الوجه كتيمة فنية في أعمال التشكيليين المغاربة

 

إن الوجه الإنساني بكل تجلياته، كان دائما ولا يزال موضوعا مثيرا وملهما للاشتغال من طرف مجموعة كبيرة من الفنانين عبر حقب متعددة ومتتالية، منذ عصر النهضة الإيطالي ،مرورا بعدة اتجاهات ومدارس ومذاهب فنية متنوعة، كالإنطباعية والتكعيبية والوحشية والمستقبلية والتعبيرية والسوريالية، مرورا بفنون الحداثة، وصولا إلى الفنون المعاصرة .
ولقد كان الوجه الإنساني يثير ملكة الإبداع عند الفنانين التشكيليين على مر العصور، انطلاقا من فن البورتريه أو الصورة الشخصية الذاتية ،وصولا إلى ما ذكرناه سابقا.
ففي عصر الانطباعية والانطباعية الجديدة/التنقيطية/ برزت مجموعة من الفنانين الذين عالجو موضوع الوجه، كل بطريقته الخاصة، من بينهم بول غوغان وفان كوخ وتولوز لوتريك وغيرهم، لتبرز بعدها أسماء أخرى اشتغلت على الوجه من منظور المدرسة أو الاتجاه الذي كانوا ينتمون إليها وإليه، كبابلو بيكاسو في بعض أعماله التكعيبية والسوريالية،والنمساويين شيلي وأوسكار اوكوشكا واللائحة طويلة .
أما في ما يخص الفنانين المغاربة، فمجموعة منهم عملت على هذا ،في فترة ما في مسارهم ، كالفنانة الشعيبية طلال والقاسمي رحمهما الله.
و لكن ما يهمنا الآن في هذه الدراسة، هي تجارب لأربعة فنانين متميزين في ساحة الفنون التشكيلية والبصرية بالمغرب،وهذه التجارب الأربع تعتبر إضافة وازنة داخل بوتقة الإبداع المغربي المتفرد.
أولا سوف نسوق تجربة فنية فذة، وذات إضافة نوعية لمسار وصيرورة الفن التشكيلي البصري المغربي و لما لا العالمي ، فمن المحلية تكون الإنطلاقة الفعلية نحو العالمية . هذه التجربة هي تجربة الفنان المغربي ابن مدينة تطوان ، يوسف الحداد خريج المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بنفس المدينة التي ازداد بها.
إن شغف الاشتغال حول تيمة الوجه، أوصل يوسف الحداد ،بدون قيد أو شرط نحو عوالم متوازية، كلها تصب في قالب قراءة الوجه من منظور خاص ، انطلاقا من فراسة الملامح والتدقيق في العين الإنسانية التي هي المدخل الوحيد الحقيقي لكل فرد وكيان على حدة. فقدم لنا الحداد بذلك كمتلقين، أعمالا فنية تجعلنا نعرف الحقيقة الفعلية الجلية والمعبرة للملامح،بكل صدق وبدون روتوشات و مكياجات.
بعدها نمر الى تجربة أخرى لواحد من عمالقة التشكيل المغربي، وحامل مشعل ونبراس الفن في عدة محافل ومعارض وبيينالات عالمية،ألا و هو الفنان سعيد المساري المزداد بتطوان والذي يعيش بالديار الإسبانية منذ مدة طويلة.
إن ملامسة الوجه في أعمال الفنان سعيد المساري، تأتي قطعا من الأحاسيس التي يحس بها، عندما يكون منكبا على العمل بورشته، فيحيلنا إلى معنى الوحدة والخلوة التي يعيشها المبدع مضحيا بوقته من أجل تقديم فن واع بالظروف الراهنة . فهذه اللحظات جعلت الفنان يبصر ويرى ما لا نراه نحن كمتلقين ،فأيقظ فينا الحواس والعقل وروح التساؤل والفضول، فأصبحنا نفكر ونتوق إلى ذلك الزمن الجميل ،الذي كنا فيه سعداء واجتماعيين فعلا، قبل ظهور الأنترنت وقنوات التواصل الرقمي الافتراضي .
هاتان التجربتان تجراننا لتجربة أخرى لواحد من أعمدة الفن المغربي أستاذ الأجيال الفنان عبد الكريم الأزهر .
إن طريقة تقديم مفهوم وفكرة معالجة موضوع الوجوه في أعمال الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر، تجعلنا نرى ما لا نريد رؤيته متجليا على صفحة المرآة بوضوح، ولكننا نحاول الهروب والانفلات من ظل ملامحنا، فلا نجد أي طريق أو ملاذ لنستسلم ونسلم في الأخير أمام لوحات الفنان عبد الكريم الأزهر ، ونقر بقدرته على فضح المستور من وراء ملامحنا ومحيانا الذي نستره بأقنعة شتى.
و في الأخير سنقوم بقراءة لأعمال الفنان المتمكن من أدواته التعبيرية إسماعيل التيرسي ابن العاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء .
إننا نرى في منجزه الفني ونستشف ونستنتج الكثير من المعاني الدفينة من وراء الوجه. كل وجه على حدة، ولكن هناك تشابهات كثيرة ومتنوعة للوجوه التي اشتغل عليها على فترات وحقب، في مشواره الفني الغني بالعطاء، فهذه الملامح تبدو لنا منومة مغناطسيا من جراء الكم الهائل من المعلومات الزائفة والفايك نيوز والإشهارات والبروباكاندا الخادعة والمخادعة التي جعلت منا بلداء، منساقين كالبهائم وراء التفاهات وعلامات البلاهة تبدو جلية واضحة على تقاسيم ملامحنا……

(*)فنان تشكيلي باحث


الكاتب : هشام الموتغي *

  

بتاريخ : 07/01/2022