة البرامج الدولية للتنمية، لاسيما في أفقر الدول، حيث يزداد الاهتمام الدّولي، فإنّ المساهمة الوطنية نادراً ما تمثل أقلّ من سبعين في المائة من المجموع، وتبقى المساعدة الدولية التي تنتج عن هذا التعاون ضعيفة من ناحية الكمّ، إذن يصبح من الضروري القيام بمقاربة منظومية في التحليل لتقييم جودة التفاعل الثابت بين المستوى الوطني والمستوى الدولي، والمهمّ في هذه المساعدة الخارجية هي الأفكار، والتصوّرات الناتجة عنه والتجارب الصادرة منه».
وبربط هذا المحتوى بالأحداث الراهنة، خصوصاً بما يتعلق بدول صنفت اقتصادياً «دولا نامية» أو «في طور النموّ»، فإنّ إشكالية تبعية الدّول النامية للدول «المتطورة” مستفحلة كلما ارتبطت بما يسمّى “مساعدات” من هذه الدّول، وجعلت معتمدها الرئيسي عليها بالرّغم من ثبوت ضآلة مساهمتها في النهوض، خصوصاً بقطاع الاقتصاد الذي أصبح ركيزةً أساسيةً للاعتراف بوجود الدّول في معالم القوة. إذ إنّ أهمّ ما يمكن أن يساهم في «النهوض» انطلاقاً من التعاون بين الدول مرتبط بعالم الأفكار والتصوّرات الناتجة عنها. ونقرأ كذلك- بحسب العَرْض آنف الذكر- في هذا الكتاب الرّصين من جهة أخرى حول أهمية «الثقافة المتوسطية» «التي تربط بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط، بل أكثر من ذلك ربط مستقبل هذه الدول ومستقبل قضاياها رهين بمستقبل الثقافة بها، على اعتبار أنّ الثقافة لها ارتباط عريق ووثيق بجميع جوانب الحياة، ولا يُمكن نسخ ثقافة مجتمع ما، أو دولة ما، في حيّز آخر تحت مُسمّى (نقل الثقافة)، لأنّ التعدّد وارد بحكم أنّ لا شمولية لثقافة ما من جهة، ومن جهة أخرى باعتبار الثقافة نسبيّة، والموروث الثقافي هو مفتاح من مفاتيح التنمية، وبالتالي فإنّ أيَّ محاولة لتعميم ثقافة ما، أو نقلها واستنساخها وإجبارها ما هي إلاّ محاولة للتشتيت، والتفرقة، والهدم وليس البتّة البناء».

