النص والخطاب في كتاب «ديوان عبد الرحمان الأيسي الكدروتي بين الجد والحفيدة» للباحثة أمينة أوشلح

 

1 – البنية النصية للكتاب:

صدر كتاب “ديوان عبد الرحمان الأيسي الكدروتي بين الجد والحفيدة” في شهر أكتوبر من سنة 2021، عن دار المناهل بالرباط، وهو لصاحبته الباحثة أمينة أوشلح. ويتشكل الكتاب من ثلاثمائة وخمسين صفحة من الحجم المتوسط، يتوزعها قسمان كبيران:
– القسم الأول:
وَسَمَتْه المؤلفة بعنوان “عبد الرحمان الأيسي الفقيه الشاعر”. ويتضمن إهداء وشكرا، وتصديرا بقلم عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري، وشهادة هي – أيضا – عبارة عن تقديم للدكتور المرحوم الحسين أفا، إضافة إلى فصلين: الفصل الأول: عبارة عن فرش نظري تمهيدي، أما الفصل الثاني، فتضمن جوانب من سيرة الفقيه الشاعر عبد الرحمان الأيسي.
– القسم الثاني:
وسمته المؤلفة بعنوان “الديوان”. ويتشكل من فصل أول، وهو عبارة عن أضواء كاشفة سلطتها الكاتبة على ديوان جدها الشاعر، ومن فصل ثانٍ هو متن الديوان (قصائد محققة للشاعر)، وفصل ثالث، هو بالضبط فهارس الكتاب:

أ – فهرس القصائد والصور والمراجع
ب – فهرس الوثائق والصور.
ج- فهرس الهوامش.
د- فهرس المصادر والمراجع المعتمدة في تحقيق الكتاب وتقديمه.
هـ – فهرس أسماء الأعلام.
هذه هي البينة النصية للكتاب، وهي كما نرى بنية عمل أكاديمي حريص على الشروط العلمية لبحث يحترم العمل ويقدس العلم ويجله، ويقطع بالتمام مع منطق المتاجرة والبحث العبثي عن الشهرة، وهي الظاهرة التي طفت إلى السطح في يومنا هذا حتى فقد معها غير قليل من الأبحاث توهجه ومصداقيته، وبات أصحاب هذا التوجه يحسبون كل صيحة عليهم.
وقبل أن نغادر توصيف البناء النصي للمؤلف، لابد من الإشارة إلى أن تقديم الدكتور عباس الجراري للكتاب تأكيد على أهمية العمل المنجز في وجديته؛ فنحن نعرف أن الرجل – بارك الله في عمره وعلمه – حريص أشد الحرص على إبراز الأعمال البحثية المتميزة في خدمة الأدب المغربي عموما، وأدب الجنوب خصوصا، وتشجيعها دراسة وبحثا وتأطيرا للأطاريح والرسائل الجامعية، والتقديم لتحقيق المخطوطات وتوجيه عمل المحققين… ويكفي أن نستشهد على هذا الكلام من مقدمة العلامة سيدي عباس الجراري من الكتاب قيد القراءة، حيث يقول: “وإني إذ أهنئ الأستاذة الجليلة السيدة آمنة اوشلح على إعداد ديوان جدها للنشر وإنجاز دراسة عنه، لأتمنى أن تستمر في البحث عن الأدب السوسي الغزير مساهمة منها في الجهود الكبيرة التي بذلها بعض علمائنا الشباب، والتي سدت فراغا كبيرا في هذا المضمار، مما جعلهم بحق يواصلون ما كان قام به علماء السلف الذين اهتموا بإحياء تراث السابقين ونفضوا عنه غبار الإهمال…”.
إن محتوى هاته الشهادة هو ما عبر عنه كذلك الدكتور الحسين أفا في اعتباره البحث “إنجازا عظيما” لكونه “قد كشف النقاب عن شاعر كبير من شعراء سوس، وأماط اللثام على الأهمية الفكرية والأدبية لهذه الجهة من منطقة سوس لتنضاف إلى الأبحاث والدراسات التي أنجزت على منطقة سوس العالمة التي تشكل البناء الشامخ لتراث وثقافة المنطقة بأكملها وتوفير المادة العلمية للدارسين من الأساتذة والطلبة وعموم الباحثين والمثقفين”.

