بعضهم انتحر والبعض الآخر يعاني وسط دوامات من القلق والاكتئاب والأعطاب المختلفة .. السرّ المهني يحول دون الإفصاح عن العدد الفعلي للأطباء الذين يخضعون للعلاج النفسي

 

أكدت مصادر طبية لـ «الاتحاد الاشتراكي» أن عدد الأطباء الذين يخضعون للعلاج النفسي ويترددون على الطبيب من أجل الاستفادة من حصص للدعم والمواكبة النفسية هو في ارتفاع متواصل، مشددة على أن الأمر بات يشكّل معضلة كبيرة يتم التعامل معها بالكثير من الصمت. وأبرزت مصادر الجريدة أن السرّ المهني والتزام الطبيب مع مريضه يحول دون كشف معطيات أكبر في هذا الصدد، سواء على مستوى العدد أو التصنيف على حسب الجنس والعمر أو التوزيع المجالي، مضيفة بأن الاحتراق الداخلي والقلق والاكتئاب تعتبر من العناوين المرضية الأساسية التي تعاني منها هذه الفئة من مهنيي الصحة.
وضعية تزداد حدتها تفاقما، والتي أدت في كثير من الحالات إلى تسجيل حوادث انتحار واضحة، في حين ظلت وفيات أخرى موضع شكّ ولم يتم البحث في طبيعتها، وإن كانت علامات الاكتئاب والانهيار واضحة على السلوكات اليومية لأصحابها. وتعج مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بتدوينات وتعابير تكشف حجم ومنسوب العطب النفسي المستشري في صفوف الأطباء، بسبب ما يصفه عدد منهم بـ «الحكرة» والضغط وكذا الاستهداف الشخصي الذي يحطّ من كرامتهم، فضلا عن غياب ظروف الاشتغال، والافتقاد لكل ما هو إنساني في قطاع يقوم على الإنسانية والرحمة بالأساس.
وكشف عدد من مهنيي الصحة في تصريحاتهم لـ «الاتحاد الاشتراكي» عن واقع قاتم يزاول في ظله الكثير من الأطباء مهامهم، سواء تعلق الأمر بالمقيمين منهم والداخليين، أو الشباب الذين تخرجوا وتم تعيينهم في مناطق نائية ومهمّشة، حسب وصفهم، التي تفتقد للعديد من الشروط التي تمكنهم من القيام بمهامهم على أكمل وجه. وأوضح المتحدثون في تصريحاتهم للجريدة أن هؤلاء الأطباء وجدوا أنفسهم في مواجهة الفقر والهشاشة ومختلف العلل، الاجتماعية منها والصحية، وسط مواطنين بسطاء يعيشون على الهامش، فضلا عن العزلة والوحدة بعيدا عن أسرهم والطقس الموحش لا سيّما في أعالي الجبال، فتسببت كل هذه العوامل إضافة إلى الضغط المهني الذي يحيط بهم من كل جهة في دخولهم في حالات اكتئاب اختلفت حدّتها ودرجتها بحسب شخصية كل واحد منهم.
ودعا عدد من الأطباء إلى أنسنة قطاع الصحة، وتوفير ظروف اشتغال مناسبة في ظل قواعد شفافة على مستوى التعيين والاستفادة من الحركة الانتقالية وكل ما يخص المساطر الإدارية، التي يجب أن تحترم آدمية وكرامة الأطباء خاصة ومهنيي الصحة عموما والمرضى كذلك، مشددين على ضرورة برمجة حصص للدعم النفسي والرفع من معنويات المهنيين، والتعامل مع هذا الوضع القاتم الذي بات يؤدي وبكل أسف إلى الموت بكثير من المسؤولية والوضوح، والكشف عن تفاصيل ما يعيشه المتضررون لتلافي تسجيل حوادث مأساوية، ترخي بتبعاتها على الأسر الصغيرة والأسرة الصحية الكبيرة.
وأكدت عدد من التصريحات لـ «الاتحاد الاشتراكي» أن استمرار التعامل مع ما يقع باعتماد الصمت لن يوقف النزيف بل سيؤدي إلى تعميق الجراح، داعية إلى تسمية الأشياء بمسمياتها والاعتراف بالحوادث التي قد تقع هنا أو هناك عوض السعي لتبريرها بمبررات بعيدة عن حقيقة الوضع، مشددة على أن هذا الواقع سيشجع على مزيد من الهروب الجماعي من قطاع أساسي وحيوي غايته تحقيق الأمن الصحي للوطن والمواطنين.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 13/10/2022