الوالد والابن ودعانا في شهر أبريل.. محمد كرينة، شهيد الشبيبة الاتحادية والقضية الفلسطينية

 

تحل، يومه الأربعاء، الذكرى 45 لاستشهاد محمد كرينة، شهيد الشبيبة الاتحادية والقضية الفلسطينية، في مثل هذا اليوم من سنة 1979، وهي ذكرى مقرونة بيوم الأرض، حين دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والمركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى إنجاح اليوم التضامني مع الشعب الفلسطيني في الذكرى الثالثة ليوم الأرض. إذ يرتبط إحياء هذه الذكرى من كل سنة بيوم 30 مارس الذي جاء على إثر قرار إسرائيل مصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة والمشاعة في مناطق ذات أغلبية سكانية فلسطينية، وإعلان حظر التجوال على قرى فلسطين ابتداء من مساء يوم 29 مارس 1976 .
ستفقد الشبيبة الاتحادية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مناضلا صمودا ومعطاء ومثابرا، مناضلا شابا يحمل آمالا وأحلاما، مثابرا في الدراسة ولا يتهاون في تأدية رسالة النضال، شاب متيقظ ومتقد، سابق لعصره في ذكائه وتفكيره ومسؤول في أسرته وحزبه، مرتبط بهموم الشعب المغربي.
ازداد محمد كرينة بالحي الشعبي «اغزديس» في الطريق الرابط بين ميناء أكادير وحي أنزا، وولج الكتاب القرآني في السن الرابعة، تفوق في جميع مراحل دراسته، تابع دراسته الابتدائية بمدرسة المختار السوسي بأنزا ثم التحق بثانوية العهد بأكادير، حيث عرف واشتهر بتفوقه الدراسي وحسن سيرته وكان قدوة للتلاميذ، واظب على الاشتغال بمعمل تعليب سمك السردين لتأمين حاجيات الدراسة (لوازم وتكاليف التنقل) من جهة وإعالة أسرته الفقيرة ، إذ هو بكر العائلة لـ 6 إخوة : ثلاث أخوات ومثلهم من الذكور، كما اشتغل حمالا بميناء أكادير ومعامل الإسمنت متحملا قسطا من المسؤولية. ورغم ذلك اضطر إلى النزول بدار الأطفال الخيرية بأكادير، بعد تفوقه في المواد العلمية نهاية السنة الدراسية 1976- 1977، أضحى مؤهلا بجدارة واقتدار لولوج مدرسة المهندسين السنة السادسة تقني مقيم بداخلية الخوارزمي بالدار البيضاء، لينال ثقة زملائه التلاميذ الداخليين ويصبح المتحدث باسمهم، حيث تابع تفوقه الدراسي لينال درجة التشجيع مع تنويه خاص بنتائج الدورة الأولى من السنة الدراسية 1978 – 1979.
انخرط في الشبيبة الاتحادية كمدرسة للنضال الديمقراطي والفكري تشق درب المستقبل تجسيدا لشعار مجلسها الوطني التأسيسي: “الإرهاب لا يرهبنا والقتل لا يفنينا وقافلة التحرير تشق طريقها باستمرار”. شاب يافع متواضع، مشهود له بالاستقامة، عضو نشيط في الشبيبة الاتحادية يسعى إلى بناء مستقبل سياسي جديد يرقى إلى تطلعات الشباب المغربي والجماهير المنخرطة في نضالات حزب القوات الشعبية، تعرض لاعتداء إجرامي بتاريخ 29 ماي 1977 بقرية تكوين ليؤدي أول ضريبة للنضال، لكنه لم يتوقف، واصل النضال في مسيرته الطويلة، وازداد عزيمة فسبر أغوار القوات الشعبية عن كثب وبالمباشر، ليتناول الكلمة باسم الشبيبة الاتحادية في التجمع العام المنعقد بالمقر الإقليمي للحزب بأكادير بمناسبة يوم الأرض 30 مارس 1979، غير أن أصحاب الحال لم يهدأ لهم بال، فخططوا للاختطاف والاعتقال، هاجموا ثانوية الخوارزمي بالدار البيضاء لينفذوا الاختطاف منتهكين حرمة المؤسسة (إنها امتداد لسنوات الرصاص والجمر) وذلك بتاريخ 17 أبريل 1979 ليؤدي الضريبة الإضافية للنضال مرة أخرى لإيمانه ككل شباب اليسار المغربي بعدالة القضية وعاشق للحرية ومؤمن بالديمقراطية.. ليمارس هؤلاء ساديتهم ووحشيتهم على جسد نحيف، فتعرض لأبشع طرق التعذيب. ولم تسلم عائلته الصغيرة من همجية المعاملة حيث تعرضت للمضايقات فتم اختطاف فاطمة كرينة (16 سنة ) من داخل ثانوية أنزا الجديدة بأكادير، يوم 5 أبريل 1979، وتعرضت للتعذيب الوحشي بالكهرباء والجلد لانتزاع تصريحات حول نشاط أخيها ومهامه في الشبيبة الاتحادية وعنوان مقر سكناه بالدار البيضاء، كما تم اعتقال واستنطاق والديه أكثر من مرة. أوصل التعذيب التلميذ النجيب، المناضل الكبير محمد كرينة، إلى حد العجز عن النطق والحركة بأحد مخافر الشرطة بأكادير.
