تأثير فيروس كورونا على حروب الشرق الأوسط وتاكتيكات الجهاديين ؟

يعيش العالم اليوم تحت رحمة فيروس كورونا المستجد الذي تسبب بوفاة عشرات الآلاف وأجبر نصف سكان العالم على ملازمة منازلهم، إلا أن تداعيات انتشاره على مستقبل النزاعات في الشرق الأوسط ما زالت ضبابية رغم نافذة فتحها وقف إطلاق النار في اليمن الذي أعلنته السعودية من جانب واحد.
ودعت الأمم المتحدة في 23 مارس إلى وقف لإطلاق النار في دول تشهد نزاعات للمساعدة في التصدي لكوفيد-19. ونبه أمينها العام أنطونيو غوتيريش الجمعة إلى أن «الأسوأ لم يأت بعد».
هل التزمت أطراف النزاع في المنطقة بهذه الدعوة؟ وما ترجمتها ميدانيا في اليمن وليبيا وسوريا والعراق؟
في اليمن حيث سجلت أول إصابة بالفيروس ، فتح التحالف بقيادة الرياض نافذة لإحلال السلام بإعلانه وقفا لإطلاق النار يبدأ الخميس ويستمر أسبوعين للتركيز على مكافحة الفيروس وتهيئة الظروف لبدء محادثات مع المتمردين الحوثيين الذين لم يصدر أي تعليق عنهم بعد.
وأعلن طرفا النزاع سابقا دعمهما لدعوة غوتيريس. إلا أن بصيص الأمل النادر خلال خمس سنوات من النزاع لم يدم طويلا مع إطلاق الحوثيين الأسبوع الماضي صاروخين اعترضتهما الرياض، ورد ت بشن ضربات على صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وسبق أن توصل طرفا النزاع إلى هدن أكثر من مرة لكن مصيرها كان الفشل.وقال أحد أعضاء فريق المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لفرانس برس إن ما أعلنه التحالف ليس وليد اتفاق.
ومن شأن تفشي فيروس كوفيد-19 في اليمن أن يفاقم الأزمة الإنسانية التي تعد الأسوأ في العالم. ويهدد في حال بلوغه أفقر دول شبه الجزيرة العربية بكارثة إنسانية.
وحذرت منظمات دولية من أن عدم التوصل إلى هدنة تفسح المجال أمام تقديم المساعدات الضرورية، من شأنه أن يهدد مصير السكان في بلد انهارت منظومته الصحية وبات توفر المياه النظيفة نادرا .
وقال سائق الأجرة في مدينة الحديدة الساحلية غربا محمد عمر من أنه في حال انتشار الفيروس «سيموت الناس في الشوارع وتتعفن الجثث في العراء».
سجلت أول إصابة بالفيروس رسميا في سوريا بعد أسبوعين تقريبا من بدء وقف لإطلاق النار في إدلب (شمال غرب)، بموجب اتفاق روسي تركي وضع حدا لهجوم واسع شن ته دمشق لثلاثة أشهر.
ويبدو أن المخاوف من قدرة الفيروس على الانتشار كالنار في الهشيم في كافة أنحاء البلاد التي استنزفتها تسع سنوات من الحرب، أوقف هجمات متفرقة على محاور عدة.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، شهد مارس مقتل 103 مدنيين، في أدنى حصيلة قتلى شهرية للمدنيين منذ اندلاع النزاع العام 2011.
وعلى الأرجح، فإن قدرة مختلف السلطات المحلية، من حكومة دمشق مرورا بالإدارة الذاتية الكردية (شمال شرق) وائتلاف الفصائل على رأسها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا ) في إدلب، على التصدي لمخاطر الفيروس سيضع مصداقية الأطراف الثلاثة على المحك.
ويقول الباحث المتابع للشأن السوري فابريس بالانش لفرانس برس «يشكل الوباء وسيلة لدمشق كي تظهر أن الدولة السورية كُفْأة وعلى كافة المناطق أن تعود إلى كنفها».
ويمكن للوباء والتعبئة العالمية التي يفرضها أن يسرعا رحيل القوات الأمريكية من سوريا والعراق المجاور، ما قد يخلق فراغا يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية الذي تم القضاء عليه قبل عام، أن يستغله للعودة إلى شن الهجمات.
