المواطن وجائحة‮ «‬كورونا‮».. ‬سوء الفهم الكبير

لماذا لا‮ ‬يكترث عموم المواطنين بخطورة وباء كوفيد‮-‬19،‮ ‬ولا‮ ‬يمتثلون،‮ ‬خاصة في‮ ‬الأوساط الشعبية،‮ ‬للإجراءات الاحترازية التي‮ ‬تفرضها السلطات العمومية،‮ ‬للحد من تفشي‮ ‬الجائحة؟‮.‬
وهل ساهم طول مدة تفشي‮ ‬الوباء وانعكاسات تدابير الحجر الصحي‮ ‬على الوضع الاقتصادي‮ ‬في‮ ‬التأثير على سلوكيات المواطن ذات الصلة؟
الباحث السياسي‮ ‬المختص في‮ ‬الأنثروبولوجيا الحضرية أحمد شتاشني،‮ ‬أكد أن الغموض الذي‮ ‬اكتنف في‮ ‬البداية،‮ ‬مضمون الخطاب الرسمي‮ ‬لإبراز خطورة الوباء وتداعياته الصحية،‮ ‬وعدم نشر معطيات وافية بشأن الجائحة،‮ ‬أثر نسبيا على القرار المناسب،‮ ‬وهو ما ولد تضاربا في‮ ‬الآراء،‮ ‬حول خطورة الوباء والتدابير الاحترازية اللازمة لتطويقه ومحاربته‮.‬
ورأى شتاشني‮ ‬في‮ ‬حديث مع وكالة المغرب العربي‮ ‬للأنباء،‮ ‬أن السلطات العمومية،‮ ‬اتخذت مع بداية تفشي‮ ‬الجائحة في‮ ‬مارس الماضي،‮ ‬إجراءات احترازية صارمة أدت إلى تطبيق الحجر الصحي‮ ‬الكلي،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك إغلاق الحدود وفرض الاشتغال الوظيفي‮ ‬والدراسة عن بعد،‮ ‬والمكوث في‮ ‬البيوت،‮ ‬في‮ ‬وقت كانت فيه حالات الإصابة لا تتعدى بالكاد العشرين،‮ ‬في‮ ‬حين أنه بعد تزايد حالات الإصابة تدريجيا،‮ ‬تم فتح الحدود والمدارس والمطاعم والمقاهي‮ ‬وحتى المساجد‮.‬
فالمواطن البسيط،‮ ‬يضيف شتاشني،‮ ‬من الصعب عليه فهم واستيعاب مثل هذه القرارات وإدراك خطورة الوباء،‮ ‬لا سيما مع تسجيل حالات‮ «‬تساهل‮» ‬في‮ ‬عز الأزمة الصحية،‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يخص حظر السير والجولان بين المدن التي‮ ‬عرفت تفشيا للجائحة‮.‬
ورأى أن علاقة‮ ‬غير وطيدة تولدت بين الخطاب الرسمي‮ ‬وتطبيق التدابير الصحية ذات الصلة،‮ ‬على أرض الميدان،‮ ‬من جهة والواقع المعاش من جهة أخرى‮.‬
وفضلا عن ذلك،‮ ‬يؤكد الباحث،‮ ‬هناك عوامل مادية،‮ ‬واقتصادية وسيكولوجية ودينية،‮ ‬تفسر سلوكيات المواطن إزاء تعامله مع هذا الوباء ومع مجهودات الدولة لإحتوائه‮.‬
فالهوة بين الخطاب السياسي‮ ‬والصحي‮ ‬من جهة،‮ ‬والواقع المعيش من جهة أخرى،‮ ‬أديا برأي‮ ‬شتاشني‮ ‬إلى انبثاق عنصر مادي‮ ‬واجتماعي،‮ ‬يصعب معه فرض إجراء الحجر الصحي‮ ‬الذي‮ ‬يشكل أداة للوقاية المجتمعية من أية تهديدات وبائية أوغيرها‮.‬