عرض محمد كرينة أمام المحكمة، يوم الاثنين 23 أبريل 1979، جيء به محمولا على أكتاف بعض رفاقه، ورغم معاينة وكيل الملك لآثار الانتهاك والتعذيب وعجز المعتقل والوضع الصحي المتدهور لم يشفع له ذلك، فتمت إحالته على السجن وبعد أن ساءت حالته الصحية أكثر اضطر مدير السجن، بعد إذن وكيل الملك، إلى إحالة محمد كرينة على المستشفى، وذلك يوم الثلاثاء 24 أبريل 1979 بعد فوات الأوان، ومساء ذلك اليوم عند الساعة التاسعة وخمس دقائق سيلفظ أنفاسه.
شيع جثمان الشهيد محمد كرينة، يوم السبت 28 أبريل 1979، انطلاقا من مستشفى الحسن الثاني بأكادير، حيث أقيمت صلاة الغائب بمسجد لبنان في الساعة الواحدة زوالا بحضور الكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد والإخوة أعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية عبد الهادي خيرات، الكاتب العام، ومحمد الساسي وطارق القباج، لتقديم التعازي والمشاركة في تشييع جنازة الشهيد، وسط حشد هائل من الجماهير الشعبية والتنظيمات الحزبية والشبيبة وثلة من أصدقائه بالثانوية من الدار البيضاء، والنعش ملفوف بالعلمين الفلسطيني والمغربي ودفن الشهيد بمقبرة احشاش أقديم بأكادير.
وفي كلمة التأبين التي ألقاها الكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد قال عن الشهيد :» كنت موضع إعجاب من طرف إخوانك وزملائك وأساتذتك الذين يشهدون بأخلاقك الكريمة وسلوكك المستقيم . كنت أمثولة في الجد والنشاط والوطنية والدفاع عن الطبقات المضطهدة . هذا هو ذنبك، أما ما أريد إلصاقه بك من تهم ملفقة يريدون إلصاقها بمنظمتك». وأضاف: « إن الدرس الذي يجب أن نتعلمه من هذا الشاب البطل هو الصمود والثبات والتحلي بروح المسؤولية».
أما الشبيبة الاتحادية فقالت في مقتطف من الكلمة: « والآن تشعر الشبيبة الاتحادية أنها تفقدك لأن جميع الحركات الشريفة أصبحت تتبناك كما تبنيت القضية الفلسطينية حتى الاستشهاد بالرغم من قمع الجلاد، هذا الجلاد الذي يقف اليوم متهما مرتبكا، والذي لم يكن يعرف أن كرينة محمد الكادح سيحاكمه اليوم، وغدا، ليس داخل زنزانة مظلمة، ولكن في كل مكان». كما تضيف الكلمة :» والآن تشعر أمك أنها لن تفقدك لوحدها لأنك صرت ابنا لجميع الأمهات الكادحات».
وفي الكلمة الختامية للجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في 6 ماي 1979 أكد :» لقد كانا صامتين (والدي الشهيد) ذلك الصمت الموحي بدرس عميق ذي أبعاد يترجم مشاركتهما لنا في المعركة ، حيث قالا بأن ولدهما لم يضع لأن له أشقاء … ملايين من الأشقاء من المستعدين ليحذوا حذوه ويكونوا على مثاله».
وودعنا في هذا الشهر، والد الشهيد محمد كرينة، المناضل المحفوظ كرينة، يوم الخميس 11 أبريل، وقد ووري الثرى بعد صلاة الظهر بمسجد عمر بن الخطاب حي المسيرة، بمقبرة تليلا بأكادير يوم الجمعة 12 أبريل 2024.
والقدر يجمع الابن والأب في هذا الشهر من شهر أبريل، حيث توفي الأب المحفوظ كرينة في 11 أبريل واستشهاد محمد كرينة في 24 أبريل.
رحم الله الشهيد محمد كرينة .


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 24/04/2024