امرأة في مواجهة الموت 20 : القضاء يهتم بعمل فيساليوس وكتاب فابريكا يعتبر مرجعا في التشريح

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها. من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

تؤكد الدكتورة ربيعة ابو المعز اثناء شرحها لمسيرة تطور التشريح الطبي ان القضاء كان له فضل كبير في تطويره ففي عام 1539، أظهر أحد القضاة اهتمامه بعمل فيساليوس، وأتاح له جثث المجرمين الذين جرى إعدامهم لتشريحها. وبذلك؛ أصبح فيساليوس قادرًا على إجراء تشريح متكرر ومقارن للبشر. الأمر الذي لم يتوفر لجالينوس، الذي كان بمثابة السلطة المعيارية في علم التشريح حينها، واقتصر عمله على الحيوانات، خاصة القرود، والكلاب، والخنازير.
أدرك فيساليوس اختلاف ملاحظات جالينوس وملاحظاته الخاصة، وأن البشر لا يتشاركون التشريح نفسه مع القردة. وفي عام 1540، كسر فيساليوس التقليد المتمثل في الاعتماد على جالينوس، وأظهر علانية طريقته الخاصة في إجراء التشريح بنفسه، وتعلمه من الجثث، وتقييم النصوص القديمة تقييمًا نقديًّا. وأكد أن تشريح جالينوس كان تطبيقًا لاستنتاجاته المستمدة من تشريح الحيوانات على الجسم البشري.
في تلك الأثناء، كان فيساليوس يعمل على إعداد كتابه المدرسي الشامل عن علم التشريح البشري للنشر. وفي أوائل عام 1542، سافر إلى البندقية للإشراف على إعداد الرسومات لتوضيح نصوصه، في استوديو فنان عصر النهضة العظيم تيتيان على الأرجح.
نُقشت الرسومات التشريحية الخاصة بالكتاب على كتل خشبية، وأخذها فيساليوس مع مخطوطة كتابه إلى بازل بسويسرا، حيث طُبع عمله الرئيسي «الكتب السبعة حول بنية جسم الإنسان»، المعروف باسم «فابريكا» في عام 1543.
أثار «فابريكا» ولا يزال يثير إعجاب القراء برسومه الخشبية التشريحية المذهلة، وحجمه الهائل، وما يحتويه من ملاحظات مفصلة عن تشريح جسم الإنسان، فضلًا عن أناقة طباعته وتنظيمه. وقدَّم وصفًا أكثر شمولًا ودقة لجسم الإنسان من أي وصف سابق، وأعطى التشريح لغة جديدة، وساهم في نمو الأدب التشريحي الأوروبي.
وأصبح الكتاب عملًا تأسيسيًّا للطب الحديث بسبب اهتمامه الدقيق بأدق تفاصيل تشريح الإنسان، وتركيزه على الملاحظة التجريبية من خلال التشريح المتكرر، واستخدامه المكثف للصور، وتحويله علم التشريح إلى موضوع يعتمد على ملاحظات مأخوذة مباشرةً من تشريح الإنسان.
وبالنسبة لفيساليوس، فقد منحته مكانته عالمًا ومحاضرًا بارزًا القدرة على التأثير في عديد من شباب أطباء عصره. واستطاع وهو في عمر 28 عامًا فقط أن يتحدى عقائد الكنيسة الكاثوليكية، والعالم الأكاديمي، وأطباء عصره، عبر تحديد الأخطاء التشريحية الموجودة في كتابات جالينوس.
لاحقًا، ترك فيساليوس البحث التشريحي ليتولى الممارسة الطبية. وسافر إلى مدينة ماينتس (حاليًا في ألمانيا) لتقديم كتابه إلى الإمبراطور الروماني المقدس تشارلز الخامس، الذي عينه طبيبًا منتظمًا في خدمة البلاط الإمبراطوري. وفي عام 1555 تولى الخدمة مع ابن تشارلز، فيليب الثاني ملك إسبانيا.
ويمكن القول إنه وبفضل فيساليوس، أصبح علم التشريح تخصصًا علميًّا، له آثار بعيدة المدى ليس فقط في علم وظائف الأعضاء، ولكن في كل علوم الأحياء. ويُعتقد أن مساهماته تعد علامة بارزة في الطب الحديث، تجعل منه أب علم التشريح الحديث، وتذكرنا بأن العلم هو عملية تحديث دائمة يجب أن تولي أهمية دائمة للأدلة العلمية فوق التوريث.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 25/04/2022