2 – مقتضيات تحقيق الديوان:

لعل الهم الأول الذي وجَّه الباحثة أمينة أوشلح في عملها هو تصنيف ما وصل إلى يديها من موروث ثقافي، وشعري، وفكري، وتواصلي، الذي خلفه جدها الفقيه الشاعر عبد الرحمان الأيسي، إلى ما كان يعتمده في تدريسه بالمدرسة العتيقة من كتب فقهية وأدبية، وما كان يخطه بيده وهو كثير، يضم النتف الشعرية والقصائد والمراسلات والخطب والملخصات وغير ذلك.
وقد تعاملت الباحثة مع المرورث المخطوط، وهو تعامل لم يكن ميسرا بالنظر إلى تشتته بين الأوراق المستقلة، وما كان يخطه على هوامش الكتب أو في الصفحات الأولى منها، وهو أيضا كثير إذ بلغ خمسين مخطوطا. ويتشكل هذا الصنف الأخير من الموروث من شعر، ومن قضايا فقهية وآراء دينية…
وتزداد أهمية العمل الذي قامت به الباحثة إذا علمنا أن بعض هذه الأوراق متآكل، وبعضها الآخر ممزق الأطراف. ولاشك أن تصنيف هذا الموروث الورقي المبعثر هنا وهناك احتاج من الباحثة إلى جهد كبير في القياس والتصنيف والإحصاء، قبل الشروع في التحقيق ثم الدراسة. واعتمدت المؤلفة في تناولها لهذا الإرث الثقافي والأدبي والفكري على ما كُتِبَ عن جدها الشاعر الفقيه، سواء من لدن بعض الأساتذة الباحثين في الأدب السوسي، أو ما كتبه عنه بعض تلامذته وطلبته في المدرسة العتيقة. كما اعتمدت الشهادات التي تلقفتها من أفواه أصدقائه وطلبته ومعارفه ممن تيسر لها لقاؤهم. ولم تكن لتغفل ما تحيل عليه المضامين الشعرية من أحداث ووقائع. وككل عمل تحقيق قامت الباحثة باستخراج القصائد الشعرية، وقارنت بينها، وحددت منها ماهو منسوب له أو لغيره، متخذة أعمال التحقيق في مثل هاته النماذج مرجعا بعد أن أمعنت فيها النظر من حيث المنهج.
ولم تدخر الباحثة جهدا في الإعداد لعمل أرادته بحثا أكاديميا إشهاديا، فعقدت العزم على ذلك، وباشرت اتصالاتها بذوي الاختصاص من كبار الباحثين في التراث العربي السوسي، وجمعت موارد معرفية هامة في الموضوع، وحالت اهتماماتها السياسية والحقوقية ونضالاتها وترافعاتها الوطنية دون الاستجابة لطموح متقد بقدر كبير من الحزم والعزم. ومن مقتضيات التحقيق التي اعتمدتها الباحثة أيضا، علاوة على الجمع والقراءة، تقنية المقارنة بين القصائد في المخطوطات التي قامت بتصنيفها، علما بأن هذه النصوص التي تشكل متن العمل تعتورها تصحيحات وإضافات تتباين في النص الواحد من نسخة إلى أخرى، زد على ذلك أن بعض النسخ تكون ممزقة مما يزيد العمل صعوبة. وواكب عملية التحقيق هذه نبش الباحثة في ما كُتِب عن المنطقة…

3 – محتوى الديوان:

يتضمن الديوان سبعة وخمسين عنوانا للقصائد التي جمعتها الباحثة من مكونات الموروث المخطوط للشاعر عبد الرحمان الأيسي الكدروتي، وهي تتوزع على الأغراض الشعرية التقليدية المعروفة في الشعر العربي القديم، وهذا أمر طَبَعِي؛ لأن الفقيه مشبع بثقافة لغوية وأدبية ودينية على غرار كثير من أدباء وفقهاء وعلماء البادية المغربية في سوس. وهو -أيضا- أمر طبيعي لأن شاعرنا لم يتيسر له الوصول إلى بعض الحواضر التي كانت منارات علمية في عهده مثل فاس ومراكش. فهو قد اكتسب ثقافته اللغوية والفقهية من بيئته الأمازيغية ومن المدارس العتيقة بمنطقته التي أسهمت في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية، لذلك كان من الطبيعي أن تتراوح أشعار عبد الرحمان الأيسي بين المدح، والرثاء، والغزل، والإخوانيات، والوطنيات، والوصف، والمديح النبوي. إن هذه الأغراض المذكورة قد تتداخل عنده في بعض القصائد، وهو -أيضا- أمر بدَهي؛ لأن الشعراء التقليديين دأبوا على نهج الشعر القديم : فأنت تجد قصيدة المدح مثلا تبدأ بمقدمة طللية، تليها أبيات في الغزل قبل أن ينتقل الشاعر إلى موضوعه الرئيسي : المدح، ثم يختم القصيدة بأبيات من الحكمة. إذاً، فمسألة التقيد بالغرض الواحد والوفاء له غير واردة مادام الفقهاء والأدباء السوسيون، عموما، متشبعين بتقليد شعري موروث في بناء القصيدة العربية العمودية القديمة.
ولعل نظم شعر الوطنيات أبرز المواضيع التي تلفت انتباه الدارسين للشعر العربي السوسي الفصيح، وهذا ما لا يشذ عنه نظم الشعر أيضا عند عبد الرحمان الأيسي، حيث تميز شعره في التغني بالوطن بعمق الحس الوطني، والوفرة، مقارنة بغيره من الموضوعات. فقد بلغ عدد الأبيات في الوطنيات ثمانية وثمانين ومائتي بيت تتوزعها سبع قصائد؛ منها قصيدتان أرسلهما إلى السلطان مولاي حفيظ، وثلاث قصائد كتبها إلى المغفور له محمد الخامس الذي كان يدعوه الأمير. وعبر الشاعر في وطنياته عن المعاني والمشاعر الوطنية من إعجاب وحب وإجلال واحترام للوطن وتعلقه به بكل تفاصيله، علاوة على وصفه لأحوال البلاد والعباد اجتماعيا واقتصاديا بسبب ظلم المستعمر وفساده في الأرض، فناشد أولي الأمر تغيير الأوضاع.
واللافت للانتباه أن أغلب هاته الأشعار العربية الفصيحة في الوطنيات، والتي أنشدها أدباء وفقهاء سوس، لم يصل إلى المترجمين والدارسين للأدب المغربي وظواهره وقضاياه ومواضيعه وأغراضه ومناسباته. ولئن ركزنا على الوطنيات، فإنما لأنها موضوع جديد أنذاك، ولم يكن معروفا في النموذج الشعري العربي التقليدي القديم. وإلى جانبه نظم الشاعر في الدين، علما أن هذا الباب يستأثر بحصة الأسد من الشعر السوسي علما أن معظم الأدباء هم – أيضا – فقهاء، بل هم كذلك بالدرجة الأولى، مشتغلون بالفقه والإمامة والتدريس، حالهم التمسك بالدين الإسلامي وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، متغنين بخصاله ومتوسلين شفاعته.
هذا، ونال الفقهاء والعلماء وذوو النفوذ ممن يعوَّل على نفوذهم في الإصلاح، اهتمام الشاعر، فخصهم بقصائد في المدح غير التكسبي. وإلى جانب ذلك كله، حضر في ديوان عبد الرحمان الأيسي شعر الإخوانيات، وشعر المراثي، والغزل والوصف.

4 – الوصف وبناء الصورة الشعرية عند الشاعر:

من المفيد أن نشير، بداية، إلى أن الصورة الشعرية تشكل العمود الفقري للخطاب الشعري، فهي أبرز مكوناته وأقوى مميزاته. فالشعر قائم على التصوير وعلى الخيال منذ أن وُجد إلى اليوم، وسيبقى كذلك. لهذا حظيت الصورة الشعرية باهتمام النقاد قديما وحديثا: ” الشعر قبل كل هذا فن تصويري، يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية، وحسن التعبير. وقد تنبه نقاد العرب إلى هذه الحقيقة عندما ذكروا أن الشعر قائم على التشبيه، يعنون الصورة البيانية”. ومعلوم أن الصورة الشعرية تتعدد مكوناتها؛ فهي تشمل اللغة، والايقاع، والجوانب البلاغية من معانٍ وبيان وبديع… وتتعدى ذلك إلى الأحاسيس والعواطف، وتتنوع وظائفها بين التعبير والايحاء…
ولا يهمنا في هذا المقام توسيع الدراسة حول الصورة الشعرية في ديوان عبد الرحمان الأيسي، فهذا موضوع بحث قائم يتطلب وقتا وجهدا أكبر مما هو متاح لإعداد هذا المقال؛ بل يهمنا فقط تحصيل نظرة عامة غير مفصلة حول بناء التصوير الشعري لدى الرجل من خلال مكون الوصف. ومن الهام – قبل ذلك – أن نشير إلى أن الوصف حاضر في جميع الأغراض بالفعل والاقتضاء: فالشاعر مادحا يصف، وهو في الرثاء كما في الهجاء والغزل واصف… غير أن ما يشفع لاعتبار الوصف غرضا شعريا قائم الذات، هو اكتفاؤه بتناول الموصوف لاغير في كثير من القصائد والأشعار، وهذا ما سنراه في قصيدتيه في وصف القبة، وهو أيضا ما حدا بالمحققة إلى اعتبار الوصف غرضا من الأغراض الشعرية التي تناولها الشاعر في ديوانه. لذلك – ربما- نلاحظ أن النقاد القدماء لم يخصصوا دراسات مستقلة أو أبوابا أو فصولا في مصنفاتهم للحديث عن الوصف باعتباره ظاهرة فنية أو غرضا شعريا، ولم يلتفتوا إليه إلا لماما؛ فهم يدركون أنه يخترق جميع الأغراض الشعرية التقليدية ويحضر فيها… فكيف، إذاً، يشتغل الوصف في شعر عبد الرحمان الأيسي الكدروتي؟
لنتأمل هذا المقطع الشعري من وصف القبة:
هذه القبة مأوى العابريــن مربح الداني لها والباعـدين
وهي بالأحباب أبدت فرحا بسمت راضية بالوافـــــدين
بلسان الــــحال قالت طربا مرحبا بالزائرين القاصـدين
لاشك أننا نلاحظ تعدد وتداخل مكونات الصورة الشعرية في هذا المقطع. فالاستعارة هنا تسبح بالمتلقي في عوالم الخيال، متصورا أن القبة –كما الإنسان- ترقص فرحا وتبسم راضية بالوافدين عليها. وواضح أن الشاعر استعار صفتين من خاصية الإنسان، وهما: الفرح والبسمة، وأضفاهما على القبة مشبها إياها بالإنسان (غير مذكور)، فهي استعارة مكنية حذف فيها المستعار منه (الإنسان) وذكر فيها المستعار له (القبة). ولا تتوقف الاستعارة في المقطع عند هذا الحد، بل نجد الشاعر يجعل القبة ناطقة مرحبة بالزائرين على النحو الآتي:
بلسان الزائرين قالت طربا مرحبا بالزائرين القاصدين
إن الصورة الشعرية ليست أداة يلجأ إليها عبد الرحمان الأيسي لتجميل شعره فحسب، بل هي فوق ذلك أداة تعبير يحمِّلها معاني ودلالات مكثفة؛ فهي تؤدي وظيفة تعبير عن تصور الشاعر للقبة، وانعكاسها في مخيلته وفي إحساسه ووجدانه. ومعنى هذا الكلام أن الشاعر يعتبر القبة فضاء للتلاقي ومأوى للأحباب والزائرين، البعيدين، منهم، والقريبين. وهو إذ يجعل المتلقي يتصورها بهذا البعد الايجابي، فهو يغني الصورة بمحسنات بلاغية بديعية غير متكلفة على غرار الطباق: [الداني / البعيدين]، والجناس: [العابدين / البعيدين] …. ولم يتوجه وصف الشاعر –هنا- إلى الجوانب الهندسية للقبة، ولا إلى مكوناتها، لكنه اهتم بالبعد المعنوي الروحي، وهو ما يبينه الحقل المعجمي الآتي: [علوم، تقوى، أنوار، أجر ثابت، الرتبة العالية، الثواب، مأوى العابدين… ]. هكذا تمكن الشاعر عبد الرحمان الأيسي من خلق لغة واصفة تتماهى مع مكونات الصورة الشعرية وتتكامل معها راسمة شعرية خاصة تغازل تخييل القارئ، وتسبح به وتحرره من أغلال المنطق والمباشرَة والتقريرية، لتخلق للنفس مساحات واسعة من الاستراحة وتخلصها من وطأة التوتر والقلق.
ومما يميز الخطاب الشعري لدى عبد الرحمان الأيسي، لغته الشعرية المتميزة ببعدها الفصيح وعمقها وتجذرها في المتون الشعرية العربية القديمة، مما يؤكد قطعا أنه لم يتعرف بالمدارس الشعرية الجديدة. وقد أشارت الباحثة إلى كثير من الجوانب الشعرية لدى الشاعر، موضحة أنها سمات أسلوبية تتراوح بين المعجم القديم والمعجم السهل البسيط الذي يختاره خصوصا عندما يتناول مواضيع معاناته. وإلى ذلك نضيف ظاهرة أخرى، ربما فات المحققة أن تتنتبه إليها في الديوان، ألا وهي كثافة الأساليب وتنوعها. فأنت تجد –مثلا- في قصيدة “بشرى قبة جلت” توظيف أسلوب التعجب [ أحسن بساكنها – أحسن ببانيها ] ، و “كم” الخبرية [ كم من علوم وأسرار بداخلها ]، وأسلوب الدعاء [ جازاه مولاه بالخير]، والطباق [قاص / دان] ، [شرق/ غرب]… إن الشاعر عبد الرحمان الأيسي يتخذ من التعبير الشعري جسرا يصل بينه وبين المتلقي: فتصويره الشعري نابض بالحياة، ذو مفعول وتأثير، مبتعد عن التعبير التقريري المباشر. كما الوصف عند الشاعر يبتعد كل الابتعاد عن التكلف والتصنع؛ لأن الفكرة والصورة الشعرية تغازلان مخيلة المتلقي في سلاسة وطبع، وهذا مايسهِم في اندماجها مع آمال ومعاناة الذات الشاعرة، فيستشعرها المتلقي تفيض بالحنين، والشوق، والعشق، والخير، والاستكانة، والرجاء…