وشدد المتحدث المختص في‮ ‬الأنثروبولوجيا الحضرية،‮ ‬على أنه لا‮ ‬يمكن بتاتا فرض إجراءات الحجر والتباعد الجسدي‮ ‬في‮ ‬وحدات السكن‮ ‬غير اللائق مثلا،‮ ‬والتي‮ ‬تفتقد للمساحة الضرورية ولأبسط ضروريات العيش الكريم‮ (‬ماء،‮ ‬كهرباء تطهير‮) ‬ولا تتسع حتى لإيواء أفراد الأسرة الواحدة‮.‬
وفي‮ ‬الشق الاقتصادي،‮ ‬طرح القطاع‮ ‬غير المهيكل والذي‮ ‬يحتضن شرائح واسعة من أفراد المجتمع،‮ ‬كأسواق القرب والبيع الجائل اختلالات بنيوية،‮ ‬وهو ما تجسد في‮ ‬عدم التجاوب مع مجهودات الدولة في‮ ‬هذا الباب رغم رصد هذه الأخيرة اعتمادات ضخمة في‮ ‬بادئ الأمر،‮ ‬لدعم الفئات المتضررة‮.‬
فعرض البضائع للبيع في‮ ‬الأسواق الشعبية،‮ ‬يؤكد الباحث ذاته،‮ ‬لا‮ ‬يمكن خلاله إستيفاء شروط التباعد الجسدي‮ ‬والوقاية اللازمتين،‮ ‬خاصة وأن الأمر‮ ‬يبدو من الصعوبة بمكان حينما تمثل مثل هذه الأنشطة المعيشية،‮ ‬مصدر عيش شرائح واسعة من المجتمع‮.‬
ومهما‮ ‬يكن من أمر،‮ ‬فإن العنصر السيكولوجي‮ ‬لفهم وإدراك تصرفات المواطنين،‮ ‬في‮ ‬خضم تفشي‮ ‬الجائحة،‮ ‬يردف شتاشني،‮ ‬موازاة مع طول مدة الحجر الصحي،‮ «‬يكمن في‮ ‬أن مجتمعا ذا بنية اجتماعية ممتدة على‮ ‬غرار باقي‮ ‬المجتمعات المتوسطية،‮ ‬والتي‮ ‬تعتمد أنماط عيش حميمية/اجتماعية،‮ ‬تتميز بسهولة التواصل الاجتماعي‮ ‬ومداومة اللقاءات بين الأصدقاء وأفراد العائلة الكبيرة،‮ ‬لا‮ ‬يمكنه مطلقا الالتزام بالتباعد الاجتماعي‮ ‬وقطع الصلة العائلية،‮ ‬وحجب الزيارات الأسرية‮»..‬
وإلى جانب ذلك،‮ ‬يطرح الوازع الديني،‮ ‬جانبا آخر من الأهمية،‮ ‬لفهم سلوكيات المجتمع بهذا الخصوص،‮ ‬وتجلى ذلك أساسا في‮ ‬حرص المواطنين على الاحتفال بعيد الأضحى،‮ ‬وهو ما ترتب عنه تزايد وتيرة عدم الاكتراث بالخطر المحذق بالوباء،‮ ‬تزامنا مع تنامي‮ ‬معدل السفر بين المدن،‮ ‬واتساع رقعة اللقاءات العائلية البينية‮.‬
وفضلا عن ذلك،‮ ‬يؤكد شتاشني‮ ‬ساهم تنامي‮ ‬فقدان المواطن للثقة في‮ ‬الهيئات الوسيطة،‮ ‬كالأحزاب مثلا،‮ ‬وفي‮ ‬الأجهزة التمثيلية المحلية،‮ ‬والتي‮ ‬انزوت إلى الوراء وبات لها حضور محتشم على مستوى الخطاب السياسي‮ ‬في‮ ‬زمن الجائحة،‮ ‬في‮ ‬تنامي‮ ‬وازع عدم الاكتراث الشعبي‮.‬
وينضاف إلى ذلك،‮ ‬يخلص الباحث ذاته،‮ ‬تراجع دور المدرسة التوعوي‮ ‬والتثقيفي‮ ‬وغياب مؤسسات تعنى بأدوار من هذا القبيل،‮ ‬وهو ما أسهم في‮ ‬بروز جيل‮ ‬غير واع ومدرك بخطورة الأشياء،‮ ‬لا‮ ‬يمكنه البتة استيعاب الرسائل الرسمية بسهولة والتعامل معها بكيفية عقلانية‮.‬


الكاتب : جواد التويول

  

بتاريخ : 02/11/2020