الموسيقار عبدالواحد التطواني سيرة فنان وإنسان (19) : ‮ ‬الجنرالان‮ ‬الغرباوي‮ ‬والمذبوج‮ ‬ولعبة‮ «ضامة‮» ‬ والحسن الثاني‮ ‬هو‮ ‬من لقبني‮ ‬بمطرب الملوك‮

الفنان الكبير عبد الواحد التطواني، واسمه الحقيقي عبد الواحد كريكش، كان أول فنان مغربي يفتتح البث التلفزي للإذاعة والتلفزة المغربية سنة 1962 بأغنية،» علاش ياغزالي» مع الفنانة الحاجة الحمداوية .
بحكم دراسته للموسيقى وموهبته المبكرة، وسطوع نجمه في سماء الفن المغربي، التحق سنة 1963 بجوق إذاعة طنجة مع الراحل عبد القادر الراشدي، لينتقل إلى جوقي فاس ومكناس الجهويين، وفي 3 مارس 1968 التحق كمطرب بالجوق الملكي بأمر من المغفور له الحسن الثاني، وكان من بين من حضروا وعايشوا أحداث محاولة الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات.
غنى من ألحان كبار المبدعين المغاربة، كما غنى من ألحانه كبار نجوم الأغنية المغربية، وراكم العشرات من الأعمال الإبداعية طيلة مسيرته الفنية.
تعددت مواهب الموسيقار عبد الواحد التطواني، لتتخطى الغناء والتلحين والزجل والتشكيل، وتمتد إلى التمثيل، حيث شارك في العديد من المسرحيات وحاز على العديد من الجوائز التقديرية ووسام الاستحقاق الوطني.
الفنان القدير عبد الواحد التطواني يعتبر أول من غنى في أوبيريت في تاريخ الفن المغربي بعنوان ‘‘ بناة الوطن ‘‘، كتبها أحمد الطيب العلج وأخرجها فريد بنمبارك، وكانت من ألحان العربي الكوكبي ومحمد بن عبد السلام، ومن بطولة عبد الواحد التطواني وأحمد الطيب العلج ومحمد حسن الجندي وعزيز موهوب وبهيجة إدريس وإسماعيل أحمد ومحمد الإدريسي وقدمت للتلفزيون سنة 1967.
اشتغل، كما تقول سيرته الفنية، إلى جانب الفنان الأسطورة سليم الهلالي، حيث شكلت هذه التجربة إضافة إلى مسيرته المليئة بالعطاءات، ويعد أحد الرواد المتميزين في الموسيقى المغربية، لذلك لقب بـ «كنار المغرب الأقصى» و»مطرب الملوك».
في هذا اللقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، نسترجع مع سي عبد الواحد التطواني مسيرة هذا الرجل الفنان والإنسان.