خاتمة:

كل هاته الجوانب من مقتضيات التحقيق، من جمع، وتصنيف، ومقارنة، وتأمل، ودراسة… تجعلنا أمام مجهود كبير لا شيء يمنعنا من تصنيفه في خانة العمل الأكاديمي، كيف لا وقد توافرت له جوانب احترافية، وحدود ضرورية وكافية من احترام العلم ومن أخلاق البحث العلمي الرصين وعلى رأسها الأمانة واحترام المتلقي ؟ كيف لا والكتاب موجه إلى ذوي الاختصاص ؟ كيف لا وهو عمل مرجعي في موضوعه، كما في التراث الأدبي السوسي في البادية المغربية عموما؟ كيف لا وهو يوفر مادة جاهزة لكل باحث في المنطقة وفي تاريخها وثقافتها وأدبها ؟
إن عمل الأستاذة أمينة اوشلح في تحقيق هذا الموروث الأدبي الهام إسهام علمي جاد في عمل جبار يتصل بخدمة الأدب العربي في البادية المغربية عموما، وفي البوادي السوسية خصوصا، وهو يهيئ أرضية خصبة ومادة للاشتغال بشعر المرحوم الشاعر عبد الرحمان الأيسي الكدروتي من جوانب البناء الفني، والإيقاعي، والصورة الشعرية، والأساليب البلاغية، وغيرها من مقومات القصيدة الشعرية العربية الفصيحة لدى الشعراء الفقهاء في بادية سوس…

(*) – أستاذ التعليم العالي، مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة سوس ماسة، من مؤلفاته كتاب “تجديد النظر في النص التراثي الشعري والنقدي العربي” ، إضافة إلى العديد من المقالات المنشورة في كتب جماعية ومجلات محكمة.
1 – عباس الجراري، مقدمة ديوان عبد الرحمان الأيسي الكدروتي بين الجد والحفيدة (ضمن الكتاب نفسه)، دار المناهل، الرباط، المغرب، 2021، ص: 13.
2 – الحسين أفا، مقدمة ديوان عبد الرحمان الأيسي الكدروتي بين الجد والحفيدة (ضمن الكتاب نفسه)، مصدر مذكور، ص: 19.
3- محمد زغلول سلام: تاريخ النقد الأدبي والبلاغة حتى آخر القرن 4هـ، منشأة المعارف، الإسكندرية، (د.ت)، ص389.


الكاتب : د. عمر بن عمي ( *)

  

بتاريخ : 08/07/2022