على غرار اليمن، رحب طرفا النزاع الليبي بدعوة الأمم المتحدة لكنهما سرعان ما استأنفا الأعمال القتالية وتبادلا الاتهامات بخرق الهدنة بعد قصف على جنوب طرابلس. واشتدت وتيرة الاشتباكات في الأيام الأخيرة.
ودفع التصعيد مئتي ألف شخص إلى النزوح غالبيتهم في طرابلس، منذ مطلع العام، وفق المنظمة الدولية للهجرة.
ودان غوتيريش «بشدة» في بيان الثلاثاء القصف الذي طال مستشفى في طرابلس. وند د بـ»الهجمات المستمرة» على المستشفيات والطواقم الطبية «فيما الحاجة ماسة لها لمنع انتشار جائحة كوفيد-19».
ولعبت تركيا مؤخرا دورا عسكريا مباشرا في ليبيا، دعما لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة في مواجهة القوات الموالية للمشير خليفة حفتر الذي يستقر في شرق البلاد.
ولا يستبعد بالانش أن يحد انسحاب الغرب المتسارع من الصراعات المختلفة في المنطقة من الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني، وهو ما قد يصب بالدرجة الأولى في مصلحة حفتر الذي بدأ قبل عام هجوما للسيطرة على العاصمة تحو ل حرب استنزاف أهلية. ويحظى حفتر بدعم روسيا ومصر والإمارات.
وينذر تضرر الدول الغربية بشدة من الوباء باحتمال توقفها عن لعب دور الوسيط في محادثات السلام. ونقل تقرير عن مجموعة الأزمات الدولية أن مسؤولين أوروبيين أفادوا أن الجهود المبذولة لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا لم تعد تحظى باهتمام رفيع المستوى بسبب الوباء.
لا يشهد العراق حاليا نزاعا شاملا ، إلا أنه يبقى عرضة لهجمات يشن ها تنظيم الدولة الإسلامية في بعض المناطق ومسرحا لشد حبال أميركي إيراني كاد أن يقود إلى صراع مفتوح في وقت سابق من هذا العام.
ورغم أن القوتين من بين أكثر الدول تأثرا بفيروس كوفيد-19، إلا أن ما من مؤشرات على توجههما للحد من المبارزة على الساحة العراقية.
ومع مغادرة كافة القوات غير الأميركية تقريبا في صفوف التحالف الدولي العراق وإخلاء قواعد عسكرية، ي صار حاليا إلى إعادة تجميع الجنود الأميركيين، بعدد أقل وفي قواعد أقل.
وانتهزت واشنطن الفرصة لنشر بطاريات صواريخ باتريوت للدفاع الجوي، في خطوة تثير الخشية من تصعيد جديد مع إيران التي ت تهم مجموعات مسلحة تابعة لها بتنفيذ ضربات صاروخية على قواعد أمريكية في العراق.

الخشية من «كارثة»
في سوريا

يشكل انتشار فيروس كورونا المستجد في سوريا، المنهكة بعد تسع سنوات من النزاع، وحيث يعيش 6،5 مليون نازح، «كارثة مقبلة» بحسب خبراء انتقدوا تسييس النظام السوري للأزمة.
وإذ سجلت الأرقام الرسمية 19 إصابة بينها حالتي وفاة، وهي حصيلة متدنية خاصة إذا ما تمت مقارنتها مع المأساة الإيرانية، إلا أنها لا تبدو مقنعة نظرا للنقص الحاد في الاختبارات، كما يؤخذ على دمشق التقليل من حجم الإصابات.
ومنعت الحكومة التنقل بين المحافظات وأغلقت المدارس والمطاعم وفرضت غرامات باهظة على المخالفين الذين أوقفت العشرات منهم. كما تم إغلاق الحدود، رغم أن المراقبين يرون أنها لا تزال سهلة الاختراق في أجزاء عديدة من البلاد.
كما أن القطاع الطبي يعاني، وذكرت منظمة الصحة العالمية في نهاية عام 2019، أن أقل من ثلثي المستشفيات في البلاد لا تزال تقدم خدماتها كما غادر 70 بالمئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية البلاد.
