بفعل ندرتها والإجهاد : جهة بني ملال خنيفرة تعيش فقرا مائيا بعد فترة غنى

تتوالى سنوات وشهور وأيام الإجهاد المائي بالحوض المائي لأم الربيع، خاصة بالمناطق الوسطى الداخلية، مما جعلها ومعها كل الموارد المائية التابعة للحوض المائي أم الربيع تعيش وضعية مائية جد مؤلمة، حيث غارت مياهها سواء السطحية منها أو الجوفية، بل أن هناك من الموارد التي نضبت نهائيا وبلغ صبيبها درجة الصفر بشكل غير مسبوق بالمنطقة برمتها، خاصة المنابع والعيون التي تغذيها الجيوب المائية التي تكون منشأ مصادرها المائية الأصلية هو حجم التساقطات الثلجية كل سنة، وبالتالي يصبح التأثير واضحا على جميع الموارد المرتبطة بالدورة المائية من المنشأ إلى الفرشة، مرورا بنوع الاستغلال والتدبير، والذي في غالب الأحيان يتميز بالاستنزاف المفرط وغير المدروس وغير معقلن.
ومن هذا المنطلق تحولت الجهة من منطقة غنية إلى منطقة فقيرة مائيا، إذا تعتبر هذه الموارد من الدعامات والمقومات الأساسية والمركزية للنهوض ولتأهيل الجهة، فضلا عن كون الماء كمادة حيوية في جميع مناحي حياة الفرد، يشكل رافعة اقتصادية تزيد من وثيرة تطور الجهة وتنميتها وتثمين مجالها وذلك من خلال خلق جاذبية مندمجة للاستثمارات في كل المجالات الاقتصادية. وقد تضاعفت بالمنطقة مخاطر التغيرات المناخية والتي اختلفت حدة آثارها السلبية من منطقة لأخرى حسب درجات الحاجة إلى الماء عبر مختلف فترات الاستهلاك من هذه المادة، وارتباطها بالواقع المعيش للتجمعات السكنية وبكل مجال بعينيه، وهو الأمر الذي استوجب استنفارا قويا لمواجهة هذه المعضلة ذات التداعيات الصعبة والمكعبة التأثيرات الاقتصادية إلى حد الإفلاس الفلاحي بالخصوص ثم الاقتصادي والاجتماعي.
وظل الإجهاد والاستنزاف المفرط مع استمرار ندرة المياه تتطور أساليبهما مع ارتفاع مستوى الخصاص يوما بعد يوم، مما دفع الجميع اللجوء إلى تعميق درجات الحفر عن طريق «الحفر الإرتوازي» الصوندا» الذي يؤثر بشكل مباشر على المنابع التقليدية بالآبار كموارد وروافد مغذية لحقينة الآبار، وأحيانا تلك الروافد المتداخلة المجاري الجوفية مما يعني التقاطع الاعتباطي لهذه المجاري المائية السطحية، سيما عندما يتجاوز حفر الفرشة المائية رقم 1 إلى الفرشة رقم 2 ما تحت 400 متر عمقا، ناهيك عن التضاؤل الكبير في منسوب مياه الفرشة وارتفاع نسبة الملوحة بها إلى مستويات تؤثر على المردودية والإنتاجية الفلاحية والزراعية.
هذا وقد شهد الحوض المائي لأم الربيع خلال السنة الهيدرولوجية 2021/2022 عجزا كبيرا في التساقطات المطرية ناهز ناقص أزيد من 50% بل وتعداه بشكل مخيف أصبح معه مدعاة للقلق من طرف الجميع. ومع مرور شهور من سنة 2023 خاصة التي كانت خلال السنوات الماضية تعرف تساقطات ثلجية كبيرة حيث عرفت هذه السنة نسبة 0 درجة من التساقطات الثلجية كمصدر أساسي للماء، والتي كانت معهودة خلال السنوات الماضية والتي كانت بمثابة خزان واحتياط مائي يخفف من آثار قلة الماء وندرته المتواصلة. ولعل المشاهد المحزنة لآثار نقص المياه على المحيط الطبيعي والبادية في تصحر الأراضي واندثار الغطاء النباتي عبر مساحات كبيرة لم يسلم منه حتى الأشجار المثمرة منها وغير المثمرة خاصة أشجار الزيتون والتي نضبت أحواضها المائية السفلية والتي تعتبر كمصدر مائي نهائي للحفاظ على بقائها واستمرار الحياة عبر جذورها.
هي إذا بداية النهايات عبر مخاطر محدقة وازنة تتمثل بعد الألطاف الإلهية في مزيد من الانحباس المائي وإقبار الموارد المائية واستنزافها المستمر، رغم كل المجهودات والمبادرات التي تقوم بها الدولة عبر حملات ووصولات تحسيسية وتوعوية غالبا ما يطغى عليها الطابع الفلكلوري الظرفي، دون أن ننسى المبادرات المؤسساتية ذات النتائج المحدودة في الزمان والمكان كالمصادقة على الاتفاقية الإطار للتدبير المندمج لفرشات منظومة المياه الجوفية لتادلة التي تمتد كمخطط تدبيري 2018/2030 والتي تمت خلال الورشة الجهوية المنظمة من طرف وكالة الحوض المائي لأم الربيع والمدعومة ماليا من لدن البنك الدولي في إطار برنامج هبة مالية لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا من أجل تدبير مندمج وتشاركي، الذي يرمي إلى الحفاظ على الفرشات المائية الجوفية وتنميتها المستدامة مع مراعاة تحديات التغيرات المناخية والعمل على الاهتمام بحماية الموارد الإستراتيجية للماء من طرف كل المتدخلين ودعم التقائية فاعلة في مجال تدبير الموارد الجوفية بكل أنواعها الطبقية والحفاظ على المكتسبات في الميدان باعتماد أسلوب استباقي في التعاطي مع المخاطر والحالات المحتملة.


الكاتب : حسن المرتادي

  

بتاريخ : 12/06/2023