الثقافة ..مفهومها وهويّتها

ويقول المهدي المنجرة في هذا المجال: «إنّ إحدى القضايا الأساسية بالنسبة لدُول حَوْض البحر الأبيض المتوسط، تتعلق بمستقبل ثقافاتها،لأنّ هذا المستقبل مرتبط بجميع الجوانب الأخرى للتنمية الإستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية إلخ..أضف إلى ذلك أنّ هذا المستقبل غير قابل للانقسام، لأنّ هناك ثقافة متوسطيّة بكل ما تحملُ هذه الكلمةُ من معاني سامية».. وعليه فإنّ مفهوم “الثقافة” بما تضمره من أبعاد- بحسب المنجرة- له وقعٌ عميق على مستقبل الشعوب ووجودها وارتباطاتها في ما بينها، ولما لها من جذور ضاربة في عمق التاريخ، وما تكتنزه لواقع المستقبل. ويؤكّد المنجرة في هذا القبيل كذلك: «إن الفرَضية السّابقة قد يظهر فيها شيء من المبالغة بالنسبة لأولئك الذي لا يهتمّون بالماضي، ولا بالإطّلاع على كتب التاريخ، وحسب تجربتي، فإننّي أدرك أنّه كلما ازددتُ اهتماماً بالدراسات المستقبلية، زادني ذلك الشعور بالحاجة لترسيخ رؤيتي على أسس تاريخية صلبة».
وفى مَعْرِض حديث المنجرة عن «الهويّة الثقافية» التي يعتبرها سبباً في وجود “منظومة القيم” وبغيابها تفشل المجتمعات في إثبات ذاتها أو هُويّتها يقول: «هناك فترات يؤدّي فيها الانفتاح التلقائي وليس الانتقائي إلى غزو كبير، وإضعاف أعزّ ما للإنسان وهي هُويته الثقافية».ويركّز المفكّر المنجرة- بحسب تقية محمّد- على ضرورة صَيْرُورَة حَرَكية “التعلّم” من المهد إلى اللّحد، منبّها إلى ما يُمكن أن يجابه أو يعوق المسيرةَ العلمية بين هاتين المحطتين مستقبلاً، مشدِّداً على أنّ أهمّ عنصر من عناصر التعلّم هو “القيم”، قائلا في هذا المضمار: «وأهمّ عناصر التعلّم هي القيم، وعندما نشير إليها كعناصر، فإنّنا نؤكّد على دورها الفعّال في عملية التعلم، فقيمة البقاء مع الكرامة يمكن أن تكون ذات آثار مباشرة في التوجيه، وأنّ ظهور القيم هو ظهور للحدّ الفاصل بين الذاتية والموضوعية، وبين الحقائق والأحكام، وبين ما هو كائن وما يجب أن يكون، وبين العلم والأخلاق، وبين الأحكام وبين العلوم الحقة والعلوم الإنسانية، وبين الغايات والوسائل، وبين المعقول واللاّمعقول».

