الناقد والأكاديمي سعيد يقطين: هويتنا التاريخية مستهدفة وعجزنا لا مبرر له

فشلنا في خلق إبدال ثقافي حقيقي

 

أكد الناقد والأكاديمي سعيد يقطين، في كلمته خلال اللقاء الاحتفائي بتجربته النقدية والبحثية، و الذي نظمته المديرية الجهوية للثقافة بجهة الرباط سلا القنيطرة أول أمس مساء الخميس 16 نونبر الجاري، برواق باب فاس في مدينة سلا، أكد أن الجامعة المغربية فشلت في تكوين علماء أو خبراء، مكتفية بتكوين مثقفين ، لأنها «أنشئت في الأصل لتكوين الأطر وعندما انتهت هذه المهمة لم تنتقل الجامعة المغربية لإنتاج البحث العلمي»، ولم تراوح تصنيفية لا تتجاوز الشيخ والداعية والتقني والليبرالي لتصل إلى إنتاج العالم، مشيرا إلى أننا لا نتوفر على علوم إنسانية واجتماعية داخل الوطن العربي بل على مثقفين يشتغلون في نطاق هذه العلوم، لأننا لم نؤسس بعد علما للأدب، والذي الأمر الذي يمكن تداركه مع ما تتيحه اليوم الثورة الرقمية التي يمكن بواسطتها اختزال هذا المسار بالذهاب مباشرة الى الإنسانيات الرقمية ، وبتملك الباحثين لمشاريع تساهم في تطوير الثقافة والفكر والمجتمع.ولفت يقطين في هذا الباب إلى أهمية تطوير وتشجيع البحث العلمي الجامعة المغربية، إذ لا يمكن تحقيق أي تطور بدون معرفة علمية.
وشدد مؤلف «قال الراوي» على أنه منذ 1985 وهو يواصل دفاعه عن التأسيس للسرديات كعلم لإنتاج علوم للأدب ، مشيرا إلى أن ما ينتجه المغرب من إنتاج أدبي وفني، سواء في نطاق الثقافة العالمة أو الشعبية، هو الرأسمال الحقيقي للإنسان المغربي. وعليه فان ما يتصل به من تراث وفكر بماضيه وحاضره هو ما يمثل شخصيتنا وهويتنا، وأنه كلما تقدمنا في تطوير هذا الإبداع، كلما ازدادت قوة علاقتنا بهويتنا في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. تلك الهوية الثقافية التي اعتبرها يقطين «مستهدفة»، إلا القول باستهدافها لا ينبغي أن يكون مسوغا للتسويق الشعبوي، ومن ثم تبرير العجز عن العمل، بل إن هذا الاستهداف يجب أن دافعا لتطوير المعرفة العلمية وتشجيعها».
اليوم، كما يؤكد مؤلف»الأدب والمؤسسة والسلطة»، توجد هويات ثقافية تاريخية لابد أن نتموقع داخلها حتى لا نظل مهجنين ومشتتين، وذلك عبر توظيف أسئلة الحداثة والتنوير والديمقراطية من طرف المجتمعات مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات مجتمعاتنا، والانتباه إلى كون هذه المفاهيم والأسئلة يجب أن تتأسس على تراث يتشكل من داخل المجتمع. هذا التوظيف وهذه القضايا الكبرى التي هي ملك للإنسانية يجب أن يُتناول بعيدا عن الثنائية الصدامية: شرق/غرب أو ماضي/ حاضر بل وفق مقاربة تنطلق من ضرورة التفاعل مع التراث وفي نفس الوقت الانخراط والتفاعل مع تحولات العصر.
ولفت يقطين في معرض حديثه عن هذه الأسئلة الكبرى إلى أن مشروعه لا يزال مفتوحا على البحث والاستمرار لأن» الجيل الذي أنتمي إليه، أي جيل الاستقلال، وجد نفسه أمام أسئلة كبرى تهم المغرب والوطن العربي والإنسانية جمعاء»، وأنه «عندما أصبح هذا الجيل قادرا على التفكير في واقعه وامتلاك أمل في المستقبل ما بعد السبعينات ، تسيدت الإيديولوجيا وكانت هي الإبدال السائد، مشيرا في هذا الصدد إلى أننا «عشنا، منذ السبعينات إلى الآن، ثلاثة إبدالات، شكلت ما كان يجمعنا كأفراد وجماعات، تطرح الأسئلة وتفكر في واقعها وتبتدع حلولا من أجل المستقبل إلا أنها كانت أسئلة مقيدة بشروط خاصة، وهو ما يستدعي منا تجديد البحث اليوم عن الإبدال الذي يجمعنا بعد أن افتقدنا اليوم هذا الشيء الذي نتوحد حوله، وهو المأزق الذي بدا جليا بعد أحداث غزة وعملية طوفان الأقصى، وهي الأحداث التي لا يمكن فصلها عما حدث في نكبة 1948 ونكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973 أو خلال أحداث الربيع العربي، وهو ما يطرح كيفية التفاعل مع ما يحدث ، لافتا الى أن هزيمة 1967 «أدت الى ظهور وعي جديد لدى المثقفين العرب وظهور رواية جديدة ، كما دفعت بالتفكير في الواقع وتفكيك واقع الأنظمة التي أدت الى هذه الهزيمة». فاتجه البحث حينها، أدبيا، الى المحتوى بوصفه أساسيا قبل أن يتم بعد الهزيمة طرح إبدال ثان يتعلق بالانفتاح على الشكل وهو ما عبرت عنه البنيوية، ليتم الانتقال الى الإبدال الثالث وهو الإبدال الثقافي الذي قطع مع الشكل ومع الشق الجمالي ليبحث في النسق الثقافي الذي لا يمكن البحث فيه، نظريا، دون فهم البنية التي تتأسس، وجوبا، انطلاقا من العلم، ومن سؤال فكري جوهري ظل ملازما للعرب منذ عصر النهضة متمثلا في : لماذا يجب أن نتحرر وكيف نحقق هذا التحرر؟ لماذا انهزمنا في 1967؟ ولماذا هيمنت قوى معينة بعد الربيع العربي، وكلها أسئلة اعتبرها يقطين وليدة المشروع الثقافي الذي انطلق منذ عصر النهضة إلى اليوم.
إن المطروح اليوم أمام ما يقع، يقول يقطين، هو «التفكير في إبدال جديد يمكن أن يجمعنا بعد أن فشلنا، منذ مرحلة البنيوية، في خلق إبدال ثقافي حقيقي، بالنظر إلى أن إبدال النقد الثقافي ظل يبحث في موضوعات مستقاة من ثقافة أخرى خاصة الثقافية الانجلوسكسونية ما جعلنا نتيه في قضايا لا تخدمنا»، داعيا الى ابتداع أسئلة جديدة تتولد من وعينا بالأحداث الكبرى.وقال يقطين بكل ما تحتمله اللغة من قسوة الحقيقة إن «فكرنا انتهى، وحياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية انتهت؛ لأن المجتمع فقد الإبدال الذي يمكن أن يجمعنا».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 18/11/2023