بتهمة التحريض على التمييز وكراهية المسلمين ميشال ويلبيك أمام القضاء

رفعت، خلال الأسبوع الماضي، دعوى قضائية ضد الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك بتهمة «التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف»، حسب اتحاد مساجد فرنسا الذي يترأسه محمد موسوي، وهو من أصول مغربية.
ورفعت الدعوى ضد الكاتب المعروف بالعنصرية ومعاداة الإسلام والمسلمين، وأيضا ضد مدير مجلة «فرون بوبيلير» (الجبهة الشعبية) ستيفان سيمون وضد مؤسس المجلة الفيلسوف ميشال أونفراي، وترافع في هذا الملف لصالح اتحاد مساجد فرنسا المحامية نجوى الحايت بمحكمة نانتير.
التصريحات المعادية للإسلام وللمسلمين التي صدرت عن الكاتب، كانت سبب هذه الشكوى، وهي تصريحات مباشرة تعبر عن رأي يحرض ضد المسلمين بفرنسا وضد ديانتهم، وذلك في تقليد دأب عليه ميشيل ويلبيك في رواياته التي يستعمل فيها الإسلام والمسلمين بشكل جد سلبي، ولقيت أعماله تجاوبا ونجاحا كبيرين لدى الرأي العام الفرنسي والأوروبي في أجواء عمليات التفجيرات التي شهدتها أوروبا في السنوات الماضية،
غير أن التصريحات الأخيرة لم تكن رواية ولا عملا إبداعيا بل عنصرية مباشرة عبر فيها ويلبيك عن كل كراهيته وخوفه من وجود مواطنين فرنسيين من أصول مسلمة بفرنسا، ويشكل هذا الموضوع: الإسلام والمسلمين، الأصل التجاري المفضل والناجح الذي مكن هذا الكاتب من التحول من كاتب نكرة وغير معروف في السوق الأدبي بفرنسا إلى كاتب ناجح وجريء.
في تصريحه، وكعادته، خلط ميشال ويلبيك، وبشكل مقصود، بين الإسلام والإسلاموية، وبين كل المسلمين وبين المنظمات الإرهابية، وذلك عن قصد، في مقابلة مطولة مع أونفراي ونشرت في مجلة «فرون بوبيلير».
وفي ذات المقابلة قال هذا الكاتب المحرض على التمييز ومعاداة الإسلام إن هؤلاء المسلمين يهددون أمن الفرنسيين غير المسلمين.
وصرح ميشال ويلبيك في نفس المقابلة وباسم كل الفرنسيين، ولا أحد يعرف من أعطاه هذا الحق، أن رغبة « الفرنسيين الأصليين، كما يقال، ليست في أن يندمج المسلمون، بل أن يتوقفوا عن سرقتهم ومهاجمتهم. وإلا فهناك حل آخر، أن يغادروا».
هذا النوع من التصريحات، لم يعد يدلي به حتى قادة اليمين المتطرف الفرنسي الكلاسيكي مثل التجمع الوطني وزعيمته مارين لوبين، باستثناء السياسي من أصول جزائرية، ايريك زمور الذي اختار مسارا أكثر ردايكالية من لوبين.
وأضاف ميشيل ويلبيك، في نوع من التحريض والدعوة إلى العنف ضد مسلمي فرنسا من خلال القول إنه يتوقع وقوع «باتاكلان معاكس» في حق مسلمين، في إشارة إلى الهجمات الجهادية في 13 نونبر 2015، وهي الأسوأ في تاريخ فرنسا، وكانت قد خلفت 130 قتيلا وأكثر من 350 جريحا واستهدفت خصوصا مسرح «باتاكلان» في باريس.
لا أحد يعرف سر هذه التوقعات من كاتب معروف بكراهيته للمسلمين، فهذا التوقع هو ربما دعوة منه بشكل غير مباشر إلى الانتقام من المسلمين وطلبه من المتطرفين أن يقوموا بانتقام ضدهم، والقيام بعملية إرهابية مثل التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء بباريس.