وقال الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إميل حكيم «هناك كارثة قادمة»، مشيرا إلى «ضعف فادح في المباحثات حول وقف النزاع في المنطقة، ولو بشكل مؤقت»، وهو إجراء ضروري لمكافحة الوباء.
وقدر الباحث السوري زكي محشي، مؤسس مساعد وباحث في المركز السوري لبحوث السياسات والمستشار في تشاتام هاوس، أن الحكومة تجري مئة اختبار يوميا، نصفها في دمشق. فيما الوضع في باقي البلاد ضبابي.
وقال في مؤتمر عبر الانترنت، حضرته وكالة فرانس برس، ان العاملين في الرعاية الطبية هناك «يعتقدون ان عددا كبيرا من الأشخاص يموتون بأعراض الفيروس، لكن الأجهزة الأمنية تأمرهم بعدم الكشف عنها وبخاصة إلى وسائل الإعلام».
وينذر الوضع في شمال البلاد خصوصا بالخطر. واتخذ وباء كوفيد-19 بعدا دوليا حينما دخلت هدنة أخرى حيز التنفيذ في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها في شمال غرب البلاد، بين النظام وحليفه الروسي من جهة، والفصائل المقاتلة والجهادية الموالية لتركيا من جهة أخرى.
ولا تزال هذه الهدنة الهشة سارية. واتخ ذت في إدلب حيث تسيطر هيئة تحرير الشام الجهادية، الذراع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا، تدابير وقائية هامة.
وأشار محشي إلى أن القوات المسلحة التركية أعلنت استعدادها لإجراء فحوصات على المدنيين الذين يعبرون الحدود، لكن العمليات لم تبدأ بعد. كما أعلنت منظمة الصحة العالمية في نهاية مارس تسليم معدات الفحص إلى إدلب.
وفي المقابل، لا يتوقع أن تقدم دمشق أي مساعدة للمنطقة. وأشار الباحث المساعد بكلية الاقتصاد في لندن مازن غريبة إلى أنه «لا يمكن لأحد أن يتخيل أن النظام الذي استهدف بشكل منهجي المستشفيات قبل ثلاثة أسابيع سيزود هذه المستشفيات نفسها بالمعدات الطبية الأسبوع المقبل».
ويحذر المركز السوري من «الآثار الكارثية لتسييس وباء كوفيد-19 من قبل الحكومة السورية، التي تستفيد من الوباء للعب بأرواح ملايين الأشخاص الذين هم خارج سيطرتها».
وفي شمال شرق البلاد، دقت الإدارة الكردية شبه المستقلة، التي تحتجز العديد من عائلات الجهاديين في سجون غير صحية، ناقوس الخطر منذ فترة طويلة بسبب ضعف بنيتها الطبية ونقص أجهزة الفحص.
وأشارت اللجنة إلى أنه في المخيمات المكتظة بالنازحين والتي تعاني من الجوع والبؤس وسوء النظافة فإن اتباع «المسافة الصحية غير ممكنة» مؤكدة أنه في حال دخلت العدوى إلى مخيم، فإن الفيروس سينتشر فيه «بسرعة وقسوة».
ولكن في حين تواجه أغنى الدول ركودا شديدا، تبدو المساعدات الإنسانية موضع شك، بحسب حكيم الذي أشار إلى أن «المانحين سينكبون على إنعاش اقتصاداتهم والاستثمار في قطاعهم الطبي. سيكون من الصعب جدا الدفاع عن الحاجة السياسية للمساعدة طويلة الأجل في الخارج».

الاحتلال احتلال وبس!

حثت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي المجتمع الدولي على «تحم ل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية والانسانية والسياسية تجاه شعب أعزل ودولة تحت الاحتلال، ومحاسبة ومساءلة إسرائيل، وإنهاء احتلالها لأرضنا وتحقيق العدالة والحماية لأبناء شعبنا».
ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) أن تصريحات عشراوي جاءت، في بيان صدر عن مكتبها، باسم اللجنة التنفيذية في الذكرى الـ72 لمجزرة «دير ياسين»، التي راح ضحيتها ما بين 250 إلى 360 شهيدا من أهالي القرية الذين قتلوا بدم بارد، عقب الهجوم الذي نفذته الجماعتين الصهيونيتين الإرهابيتين «آرغون» و»شتيرن» يوم التاسع من نيسان 1948.
وقالت عشرواي: «إن ذكرى هذه المجزرة الأليمة صادفت هذا العام ودولة فلسطين كما العالم أجمع يواجهون وباء خطيرا يزحف ويتفشى لينال من البشرية جمعاء، فيما لا يزال شعبنا يواجه منذ عشرات السنين آفة الاحتلال الإجرامي القائم على عقيدة التطهير العرقي والتهجير القسري والمجازر، آفة تهدد وجوده وأرضه وهويته».
وأضافت: «لقد كانت المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في دير ياسين، كفر قاسم، والطنطورة، ونصر الدين، وصالحة، اللد، والدوايمة، وحيفا، وبيت داراس، ويازور، ومجازرها في حروبها الثلاث على قطاع غزة إضافة إلى جرائمها المتصاعدة بحق شعبنا بشكل يومي بما فيها تعطيل المساعي الفلسطينية لمكافحة جائحة «كوفيد 19»، وخصوصا في القدس المحتلة، ما هي إلا مثال حي على بطشها وفاشيتها وتطرفها وعنصريتها».
وأشارت إلى أن استمرار «دولة الاحتلال» بدعم وشراكة من الإدارة الأمريكية في ضم والاستيلاء على الأراضي وبناء المستوطنات الاستعمارية، وتوسيع القائم منها، وتهويد القدس، وحصار قطاع غزة، وفرض مخططات وسياسات الأمر الواقع، دليل واضح على التنكر المتعمد لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي والدولي الإنساني.
وأكدت عشراوي أن شعبنا الفلسطيني لن ينسى ما مر عليه من تشريد قسري وتهجير وقتل، وأنه صامد على أرضه، ومتمسك بحقوقه غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حقه الطبيعي في تقرير المصير، مشددة على موقف منظمة التحرير الفلسطينية الثابت في المضي قدما نحو ملاحقة إسرائيل قانونيا وسياسيا في المحاكم والمحافل الدولية، ومحاسبتها ومساءلتها على جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق شعبنا وأرضه وممتلكاته.
و في الأراضي الفلسطينية، يقود رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية بحضوره القوي وصوته الجهوري وحركته التي لا تهدأ وتحليلاته العميقة حملة مواجهة فيروس كورونا المستجد.
وبات إشتية مطروحا في نظر كثيرين على أنه الخليفة المحتمل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (84 عاما).
ويرى محللون إن اشتية يظهر متحكما في تفاصيل انتشار الوباء وقد اتخذ إجراءات سريعة حدت حتى الآن من عدد الإصابات بمرض كوفيد 19 التي بلغت 250 في الضفة الغربية المحتلة، بينها وفاة واحدة، بحسب أرقام رسمية.
وأظهرت استطلاعات الرأي وجود دعم كبير للحكومة برئاسة اشتية. وكلف عباس هذا الأخير منذ بداية مارس بتشكيل لجنة طوارىء مع صلاحيات تسمح لها بالتعامل مع الأزمة، بهدف تجنب الطريق البيروقراطي الطويل.
ويقول المحلل الإسرائيلي عوفر زالزبرغ من مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية «من الواضح أن اشتية ظهر أنه أبرز السياسيين الفلسطينيين» منذ تفشي فيروس كورونا، من بين مجموعة سياسيين يحتلون الواجهة السياسية منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات في التسعينات.
محمد اشتية (62 عاما) سياسي وخبير اقتصادي و لد في قرية تل في شمال الضفة الغربية. انتخب عضو ا للجنة المركزية لحركة فتح عام 2009 وأعيد انتخابه في المؤتمر السابع عام 2016. شغل مناصب وزارية عدة ويحمل شهادة دكتوراه في التنمية الاقتصادية من بريطانيا، وعمل أستاذ ا وعميد ا في جامعة بيرزيت وله العديد من المؤلفات في الاقتصاد والسياسة.
