الموسيقار عبدالواحد التطواني سيرة فنان وإنسان (27)

الانقلابيون يعدمون الكولونيل بوعزة
بو الحيمص أمام أنظاري

 

الفنان الكبير عبد الواحد التطواني، واسمه الحقيقي عبد الواحد كريكش، كان أول فنان مغربي يفتتح البث التلفزي للإذاعة والتلفزة المغربية سنة 1962 بأغنية،» علاش ياغزالي» مع الفنانة الحاجة الحمداوية .
بحكم دراسته للموسيقى وموهبته المبكرة، وسطوع نجمه في سماء الفن المغربي، التحق سنة 1963 بجوق إذاعة طنجة مع الراحل عبد القادر الراشدي، لينتقل إلى جوقي فاس ومكناس الجهويين، وفي 3 مارس 1968 التحق كمطرب بالجوق الملكي بأمر من المغفور له الحسن الثاني، وكان من بين من حضروا وعايشوا أحداث محاولة الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات.
غنى من ألحان كبار المبدعين المغاربة، كما غنى من ألحانه كبار نجوم الأغنية المغربية، وراكم العشرات من الأعمال الإبداعية طيلة مسيرته الفنية.
تعددت مواهب الموسيقار عبد الواحد التطواني، لتتخطى الغناء والتلحين والزجل والتشكيل، وتمتد إلى التمثيل، حيث شارك في العديد من المسرحيات وحاز على العديد من الجوائز التقديرية ووسام الاستحقاق الوطني.
الفنان القدير عبد الواحد التطواني يعتبر أول من غنى في أوبيريت في تاريخ الفن المغربي بعنوان ‘‘ بناة الوطن ‘‘، كتبها أحمد الطيب العلج وأخرجها فريد بنمبارك، وكانت من ألحان العربي الكوكبي ومحمد بن عبد السلام، ومن بطولة عبد الواحد التطواني وأحمد الطيب العلج ومحمد حسن الجندي وعزيز موهوب وبهيجة إدريس وإسماعيل أحمد ومحمد الإدريسي وقدمت للتلفزيون سنة 1967.
اشتغل، كما تقول سيرته الفنية، إلى جانب الفنان الأسطورة سليم الهلالي، حيث شكلت هذه التجربة إضافة إلى مسيرته المليئة بالعطاءات، ويعد أحد الرواد المتميزين في الموسيقى المغربية، لذلك لقب بـ «كنار المغرب الأقصى» و»مطرب الملوك».
في هذا اللقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، نسترجع مع سي عبد الواحد التطواني مسيرة هذا الرجل الفنان والإنسان.

يواصل الموسيقار عبد الواحد التطواني استرجاع ماحدث ذلك اليوم بالقصر الملكي بالصخيرات، على إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة، لقد كان شاهد عيان على ما ارتُكب من قتل مجاني في حق عدد من الحاضرين الأبرياء دون أي ذنب يذكر، في هذا الصدد يقول الفنان القدير عبد الواحد التطواني:
“عند خروجنا من ناحية يمين المسبح ” بحال الحوالة ” كانت الموائد مقلوبة، والكراسي في كل مكان، وجثث الضحايا على مقربة منا، حينما يتجه نظرك المضطرب نحو عشب ملعب الغولف الملكي، تطالعك جثث الأشخاص الذين كانوا مكلفين بجر عربة عصي غولف اللاعبين، والذين مازلت أذكر لباسهم ” بلوزة ” بلون أحمر كتب على ظهرها رقم، وكان أغلبهم جثثا هامدة.
شلت الصدمة والخوف من القتل تفكيري، وأنا أشاهد مجموعة من الضباط برتب مختلفة يتقدمهم الجنرال المذبوح، الذي كنت أعرفه جيدا وكان يرتدي يومها لباسا مدنيا صيفيا، عبارة عن قميص أزرق مورد مفتوح وبيده قبعة صيفية وهو يصرخ ” ! arr?tez le feu”، في ما بعد سأعرف أن قائد الانقلابيين الكولونيل امحمد أعبابو، قائد مدرسة أهرمومو العسكرية، كان معه.
عند خروجي من الباب معنفا من الانقلابيين، كان بجانبي ” محمد السباعي ” رافعا يديه وعازف الكمان عبد المالك التوركي وعبد الكريم وياك وأخريات من بنات الكورال، أمرونا بالانبطاح على الأرض فوق عشب الكولف وأيادينا ممدودة إلى الأمام، بعد مدة قصيرة جاؤوا بعنصرين من الجوق الملكي ” محسن فيكو ” و ” عبد الهادي ترتوش “، كانا مختبئين في مكان ما، بعدها بدأ الانقلابيون في المناداة على أسماء بعض الضيوف ثم يأمروهم بالصعود إلى الشاحنات أو يضعوهم في سيارات دفع رباعية، وصوت الرصاص والقنابل لايزال مستمرا غير بعيد عنا، بعدها أتوا بكل من الزعيم علال الفاسي بلباسه التقليدي المغربي، الدكتور الخطيب، أحمد بنسودة …
أمرونا بالوقوف مرة أخرى والسير مرفوعي الأيدي إلى الأعلى، إلى الجهة الثانية بجانب القصر، ثم المرور واحدا واحدا والجنود يمينا ويسارا وسلاحهم مصوب إلينا، وحين الوصول إلى الضابط المسؤول الذي كان بجانب “الجيب”، كان يسأل باللغة الفرنسية وبسرعة:
” Vous étes militaire ?”، إذا أجابهم: “نعم أنا عسكري”، كان يطلب منه خلع ملابسه والجلوس على ركبتيه إلى جانب الجنود ويده مرفوعة إلى أعلى وملابسه أمامه، أما غير العسكري فيذهب إلى جهة أخرى، والنساء يتوجهن إلى مكان آخر مخصص لهن.
كنت شاهد عيان على الإعدام الميداني للكولونيل بوعزة بو الحيمص، قائد الدرك الملكي، الذي كان رجلا من أطيب خلق الله، حيث شاهدت ضابطا انقلابيا يطلق عليه النار مرتين بعد أن تكلم معه، رحمه الله، قائد الانقلابيين أمحمد اعبابو، مازلت أتذكر جسده، رحمه الله، وهو ينتفض من سيل الرصاص الذي تلقاه قبل أن يهمد نهائيا، مجموعة من الأحداث التي لا أزال أذكرها بألم كبير وأثرت في نفسيتي حتى بعد مرور نصف قرن على مرور هذا الحدث الأليم”.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 05/05/2022