«النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي؟» .. لمليكة الزخنيني تحت المجهر الأكاديمي

 

احتضنت قاعة المركب الثقافي الأشجار العالية لقاء ثقافيا وفكريا حول قراءة وتوقيع كتاب «النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي؟» للباحثة الأكاديمية مليكة الزخنيني، ساهمت في تنظيمه مكاتب ابن خلدون ببني ملال بتنسيق مع مركز تكامل للدراسات والأبحاث ودار فالية للطباعة والنشر.
اللقاء حضره، يوم السبت الماضي، أساتذة متخصصون ومثقفون وطلبة. حيث جرت انطلاقته بكلمة ترحيبية للمشرف عن مكاتب ابن خلدون للحضور خصوصا منهم الاساتذة المتدخلين، لتنطلق بعد ذلك أشغال اللقاء من طرف المسيرة أسماء فرح التي ألقت كلمة بإسم مركز تكامل للدراسات والأبحاث رحبت فيها بالجميع.
المتحدثة أكدت أن مركز تكامل يرى أن البحث العلمي والتأليف والإبداع والابتكار هي من أسمى ما تبنى عليه المجتمعات على مخلتف الأصعدة. كما أشارت إلى أن قراءة الكتاب أجلت لمرتين، وأنه بات أكثر ملاءمة اليوم أن تتم قراءته وتوقيعه في ظل التحولات التي تعرفها القضية الفلسطينية ،لاسيما ما يحدث في محكمة لاهاي بهولاندا والصراع القانوني بين الخبراء الدوليين.
من جهته الأستاذ الجامعي إدريس كريني «أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش» ، قال إن المؤلف ينطوي على أهمية علمية كبيرة ،لكونه يقدم إطارا مرجعيا يرصد مختلف المفاهيم كالنظام الدولي والامن ،ويرصد مجمل التحولات التي شهدها العالم منذ بداية التسعينات من القرن الماضي ،بعد نهاية نظام الثنائية القطبية ،وبروز واقع دولي جديد وتسليط الضوء على النظام الدولي الراهن وعلاقته بالأمن الدولي ،ويحاول طرح إجابات واضحة على ضوء الممارسات الدولية ،بصدد تحقق رهان الأمن الذي شهد تطورا كبيرا مع تعقد القضايا الدولية ،وبروز تهديدات من قوى غير دولاتية ومخاطر غير عسكرية بيئية ورقمية ووبائية عابرة للحدود خصوصا من منطلق ان النظام يقاس بمدى قدرته على تقليص هامش الفوضى.
ويرى كريني، أن الباحثة خلصت في كتابها إلى أن نظام الثنائية القطبية الذي برز بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، نجح في تجنيب العالم مخاطر حرب شاملة جديدة ،لاحظت ان عالم ما بعد الحرب الباردة ظل محكوما بظاهرة العولمة التي همشت مفهوم الحدود والخصوصية والمجالات المحجوزة..
وأشار المتحدث أن المؤلف أبرزت فيه كاتبته أن النظام الدولي الراهن أضحى في مواجهة ظواهر أمنية تتجاوز البعد العسكري لا تخلو مقاربتها من تحديات وصعوبات ،في ارتباط ذلك بتطور وانفلات مفهوم الأمن ، وخصخصة الحروب بفعل توجه عدد من أطراف النزاعات المسلحة الى توظيف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لأجل القيام بمهام عادة ما كانت تقوم بها قوات مسلحة نظامية ،ما طرح إشكالات معقدة في ما يتعلق بإنفاذ قواعد القانون الدولي بشكل عام ،ومقتضيات الدولي الإنساني على وجه الخصوص .