شهادات

قيل فيه، أو بالأحْرَى قيل عنه: «من حسن حظ المغاربة أنّ المهدي المنجرة هو واحد منهم، وإذا كانت لدى جنوب إفريقيا مناجم الذهب، ولدى مصر الأهرام، ولدى البرازيل القهوة، فلدى المغرب الفوسفاط والسمك والمهدي المنجرة.كان يرى بعيداً مثل صقر، ويحلّق عاليا كطائر، ويتكلّم مثل حكماء الجبال في الصين القديمة. وهو حين يتكلم، فلكي يقول شيئا. هذا المنذر بآلام العالم ، كما قال عنه ميشال جوبير مرّة قيد حياته: يشرف اليوم على الثمانين حولاً، ولكن الجلوس إليه ساعات يترك لديك انطباعاً بأنّك أمام رجل يشتغل في شباب كامل، مثل تلميذ يعالج واجباته المدرسية كما يليق. جاب هذا الطائر الحكيم أزيدَ من مائة وأربعين دولة عبر العالم في تجربته الغنية مع الحياة والمعرفة، حاور ثقافات، وجاور معالم حضارية، ولامس أفكاراً وناظر عقولاً، وعاد ليجلسَ على كرسيّ صغير في غرفة ضيّقة تحوطها كتب بكل اللغات ليقول لك الخلاصة: (بهذا يعرف الله) ! المهدي المنجرة رجل واحد بصيغة المجموع. إنّه المفرد حين يغدو جمعاً».
كانت جمعيَّة “أماكن” المغربية قد نظمت على اثر رحيله بالمدرسة العليا للتعليم التقني بمدينة الرّباط لقاءّ فكريّاً، قدّم خلاله ثلّة من الأساتذة والباحثين والمفكّرين المغاربة الذين عرفوا المنجرة شهادات، ومداخلات حول فكره، وأعماله، ومسار إبداعاته، كما تمّ خلال هذا اللقاء الإعلان عن خلق مؤسّسة تُعنى بفكر المرحوم. وأثناء هذا الملتقى قال الباحث الأستاذ مصطفى محسن في هذا السياق: «لقد كان المهدي المنجرة مثقفًا مستقلًا، يستعصِي حصرهُ في أيِّ زاوية، وحريصاً كبيرَ الحِرص على مجابهة الغوغائيَّة، والانتهازيَّة وتحنيط الأفكار، وذلك تحديدًا ما جرَّ عليه نقدًا عنيفًا».
ورصد الأديب الباحث يحيى اليحياوِي- من جهته- في المناسبة نفسها، على وجه الخصوص، علامتين اثنتين طبعتا فكر الراحل المنجرة وعملَه واشتغالَه ومباحثَه؛ أولى هاتين الخاصّيتين الإيمان بالمنظومة، كما يتبدَى ذلك في أعماله بدءاً من ستّينيات القرن الماضي، إلى أنْ أنهكه المرض سنة 2010، كما أنه، بتعبير الأستاذ اليحياوي، «كان موقنًا بأنَّ التطرق إلى أمرٍ من الأمور لا يمكنُ أنْ يتحقق دُون ربطه بباقي العناصر الأخرى». وأشاد المتدخّلون خلال هذا اللقاء بهذا المثقف الفذّ، واستحضروا فكره الخلاّق الذي- عكس ما يعتقد به البعض- كان رجلاً زاهداً في المناصب العليا، وذلك ما ذهب إليه وأكّده الباحث الأستاذ عبد الرحمن لحلُو؛ حيث أشار في هذا الصدد إلى : «إنَّ المهدِي المنجرة هو الذِي كان زاهدًا فيها بالأحرى، مختاراً لنفسه ملازمة الكلمة الحرّة، التي تضيقُ بقالبٍ مؤسّساتي ينزعُ إلى توجيهها، كان إنساناً مبدئيّاً، وحتَّى لغات العصر المتداولة التي أتقنها، فنهل بها من الفكر الغربِي، لمْ تجعله ينصرفُ عن لغته، ولا هي جعلته يحجمُ عن الانتصار لها».
ونختم هذا المقال بما تفضّلت وكتبت مشكورةً الأديبة اللبنانية المتألّقة الأستاذة مارلين وديع سعاده عمّا كتبناه في مناسبات سابقة عن المرحوم المهدي المنجرة وعن أمثاله، فقالت من فيض لطفها ونبل محتدها: «لقد جعل الدكتور محمّد خطابي من المهدي المنجرة ثروة وطنيّة، وضعها في مصاف ثروات المغرب، ووزنها بميزان الثروات الوطنيّة في العالم أجمع! وهل أجمل، وأخلق، وأعظم من هذا التقدير لرجل فكر؟! في زمنٍ صارت تُقاس فيه الرّجال بالأموال. إن ما ذُكر في هذه العجالة يؤكّد أننا أمام رجل فكر، عصاميّ، عرف كيف يفرض وجوده وحضوره حيثما حلّ، ولعلّ أكثر مكان ترك فيه أثرًاً بعيدًا هو هذا القلب الوفيّ، الذي حفظ لنا جمال الذكرى، ونقلها بأمانة الصديق، ومحبّة الأخ، وشهامة الرّجال وأصالتهم. ليس أجمل من هذا الوفاء أستاذنا الدكتور خطّابي، فقد آليت على نفسك أن تُبقي ذكرى الكبار حيّةً حتى بعد رحيلهم، مشيرًا إليهم والى تاريخهم وآثارهم، مخلّداً ذكراهم بصوتٍ جهور، أبيت إلاّ أن توصله الى كلّ الأرض، وقد نجحت! أدامك الله أستاذنا، فقد نالنا من الخير في ذِكرك للكبار أكثر مما نالهم، لأنّ في كلّ ما تقدّمه لنا الدسم لعقولنا، والغنىَ لمعارفنا».

* كاتب ومترجم ، ،عضو الأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا


الكاتب : د. محمّد محمّد خطّابي*

  

بتاريخ : 07/07/2021

أخبار مرتبطة

الأثر الطيب والتأثير المستدام   نظمت حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي، لقاء لتقديم كتاب بعنوان « محمد الحيحي.. ذاكرة حياة»

بايعوه و باعوا له كل شيء وقف جندي بزيه المضمخ دما ليس ليقول : أنا واحد من المليون شهيد بل

أعلنت جائزة غسّان كنفاني للرواية العربية التي تنظمها وزارة الثقافة الفلسطينية عن الروايات المرشحة للقائمة الطويلة بدورتها الثالثة للعام 2024،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *