الناقد المغربي محمد برادة في ميزان النقد

قراءة في كتاب «الكتابة النقدية عند محمد برادة -المرجعية والخطاب»

 

يُعَدُّ كتاب «الكتابة النقدية عند محمد برادة المرجعية والخطاب»(1)، للباحث والناقد المغربي إدريس الخضراوي، واحداً من أهم الكتب التي تُحاول تفسير اتجاهات النقد الأدبي المعاصر وتبرز أسسها وجذورها وتجاذباتها وشواغلها، وهو ما نلفي بيانه في الكتاب قيد القراءة؛ حيث تناول شخصية محمد برادة المثقف بعين الباحث المتعمق في تحولات النقد المغربي، والذي شَكَّلَ برادة أحد مؤسسيه وأعلامه الكبار.
الكتاب الصادر عن أفريقيا الشرق (2020) يقع في 348 صفحة من الحجم المتوسط، حاول من خلاله الخضراوي تتبع المسار النقدي لبرادة منذ الستينيات إلى وقتنا الراهن، إذْ رصد المرجعيات التي شكلت توجهه النقدي، على اعتبار أنه نهل من شتى النظريات، وانفتح على مختلف الثقافات، مما ساعده على كشف أسرار ومحمولات العديد من النصوص الإبداعية. فأعماله النقدية والإبداعية وترجماته لنصوص كبار المؤلفين، خير دليل على ثراء ثقافته النقدية، وهو ما يغنينا عن التساؤل عن سبب اختيار الخضراوي الناقد محمد برادة دون غيره.

1 – محاور الكتاب:

ينبسط الكتاب في ثلاثة أقسام ومقدمة وتقديم وثبت المصادر والمراجع. وقد تصدر بمقدمة إضافية للناقد المغربي محمد الداهي، توقف فيها بالتفصيل عند ما يتضمنه الكتاب من معرفة نقدية ناجزة في مسعى لفهم مسار وتجربة الناقد محمد برادة، مبرزا بهذا الخصوص المكانة الاعتبارية التي يحظى بها برادة مغربيا وعربيا، ثم تأتي مقدمة الخضراوي المطولة، لتميط اللثام عن حيثيات الدراسة، مستعرضا فيها أهم مساراتها ومنعرجاتها، حيث قام باستعراض أهدافه العامة والخاصة، وبسط منهجية التأليف والتصميم الذي يشمل ثلاثة أقسام، وسبعة فصول. كرس الباحث القسم الأول للحقل الثقافي الذي تبلورت فيه الممارسة النقدية عند برادة، ثم تناول إشكالية النقد، فيما خصص القسم الثاني لمفاهيم برادة حول الأدب والنقد والثقافة، أما القسم الثالث، فقد تمحور حول منظور برادة للنقد الروائي.

2 – عوامل تشكيل الأفق النقدي:

عبر هذه الأقسام الثلاثة تناول الباحث التجربة النقدية لمحمد برادة من خلال محطات أساسية، بيّن من خلالها مكانة محمد برادة الذي يعتبر مثقفا عضويا؛ كرس حياته من أجل إنجاز مشروع قائم على الثقافة والمجتمع، وبدأ في رسم طريقه انطلاقا من ذهابه لمصر، فإقامته هناك جعلته يستوعب جيدا الرهانات الكبرى للأدب العربي الحديث والمعاصر، وانفتاحه على الثقافة الفرنكوفونية وكذا انفتاحه على كتاب وأدباء عالمين أمثال غرامشي، ولوكاتش، وأدورنو وفانون وبارت وغولدمان، مما جعله أكثر استيعابا للمناهج الغربية، ولعل دراسته النقدية لمحمد مندور بيّنت تشبعه بمرجعيات وخلفيات ونظريات غربية، وهذا التشبع جعله يسهم في تجديد النقد العربي وفق منهج صريح، وثقافة نقدية تجمع بين المقاربة الوصفية والتفسيرية،على رأسها البنيوية التكوينية التي تهتم بتحليل النصوص الأدبية تحليلا يجمع بين ما هو نصي وسوسيولوجي.
في هذا الكتاب اهتم الخضراوي ببحث جل الروافد والمرجعيات التي شكلت الشخصية النقدية لمحمد برادة، أهمها «الماركسية والوجودية وسيوسيولوجيا الأدب»(ص251)، هاته المرجعيات جعلته يمثل جسرا للتثاقف العربي والغربي، باعتباره يجسد قيم الثقافة ويعطي للأدب ميزة مختلفة عما كان عليه في السابق، إنه يمثل «الريادة الأدبية»(2)، كما توقف الكاتب عند «المفاهيم والنظريات الأساسية التي يركن إليها الناقد محمد برادة ودورها في بلورة إشكالية المنهج في النقد الأدبي، ويتجسد ذلك من خلال طرحه لجملة من المفاهيم من قبيل: الأدب، النقد، الحداثة، الالتزام، الواقعي.
هاته المفاهيم بمثابة ركائز محمد برادة، ذلك أنه اشتغل بها في كلّ كتبه النقدية وأبحاثه ودراساته المتنوعة. وكشف أيضاً عن اهتمامه بنقد الرواية، وفي هذا السياق درس مفهوم الرواية عند برادة من حيث نشأتها وأصولها ومراحلها وخصوصياتها المحلية، بالإضافة إلى مناقشة مسألة الحقل الثقافي الحائل دون الكونية، وهذا كله لبيان الدور الذي لعبه الناقد والروائي محمد برادة في النهوض بهذا الجنس السردي إبداعا ونقدا.

صفوة القول:

يمثل كتاب الخضراوي أول دراسة شاملة للتجربة النقدية لبرادة، فقد استطاع الغوص في أعماق الكتابة النقدية والإبداعية، وفسّر مجمل العوامل التي أسهمت في تشكيل أفق برادة النقدي، كما عمل على استجلاء المفاهيم والأدوات النقدية التي ميزت تجربته النقدية، معتبرا إياه من النقاد الأوائل الذين انفتحوا على نظريات ودراسات ما بعد الكولونيالية، وعلى مختلف المناهج الحديثة التي بثت الروح في الجامعة المغربية، وأحدثت تغيرات ذات أثر كبير في رسم ملامح النقد الأدبي العربي عموما والمغربي على وجه التحديد.

*باحثة في النقد المعاصر

إحـــــــالات:

-1- إدريس الخضراوي: الكتابة النقدية عند محمد برادة، المرجعية والخطاب، أفريقيا الشرق، ط 1، 2020.
– 2-جماعة من الباحثين، البحث عن الذات بين جيلين، تنسيق محمد الداهي، منشورات دار الأمان، مطبعة دار الأمان، ص:361.
-3- محمد الدغمومي، نقد الرواية والقصة القصيرة بالمغرب مرحلة التأسيس، شركة النشر والتوزيع، الدار البيضاء، ط1/ 2006، ص: 42.


الكاتب : زهور العزوزي

  

بتاريخ : 25/12/2020