الموسيقار عبدالواحد التطواني سيرة فنان وإنسان (20) : الكوكبي يسلم عوده لمحمد عبد الوهاب والملك يأمر بالهدوء ويقول: “اسكت … الغرباوي !”

الفنان الكبير عبد الواحد التطواني، واسمه الحقيقي عبد الواحد كريكش، كان أول فنان مغربي يفتتح البث التلفزي للإذاعة والتلفزة المغربية سنة 1962 بأغنية،» علاش ياغزالي» مع الفنانة الحاجة الحمداوية .
بحكم دراسته للموسيقى وموهبته المبكرة، وسطوع نجمه في سماء الفن المغربي، التحق سنة 1963 بجوق إذاعة طنجة مع الراحل عبد القادر الراشدي، لينتقل إلى جوقي فاس ومكناس الجهويين، وفي 3 مارس 1968 التحق كمطرب بالجوق الملكي بأمر من المغفور له الحسن الثاني، وكان من بين من حضروا وعايشوا أحداث محاولة الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات.
غنى من ألحان كبار المبدعين المغاربة، كما غنى من ألحانه كبار نجوم الأغنية المغربية، وراكم العشرات من الأعمال الإبداعية طيلة مسيرته الفنية.
تعددت مواهب الموسيقار عبد الواحد التطواني، لتتخطى الغناء والتلحين والزجل والتشكيل، وتمتد إلى التمثيل، حيث شارك في العديد من المسرحيات وحاز على العديد من الجوائز التقديرية ووسام الاستحقاق الوطني.
الفنان القدير عبد الواحد التطواني يعتبر أول من غنى في أوبيريت في تاريخ الفن المغربي بعنوان ‘‘ بناة الوطن ‘‘، كتبها أحمد الطيب العلج وأخرجها فريد بنمبارك، وكانت من ألحان العربي الكوكبي ومحمد بن عبد السلام، ومن بطولة عبد الواحد التطواني وأحمد الطيب العلج ومحمد حسن الجندي وعزيز موهوب وبهيجة إدريس وإسماعيل أحمد ومحمد الإدريسي وقدمت للتلفزيون سنة 1967.
اشتغل، كما تقول سيرته الفنية، إلى جانب الفنان الأسطورة سليم الهلالي، حيث شكلت هذه التجربة إضافة إلى مسيرته المليئة بالعطاءات، ويعد أحد الرواد المتميزين في الموسيقى المغربية، لذلك لقب بـ «كنار المغرب الأقصى» و»مطرب الملوك».
في هذا اللقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، نسترجع مع سي عبد الواحد التطواني مسيرة هذا الرجل الفنان والإنسان.

في هذه الرحلة، يذهب بنا الموسيقار عبد الواحد التطواني إلى الأجواء التي عاشها القصر الملكي بالصخيرات، ساعات قليلة قبل الانقلاب الفاشل، وكذلك يستعرض أسماء ضيوف جلالة الملك الذين جاءوا خصيصا للاحتفاء بذكرى عيد الشباب.
يتذكر الفنان القدير عبد الواحد التطواني هذه المحطة التي من المؤكد أنها ستبقى حاضرة ومحفورة في الذهن، بكل التفاصيل والجزئيات، وفيها وعنها يقول :
“في عيد الشباب سنة 1971، كنا نعيش أجواء من الاحتفالات، وفي الليلة التي ستسبق ليلة الانقلاب الفاشل، كان هناك حفل بحضور مجموعة من الفنانين العرب وبعض الفنانين المغاربة الكبار، يتقدمهم الراحل الكبير أحمد الغرباوي، إبراهيم العلمي، أحمد البيضاوي، المعطي بنقاسم، إسماعيل أحمد، وفي هذه الليلة أيضا كانت الفرقة الماسية حاضرة برئاسة أحمد فؤاد حسن وأيضا محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ومحمد رشدي وعازف القيتار عمر خورشيد، وفايزة أحمد، والفنان صلاح ذو الفقار زوج شادية وغيرهم من الفنانين المصريين، ومن لبنان حضر وديع الصافي ومعه عازف قانون وعازف كمان وعازف آلة الرق ثم الجوق الملكي الذي يرأسه الكومندار رتبي والفنان العربي الكوكبي وعبد ربه.”
يواصل الموسيقار عبد الواحد التطواني استحضار هذا اللقاء ويضيف قائلا:
” وصلنا إلى قصر الصخيرات في الساعة الثامنة مساء، نزلنا من الشاحنات العسكرية التابعة للحرس الملكي بلباسنا العسكري الموسيقي الخاص بالفرقة، وهو عبارة عن سروال أزرق بشريط أحمر في جنباته، وحذاء أسود ومعطف بلون أحمر مع قميص أبيض بالإضافة إلى ” البابيون “، انتظرنا كما العادة في ساحة القصر بالقرب من ملعب الغولف الملكي الذي كان عن شمالنا ننتظر أوامر جلالته بالدخول عليه، بدأ الفنانون العرب من المدعوين بالوصول تباعا إلى القصر، وكان أول الوافدين الراحل محمد عبد الوهاب وزوجته نهلة القدسي، ثم الفنانون المغاربة، في الساعة التاسعة تقريبا خرج من داخل القصر الحاج سلام الفيلالي يأمرنا بالدخول إلى داخل القصر، وذهبنا جميعا إلى وسط القصر من ناحية اليمين، وصعدنا درج المسرح المطلة نوافذه على المحيط الأطلسي، وأخذت الفرقة الماسية مكانها شمال المسرح، حيث يجلس الملك الراحل الحسن الثاني، أخذت الفرقتان الموسيقيتان في دوزنة الآلات الموسيقية، وبعد مدة ليست بالقصيرة، دخل الحاج سلام الفيلالي معلنا قدوم جلالته، فتح ستار المسرح الذي كان مغلقا علينا وأطل جلالته برفقة الأمير الراحل المولى عبد الله رحمه الله والحاشية الخاصة بجلالته، نادى فينا الكومندار رتبي ” بالكم ” وقف الجميع لتحية الملك وتقدم إلى السلام على جلالته متبوعا بالراحل العربي الكوكبي ثم عبد ربه، بعد أن أشار على الجميع بالجلوس، جلس بقربه وعن شماله الأمير مولاي عبد الله، ثم قدم محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ للسلام عليه، فأمرهم بالجلوس قربه، بينما باقي الحاشية في صف على الكراسي بجانب حائط المسرح، أخذ الملك يحادث الضيوف ونحن في انتظار أوامره، بعد مدة سمعنا جلالته ينادي على الفنان الراحل العربي الكوكبي ليسلم عوده إلى الفنان محمد عبد الوهاب وأمره بالعزف به، أخذه محمد عبد الوهاب ونقر عليه فوجده في دوزنة عالية، ليشرع في التقسيم على نغمة ” راحة الأرواح ” ثم دخل في دولاب أغنية ” دارت الأيام ” وصاحبه في العزف أحمد فؤاد حسن على آلة القانون، أخذ محمد عبد الوهاب يمتع الحضور في الوقت الذي كان فيه الراحل أحمد الغرباوي يصيح بأعلى صوته ” الله … الله !” فكان الملك الراحل الحسن الثاني يشير إليه ويأمره ” اسكت الغرباوي ! “، انتهى محمد عبد الوهاب من الغناء تحت تصفيق الحاضرين، بعدها وبفترة قصيرة نادى جلالته على الفنان الراحل أحمد البيضاوي وأمره بالتقسيم على نفس العود الذي غنى به محمد عبد الوهاب”


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 25/04/2022