وقد خلص الكتاب، حسب المتحدث كريني، إلى طرح مجموعة من النتائج التي يمكن إجمالها في الإقرار بأن العالم لا يبدو في أحسن الأحوال أمنيا مع بروز مخاطر جديدة وقوى نووية صاعدة ،و بروز مجموعة من المقولات منها مقولات سياسية (نهاية التاريخ، صدام الحضارات، الفوضى الخلاقة…). على اعتبار أن منظومة القيم التي كرسها النظام الدولي الراهن تشجع على بروز تقوقعات هوياتية ..
وفي مداخلة لحنان مراد وهي استاذة باحثة في القانون العام والعلوم السياسية بالدار البيضاء أشارت إلى أن المؤلف يندرج ضمن التوجه الفكري للباحثة والكاتبة الذي اعتمدت فيه على التفسير الواقعي والتحليل المنطقي والعقلاني، وذلك من خلال تناولها لمواضيع متعددة ذكرت منها على سبيل المثال لا الحصر: أزمة الدولة الوطنية والأسئلة الراهنة في مسألة بناء الدولة الحديثة ..
تقول المتحدثة: «هذا الكتاب، يعتبر وليد زمنه خاصة، وأنه صدر في مرحلة ما بعد  كوفيد-19 وتداعياتها الأمنية .اضافة الى أن مرحلة إصداره تشهد العديد من الصراعات والنزاعات،والتي تعتبر الحرب على غزة أقسى تمظهراتها. الشيء الذي يجعل الكتاب فرصة سانحة لمناقشة ومعالجة مجموعة من الإشكالات الأمنية التي أصبحت تتطلب إيجاد حلول لها» ..
تضيف المتحدثة أن الكتاب يحتوي على 465 صفحة ابتدأت أولى صفحاته بتقديم من الدكتور محمد تاج الدين الحسيني، تلته مقدمة سلطت الضوء على مختلف التحولات الدولية ، حيث طرحت المؤلفة إشكالية مركزة ومحورية : ما مدى قدرة النظام الدولي الراهن على ضمان الأمن الدولي ؟ فالكتاب  موضوع القراءة والتوقيع يتكون من جزأين رئيسيين ، خصت الكاتبة في جزئه الأول محددات النظام الدولي وخصائصه، والمنظور الليبرالي من خلال دعوته الى الانفتاح..فيما اهتم الجزء الثاني من الكتاب بإشكالات مفهوم الأمن الدولي ونقط التمايز فيما بينها..
أما خاتمة الكتاب فتقول المتدخلة أنها تضمنت مجموعة من الاستنتاجات التي حاولت فيها الكاتبة الإجابة عن الفرضيات المطروحة في المقدمة.
من جهته محمد الزهراوي استاذ العلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة يرى أن العالم الان يعيش مرحلة اللايقين، وانقضاء عهد المسلمات ،وان المحطات التاريخية التي نمر بها ما هي الا إرهاصات لتأسيس نظام عالمي جديد..
المصدر ذاته أكد أن التحديات الأمنية الراهنة يرتكز فيها الصراع على الصراع الطاقي أكثر من الصراع القيمي .ليختم كلمته بتساؤل :أين يتجه النظام الدولي الراهن؟ هل يتجه نحو إعادة تقوية الأحادية القطبية؟ ام يتجه الى تمت تسميته بالتكتلات الكبرى ؟ .
وفي كلمة مقتضبة لعبد الفتاح البلعمشي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش أن هذا الكتاب هو إضافة نوعية للخزانة المغربية ودراسة متميزة، وبحث غني ورصين للباحثين وللمكتبة المغربية .. كما عرج في حديثه المقتضب على أن من يصنع او ينتج القاعدة القانونية هو نفسه المعني بتلك القاعدة ، وعلى ان منطق التوازنات الدولية لابد وأن يخضع لهذه القاعدة القانونية ..» .وعلاقة بالأمن الدولي أكد المتحدث نفسه، أن المغرب قطع أشواطا مهمة في تطوير أدائه في مجال التعاون الأمني اقليميا او دوليا، حيث لم يعد الحديث حوله عن تبادل الخبرات فقط، بل صار الحديث عن الانخراط الإستراتيجي لمراكمة المغرب تجارب وخبرات اكسبته مكانة جيدة داخل المنتظم الدولي.
