الموسيقار عبدالواحد التطواني سيرة فنان وإنسان (30)

أصبت بأزمة نفسية حادة بسبب صور الجثث
التي لم تعد تفارقني في منامي

الفنان الكبير عبد الواحد التطواني، واسمه الحقيقي عبد الواحد كريكش، كان أول فنان مغربي يفتتح البث التلفزي للإذاعة والتلفزة المغربية سنة 1962 بأغنية،» علاش ياغزالي» مع الفنانة الحاجة الحمداوية .
بحكم دراسته للموسيقى وموهبته المبكرة، وسطوع نجمه في سماء الفن المغربي، التحق سنة 1963 بجوق إذاعة طنجة مع الراحل عبد القادر الراشدي، لينتقل إلى جوقي فاس ومكناس الجهويين، وفي 3 مارس 1968 التحق كمطرب بالجوق الملكي بأمر من المغفور له الحسن الثاني، وكان من بين من حضروا وعايشوا أحداث محاولة الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات.
غنى من ألحان كبار المبدعين المغاربة، كما غنى من ألحانه كبار نجوم الأغنية المغربية، وراكم العشرات من الأعمال الإبداعية طيلة مسيرته الفنية.
تعددت مواهب الموسيقار عبد الواحد التطواني، لتتخطى الغناء والتلحين والزجل والتشكيل، وتمتد إلى التمثيل، حيث شارك في العديد من المسرحيات وحاز على العديد من الجوائز التقديرية ووسام الاستحقاق الوطني.
الفنان القدير عبد الواحد التطواني يعتبر أول من غنى في أوبيريت في تاريخ الفن المغربي بعنوان ‘‘ بناة الوطن ‘‘، كتبها أحمد الطيب العلج وأخرجها فريد بنمبارك، وكانت من ألحان العربي الكوكبي ومحمد بن عبد السلام، ومن بطولة عبد الواحد التطواني وأحمد الطيب العلج ومحمد حسن الجندي وعزيز موهوب وبهيجة إدريس وإسماعيل أحمد ومحمد الإدريسي وقدمت للتلفزيون سنة 1967.
اشتغل، كما تقول سيرته الفنية، إلى جانب الفنان الأسطورة سليم الهلالي، حيث شكلت هذه التجربة إضافة إلى مسيرته المليئة بالعطاءات، ويعد أحد الرواد المتميزين في الموسيقى المغربية، لذلك لقب بـ «كنار المغرب الأقصى» و»مطرب الملوك».
في هذا اللقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، نسترجع مع سي عبد الواحد التطواني مسيرة هذا الرجل الفنان والإنسان.

لم تنته مأساة الموسيقار عبدالواحد التطواني حين كتب له عمر جديد، وتمكن من الخروج من داخل أسوار القصر الملكي بالصخيرات حيا يرزق، خاصة بعدما تراكمت صور فظيعة في ذاكرته، كان من ورائها الانقلابيون الذين باءت محاولتهم بالفشل .
لقد عانى كثيرا بعد هذه التجربة التي مر بها، ولم تكن تخطر على باله، مما جعل الكوابيس تلازمه،وجعلته لايبرح المنزل.
يتذكر الفنان القدير عبدالواحد التطواني هذه المحطة من حياته، وعنها يقول:
«حقيقة وشهادة للتاريخ، أن ما فعله الانقلابيون شئ لا يمت بصلة للإنسانية ولا للأخلاق العسكرية، ما فعله هؤلاء القتلة يبقى وصمة عار في تاريخ هذه الأمة، ما فعلوه من قتل بطريقة مجانية وإعدامات ميدانية كنت شاهدا عليها، يستحقون عليه أقصى العقوبات، أتفهم معاناتهم في سجن تازمامارت الرهيب، لكنني إلى اليوم لم أفهم، لماذا كان كل هذا القتل المجاني.
لم أعد أذهب إلى العمل، فشريط الذكريات في كل دقيقة أعيده من أوله إلى آخره، صوت الرصاص والقنابل والقتلى والدم لاأزال أعيش بهم، تدهورت صحتي النفسية لم أعد أنام الليل، وأنهض فزِعا،فقدت شهيتي للطعام،اعتزلت كل شئ، طلب مني والدي الذهاب إلى مدينة تطوان لعلني أستريح، فعلا حزمت أمتعتي وذهبت في اتجاه منزل عمتي، لم أستطع التغلب على الحزن الذي صاحبني كل تلك المدة،
وصرت في عذاب نفسي رهيب، صور القتلى لا تفارق مخيلتي، عمتي رحمها الله حينما أنهض مفزوعا تظن أنه أصابني مس من الشيطان الرجيم، فكانت المسكينة تطلب من الفقيه أن يأتي لقراءة القرآن الكريم على رأسي، وحينما يبدأ بالقراءة أبدأ بالبكاء بشكل هيستيري .
كانت أوقاتا صعبة مررت بها، وصار جسمي هزيلا، بعدها نصحني أحد الأصدقاء بالدخول إلى مدينة سبتة السليبة حيث يوجد هناك طبيب نفسي إسباني، فعلا ذهبت إليه، فمدينة سبتة غير بعيدة عن مدينة تطوان، ليكون تشخيصه أنها فقط صدمة نفسية حيث سيصف لي بعض الحبوب لأستطيع النوم بالليل.
بعدها بمدة قصيرة، خابرني والدي رحمه الله، كان يريدني أن أعود إلى مدينة الرباط، فقد أخبره رئيسي أنه على الجوق الملكي الاستعداد لحفلات شعبانة، فعلا عدت إلى مدينة الرباط ولأعيد مرة أخرى شريط الذكريات الأليمة».


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 09/05/2022