كان جلالة الملك الحسن الثاني هو من أطلق‮ ‬لقب‮ “‬مطرب الملوك‮ “‬على الموسيقار عبد الواحد التطواني،‮ ‬وشكل قرار اعتماده‮ ‬كمطرب‮ ‬بالقصر الملكي،‮ ‬أفضالا‮ ‬كثيرة‮ ‬على حياته‮ ‬الشخصية‮ ‬والفنية‮، في‮ ‬هذا الباب‮ ‬يقول‮ ‬عبدالواحد التطواني:‬
‮”‬كنت أجد راحتي‮ ‬في‮ ‬الغناء بين‮ ‬يدي‮ ‬جلالته رحمه الله،‮ ‬ولن أنسى أبدا فضله علي،‮ ‬فقد كان أبا رحيما ومستمعا‮ ‬يزيدني‮ ‬طربا وإبداعا،‮ ‬وحينما‮ ‬يحل أي‮ ‬ضيف على القصر الملكي‮ ‬كان دائما‮ ‬يطلب مني‮ ‬الغناء،‮ ‬وهو من سماني‮ ‬رحمه الله «بمطرب الملوك‮».‬
الاشتغال‮ ‬داخل‮ ‬القصر الملكي،‮ ‬لم‮ ‬يمكنه من ‬الاحتكاك‮ ‬بالفنانين فقط،‮ ‬بل كان‮ سببا ‬أيضا‮ ‬في ‬التعرف على ‬المسؤولين العسكريين‮ ‬من الرتب‮ ‬العليا. ‬عن ذلك‮ ‬يحكي‮ ‬الفنان القدير عبدالواحد التطواني‮ ‬قائلا‮:‬
‮”‬دعوني‮ ‬أحكي‮ ‬لكم المفارقة بين ملك وجنرالين،‮ ‬في‮ ‬بعض الأحيان كنا ننتظر أوامر الملك بالدخول عليه،‮ ‬وفي‮ ‬بعض الأحيان كنا نستريح فوق عشب الكولف،‮ ‬وكثيرا ماكان الموسيقيون‮ ‬يلعبون لعبة الورق أو لعبة‮ « ‬الضامة‮ » . ‬كنا مايسمى‮ ” ‬بولاد الدار‮ “‬،‮ ‬في‮ ‬إحدى المرات كانت جماعة من أفراد الجوق الملكي‮ ‬منهمكة في‮ ‬لعبة الضامة،‮ ‬وكانت كرة الكولف تأتي‮ ‬على مسافة قصيرة من الجماعة التي‮ ‬تلعب‮ «‬الضامة‮» . كل ما في‮ ‬الأمر أن الجماعة تبتعد عن الكرة‮‬، وحين قدوم جلالته رحمه الله في‮ ‬اتجاه الكرة تهم الجماعة بالوقوف احتراما للملك وتحيته‮، فيأمر جلالته بيده المجموعة بالجلوس والبقاء على حالها ويتابع اللعب.‮ ‬وفي‮ ‬بعض الأحيان كان‮ ‬ينضم الجنرال الغرباوي‮ ‬رحمه الله ليشاهد المجموعة وهي‮ ‬تلعب،‮ ‬وفي‮ ‬بعض الأحيان‮ ‬يستاء من أحد اللاعبين فيزيحه قائلا‮ : « ‬مالك أولدي‮ ‬كانبو‮‬، علاش عطيتيه هادي،‮ ‬عطيه هادي‮ ‬أصاحبي‮ ‬حيد خليني‮ ‬نكمل معاه‮» . وفي‮ ‬بعض المرات‮ ‬يطلب منه اللاعبون السكوت أو‮ ‬يقولون له‮ ” ‬ماتوريهش أمون جنرال‮ ” ‬أو‮ ” ‬خلينا لعبو أمون جينرال‮ “‬،‮ ‬وكانت الغالبية من الموسيقيين‮ ‬يحملون درجات عسكرية،‮ ‬يعني‮ ‬أنهم تحت إمرة الجنرال،‮ ‬لكنه كان لطيفا‮ ‬، وقد قتل في‮ ‬الانقلاب الفاشل بالصخيرات رحمه الله،‮ ‬بينما،‮ ‬حينما‮ ‬يشاهد أحد أفراد الجوق الجنرال المذبوح كان‮ ‬يقول‮ : ” ‬الدراري‮ ‬الجنرال المذبوح‮ ” ‬فترى الجميع في‮ ‬سباق للاختباء منه،‮ ‬لأنه لا‮ ‬يتوانى في‮ ‬إرسال أي‮ ‬أحد إلى السجن‮ ” ‬البنيقة‮ ” ‬ولأتفه الأسباب. وكانت‮ ” ‬البنيقة‮ ” ‬متواجدة بالتواركة وهي‮ ‬حجرة كبيرة، أو‮ ‬يرسله إلى سجن الحرس الملكي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يرأسه. شخصيا،‮ ‬كنت لا أعيره اهتماما كبيرا،‮ ‬فقط كنت أمشي‮ ‬مبتعدا عنه،‮ ‬فهو‮ ‬يعرف كما أعرف،‮ ‬أنه لو أرسلني‮ ‬إلى السجن،‮ ‬ربما‮ ‬يسأل جلالته رحمه الله عني‮”.‬
ويكشف‮ ‬الموسيقار عبد الواحد التطواني‮ ‬أن‮ ‬مرحلة‮ ‬الانضمام إلى الجوق الملكي،‮ ‬كانت‮ ‬مرحلة فاصلة في‮ ‬حياته،‮ ‬وعنها‮ ‬يقول‮:‬
‮”‬مرحلة الجوق الملكي‮ ‬مرحلة فاصلة في‮ ‬حياتي،‮ ‬لأنني‮ ‬استفدت منها الكثير‮‬، وجالست أفضل المطربين العرب الذين كانوا‮ ‬يستدعون إلى القصر الملكي‮ ‬العامر،‮ ‬توالت الأيام حتى ليلة الخميس التاسع من‮ ‬يوليوز من سنة‮ ‬1971‮ ‬، وهي‮ ‬الليلة التي‮ ‬ستسبق انقلاب الصخيرات الفاشل‮ “.‬


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 23/04/2022