و بخصوص كلمة مليكة الزخنيني أستاذة العلاقات الدولية بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، ومؤلفة الكتاب النظام الدولي الراهن أي ضمانات للأمن الدولي ؟ فقد استهلتها بتقديم الشكر الجزيل للمشرف على مكاتب ابن خلدون بني ملال ولمركز تكامل للدراسات والأبحاث ولكل الأساتذة والباحثين ولطلبتها بكلية متعددة التخصصات ،والآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، لمن حضر هذا اللقاء العلمي المتميز.
الزخنيني ذكرت في كلمتها أن حبر القلم لكتابة هذا المؤلف انتهى في سنة 2018 ،والذي كان في بذرته الأولى عبارة عن أطروحة الدكتوراة ،حيث شملتها بتنقيحات جذرية لتأخذ شكل كتاب استغرق منها وقتا ليخرج للوجود وذلك بفضل ثلة من الاساتذة الأجلاء بمركز الدراسات والأبحاث.
وخلال حديثها عن السياق التاريخي والزمني لاصدار الكتاب قالت مؤلفته أن مع أزمة كوفيد تمت مجموعة من المراجعات كان أهمها أن نعيد الاعتبار للدولة الوطنية ،حيث طفا على السطح الحديث عن الحدود وعن السيادة ،وكيف تغلق الحدود؟وكيف نتحدث بإسم سيادة بلد؟ كل ذلك أعدنا الى منظومة من المفاهيم المرتبطة أساسا بالدولة وموقعها وعندما نقول الدولة وموقعها فإن النظام الأحادي القطبية كان من أهم معالمه أن حاول أن يمر بنا الى عصر اضمحلال الدولة ..
تتابع المتحدثة كلمتها لنجد أنفسنا أمام حرب أحد أطرافها دولة حائزة على عضوية مجلس الأمن.. وبالعودة الى الحرب والسلاح نعد الى القوة الصلبة، رغما أننا نحاول أن نقنع أنفسنا أن القوة الناعمة والذكية لها ما يكفي من المكانة والأهداف لتعوض القوة الخشنة ،والتي هي الأساس والهدف الذي نسعى من أجله هو الا تعود لغة القوة الصلبة لتكون هي الفيصل لأن مع كل حرب تهديد بفناء البشرية..حيث مع الحرب الحرب الأوكرانية عدنا الى منطق الفيتو منطق الشرعية الدولية ،عدنا بذلك الى العديد من المفاهيم المرتبطة بعصر الحرب الباردة. كنا قد نسينا استعمالها ،وسيتكرس الأمر أكثر مع ما يحدث في الشرق الاوسط بما يعرف اليوم بالحرب على غزة وسنكون أمام احد القوانين التي طبعت التطور البشري هو القانون الدولي الانساني لما نشهده اليوم في الاراضي المحتلة نرى كيف تصلب قواعد القانون الدولي الانساني دون ان نستطيع ان نلزم بفاعلية وجدوى والزامية قواعد القانون الدولي …بناء على هذا السياق الملتبس والمتغير في كل لحظة يبقى السؤال الى أين يسير النظام الدولي ؟سؤالا يطرح في  كل حين …ولتختم الكاتبة كلمتها بأنها اليوم تضع فرضية ثانية وهي  هل نحن في طور العودة الى نظام او إنبثاق نظام ثنائي القطبية بموازة القوى المستفيدة من النظام الحالي والقوى التي تحاول أن ترسم ترسم معالم اخرى واوزنات قوة اخرى .
وفي ختام اللقاء انصبت تفاعلات الحضور في مجملها حول أثر التحولات التي يشهدها النظام الدولي الراهن، على المفاهيم الاساسية للقانون الدولي.


الكاتب : محمد الحنصالي

  

بتاريخ : 01/02/2024