امرأة في مواجهة الموت -30- بعيدا عن الموت ابو المعز تناضل من أجل طب شرعي مغربي طموح

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها. من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

لم أكن أدري أن الدكتورة ابو المعز تحمل شيئا من الفكر التقدمي وشيئا من العمل النقابي وهي تبسط نضالها وزملائها سواء من خلال الإطار الجمعوي الذي يجمع أطباء التشريح الطبي أو من غيره من الاطارات الأخرى حيث ساهمت بشكل أو بآخر في صياغة العديد من الأوراق والمطالب للرقي بالطب الشرعي إلى علم متقدم ببصمة مغربية ، حيث تؤكد ابو المعز أن هناك أزمة حقيقية يعيشها الطب الشرعي بالمغرب ، ذلك أنه رغم إدراجهضمن لائحة شعب التخصص في الطب منذ 1994 بمقتضى مرسوم يتعلق بتحديد نظام الدراسة والامتحانات لنيل دبلوم التخصص فإن عدد المرشحين لولوج هذه الشعبة يظل ضئيلا في الطب الشرعي ولا يمكن تفسير ذلك إلا بغياب المحفزات بل انعدامها وكذلك الظروف المزرية والصعبة التي يمارس فيها الأطباء الشرعيين مهامهم٠
كما أن العدد الضئيل والغير الكافي للأساتذة في هذا التخصص يحد من التكوين في هذا المجال ، إضافة إلى غياب تدريس هذه المادة للمحامين يشكل ايضا عائقا أمام الأدلاء برأيهم ، فيما يعيش الطب الشرعي حسب الدكتورة ربيعة مشاكل جمة على مستوى التشريع ذلك أنه في غياب نظام أساسي خاص ، ينظم هيئة الاطباء الشرعيين حيث تبقى تبعيتهم مشتركة مابين الداخلية والصحة و التعليم العالي وبالتالي يصعب مع تعدد الجهات وضع نظام أساسي خاص بهذه الفئة .كما تؤكد ابو المعز على غياب نصوص قانونية خاصة بتنظيم مهام الطب الشرعي وبالتالي تبقى مركزة على مفهوم الخبرة بصفة عامة كما تركز على أن الحصول على صفة خبير تبقى حكرا على الأطباء العامين المنتمين للقطاع الخاص بحكم تنازع المدخول المالي بالنسبة للقطاع العمومي مما يحول دون تقييد الأطباء الجامعيين والشرعيين في جدول الخبراء القضائيين وبالتالي حرمان العدالة من كفاءات مؤهلة في مجال الخبرة ويفرغ صفة خبير من محتواها وهو ما ينطبق ايضا على تغليب الأقدمية على الكفاءة بالنسبة للحصول على صفة خبير. لم تتوقف ابو المعز عند هذه النقط بل تطرقت إلى أن الطب الشرعي يعرف العديد من المشاكل التي تعيق تقدمه من بينها غياب الهيكل القاعدي الذي يأوي مصالح الطب الشرعي كما أن هذه الأخيرة غير ملائمة تماما للقواعد الدنيا المتعارف عليها ، إضافة إلى غياب المختبرات المرتبطة بالعمل الشرعي واللازمة لإجراء بعض التحاليل مما يؤخر المهام الانتدابية .إضافة إلى ضعف بل غياب الموارد البشرية وعدم تخصيص موارد مالية للطب الشرعي بالمستشفيات وانتقلت إلى الحديث عن مشاكل أخرى تتعلق بمهام الطب الشرعي حيث يجريها أحيانا أطباء غير متخصصين إذ يكفي حملهم صفة خبير كما أن التقارير محررة من طرف أطباء بدون كفاءة طبية شرعية تحرر غالبا في صفحة واحدة وبخاتمة موحدة وكأنما الحالات المعروضة متشابهة إضافة إلى الاستغناء عن دور الطبيب الشرعي في مسرح الجريمة بحيث أن رفع الجثة بما يستلزم من دقة تشكل 50 % من التوصل للأسباب الحقيقة للوفاة تؤكد ابو المعز علما ان معظم أقاليم المملكة لا تتوفر على مصالح للطب الشرعي حيث يتم اللجوء إلى معاهد الطب الشرعي المتواجد بالمستشفيات الجامعية وتقترح ابو المعز بعض من الحلول التي تتقاسمها مع رفاقها في المهنة والتخصص وذلك أنه رغم الاهتمام بالطب الشرعي في الآونة الأخيرة فإنه مازال في حاجة إلى تدارك النقص الحاصل في عدد الأساتذة المدرسين للطب الشرعي وتحفيز طلبة كلية الطب إلى التوجه نحو هذا التخصص والتعجيل بالتصديق والتنفيذ لبعض المراسيم المتعلقة بتنظيم المهام وإخراج الطب الشرعي من نطاق الخبرة بصفة عامة وتحيين وتنظيم المصاريف القضائية في الميدان الجنائي مع الرفع من قيمة التعويضات واعتبرت أن استقلالية الطب الشرعي من شأنه أن يدعم القضاء في تجويد الأحكام، وأمام اختلاف الآراء حول الجهة التي يمكن أن يتبعها الطبيب الشرعي هل هي وزارة الصحة التي تعبر الطبيب الشرعي عبئا عليها فهو يقدم الخدمات إلى وزارة العدل هذه الأخيرة لاتقدم أية اقتراحات لتطوير مهنة الطب الشرعي بل تترك هذه المهمة لوزارة الصحة ، إلا أن الأطباء الشرعيين يبحثون عن مخرج لاستقلالهم عن كافة الجهات حتى لا يعتبر الطبيب الشرعي مجرد موظف لدى جهة ما وبالتالي فإن استقلالية الطبيب الشرعي تضمن استقلالية التقارير الطبية الشرعية ٠
وتطالب ابو المعز في ختام هذه الحلقات إلى توجيه الاهتمام إلى الطب الشرعي وتزويد مصالحه بمايلزم من موارد مالية وبشرية مع إنشاء مراكز جهوية للبحث العلمي في مجال الطب الشرعي وإجراء أبحاث ميدانية لمعرفة بؤر الخلل مع إقامة مؤتمرات دولية والمشاركة فيها وندوات علمية للاطلاع على آخر ما يحبل به الطب الشرعي وتشجيع البحث العلمي بإصدار مجلة مغربية متنوعة اللغات والأبحاث مع ترجمة كتب التشريح والطب الشرعي إلى اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.
انتهى


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 09/05/2022