لا أحد ينسى أن مرتكب مذبحة مجزرة «كرايتس تشيرتش» ضد مسجد بنيوزيلاندا، السفاح الأسترالي برينتون تارانت لم يتردد في الكتابة عن تأثره بنظرية الاستبدال الكبير للفرنسي رونو كامي دون أن يحدث للكاتب أي شيء، ولو مجرد استدعاء بسيط من طرف القضاء رغم أن عدد الضحايا المسلمين تجاوز 49 ضحية، بل إنه بعد مجزرة «كرايتس تشيرتش» ضد المسلمين صرح منظر العنصرية بفرنسا رونو كامي أن من قام بهذا العمل هو مختل ولا علاقة له بأفكاره، رغم أن منفذ العملية ترك رسالة يتحدث فيها عن نظرية الاستبدال وتأثره بها.
وأمام هذه الفضيحة، والدعوة غير المباشرة إلى الإرهاب ضد المسلمين بفرنسا، أقر ميشيل ويلبيك أن بعض الفقرات في المقابلة تتسم بـ «الغموض»، وهو غموض مكشوف، لأن الكاتب كان يقول، في السابق، نفس الكلام، لكن من خلال شخصيات روائية، وهو ما كان يوفر له حماية قانونية، باسم الإبداع. لكن هذه المرة، كل تصريحاته التحريضية على الكراهية وحتى على الانتقام لم يقلها على لسان شخصيات في روايته بل في مقابلة صحفية، عبر فيها بشكل مباشر عن كل الحقد والكراهية ضد المسلمين وتعمد الخلط بين الأغلبية المسلمة والعناصر التي قامت بأعمال إرهابية.
أمام هذه الورطة، وهذه التصريحات العنصرية التي تدعو إلى الكراهية بشكل صريح ومباشر تحدث عن نسخة معدلة جديدة من تصريحاته الأولية التي ينتظر أن تنشر في كتاب.
هذه التعديلات الطفيفة اعتبرها مسجد باريس، وهو مؤسسة تمولها الجزائر، كافية لعدم تقديم الشكوى التي تحدث عنها سابقا، ضد ميشيل ويلبيك، واعتبر أن التعديلات التي وعد بها الكاتب هي كافية لإزالة صبغة التحريض والكراهية عن تصريحاته، وهو الأمر الذي لا يتفق معه اتحاد مساجد فرنسا، وحسب رئيسه محمد موسوي فإن «مسلمي فرنسا لا يفهمون أن ويلبيك يدرك من ناحية أن الفقرات المعنية غامضة ومن ناحية أخرى لا يتخذ أي إجراء لوقف نشرها».
وأضاف محمد موسوي أن «اقتراحه باستبدالها في شكل كتاب مقبل لا يضع حدا لنشرها ولا يحمي المسلمين من تداعياتها»، بمعنى أن التعديلات التي وعد بها الكاتب هي فقط لتجنب المثول أمام القضاء، في حين أن النص الأصلي الذي صدر بمجلة فرون بوبيلير تم نشره وإذاعته، وهو الذي يتضمن التحريض على الكراهية ضد المسلمين بفرنسا.
من جانبه عبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي أجرى يوم الأحد 8 يناير، جلسة عامة، والذي يتولى موسوي رئاسته المشتركة المؤقتة، عن عزمه رفع شكوى ضد ميشال ويلبيك.
تصريحات هذا الكاتب التي تحرض على الكراهية والعنف ضد المسلمين بفرنسا تعكس تجذر خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، ليس فقط في الأوساط الشعبية كما كان في السابق، وفي أوساط اليمين المتطرف، بل إن عددا من الكتاب والمثقفين امتطوا أيضا هذه الموجة، التي أصبحت مربحة جدا على مستوى المبيعات، حيث إن التطرق لهذه المواضيع وإعلان كراهية المسلمين تمكنهم من تحقيق مبيعات خيالية، وهو ما تحققه كتب ميشيل ويلبيك وكتب إريك زمور.
فرنسا وطبقتها السياسية وذاكرتها الجماعية لها مشكل تاريخي مع الإسلام والسكان المنحدرين من هذه البلدان، ومع المهاجرين اليوم الذين أصبح جزء كبير منهم فرنسيا، ولفهم هذه الإشكالية وما يحدث بفرنسا في تعاملها مع الإسلام بصفة عامة يجب العودة إلى كتابات العديد من المؤرخين الفرنسيين مثل بسكال بلانشارد، الذي يقول إنه « لا بد من العودة بالفرنسيين إلى مرحلة الحرب الصليبية وتكون مخيالهم الجمعي، وكذلك إلى الحرب الكولونيالية بالبلدان ذات الثقافة أو الديانة الإسلامية .»


الكاتب : باريس يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 18/01/2023