ويؤكد زالزبرغ «أن رئيس الوزراء أظهر كفاءة ومهنية ويدرك الفلسطينيون ذلك».
ومع ظهور أول حالات الفيروس في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية في الخامس من مارس، حلت لجنة الطوارئ التي شكلها اشتية محل الوزارات، وأغلقت مدينة بيت لحم وأعلنت حالة الطوارئ في الضفة الغربية، وأقفلت المدارس ومنعت التجول…
وأكد مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في فلسطين جيرالد روكنشواب «أن الحكومة الفلسطينية اتخذت إجراءات متقدمة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، وتقوم الحكومة ووزارة الصحة بإجراءات تفوق ما هو موصى به دوليا «، مضيفا «لقد تحركوا بسرعة كبيرة وتعاملوا مع الأزمة بجدية كبيرة».
وساعدت الإجراءات على الحد من انتشار الفيروس وتأثيره على البنية التحتية الصحية الضعيفة للفلسطينيين.
وتحتل اسرائيل منذ عقود الضفة الغربية التي تتمتع بحكم ذاتي محدود تديره السلطة الفلسطينية من مقرها في رام لله.
ويبدو محمود عباس الذي مضى على توليه السلطة 15 عاما غائبا إلى حد بعيد في هذه الأزمة. وينتمي اشتية الى حركة فتح التي يتزعمها عباس.
ومنذ الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في عام 2005 التي فاز بها عباس، لم تجر انتخابات رئاسية، وسط انقسام بين فتح وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.
وعانى عباس من مشاكل صحية في السنوات الأخيرة، وانسحب إلى حد كبير من الحياة العامة منذ تفشي الوباء، وترددت شائعات كثيرة حول صحته.
ورد أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات في تغريدة على تويتر في نهاية مارس على الشائعات بالقول «إن صحة الرئيس ممتازة وأنباء دخوله المستشفى مزيفة وباطلة».
في الوقت نفسه، كان اشتية يعقد مؤتمرات صحافية منتظمة وظهر عند نقاط تفتيش تابعة للشرطة.
ويقول مسؤولو المساعدات الدولية إن وزيرة الصحة مي كيله واشتيه يتواصلان بشكل منتظم، مشيرين الى أنهما «واضحان مع المانحين الدوليين بشأن الاستراتيجية لمكافحة فيروس الكورونا المستجد».
وكان آخر ظهور لعباس في العلن في الثالث من الشهر الجاري وقد ألقى خطاب ا مسجلا مدته أربع دقائق تم تفسيره على نطاق واسع أنه بهدف تأكيد أنه في صحة جيدة. بعد ساعة من الخطاب، عقد اشتية مؤتمرا صحافيا مدته 40 دقيقة للإجابة على أسئلة مفصلة حول مواجهة الفيروس.
وتقول المحللة السياسية الفلسطينية نور عودة عن اشتية «إنه شاب ديناميكي، ولديه طاقة. الجميع ممتن للغاية لأن هذا حدث في عهده».
وتضيف إنه مع وزراء مثل كيله التي تحمل شهادة دكتوراه في الإدارة الصحية، «فإن جيل الشباب من القادة الفلسطينيين يتولون المسؤولية ويظهرون أنهم يستطيعون القيام بعمل ممتاز».
وتشير إلى نقاط التفتيش الفلسطينية الخاصة بمتابعة تطبيق التدابير التي اتخذتها الحكومة والتي أقيمت في كل أنحاء الضفة الغربية، وهي حواجز مؤقتة يطلق عليها المسؤولون اسم «حواجز محبة».
وأظهر استطلاع للرأي أجراه فلسطينيون في الضفة الغربية نشر هذا الأسبوع الى أن 96% يثقون في تعامل الحكومة مع الأزمة. ومع صعود نجم اشتية، تحول الحديث إلى ما إذا كان بإمكانه في النهاية الحلول محل عباس.
ويقول زالزبرغ «إنها المرة الأولى التي يحصل فيها اشتية على مثل هذا الدعم بين الشعب الفلسطيني على أنه خليفة محتمل» للرئيس، مضيفا «لكن الأزمة لم تنته، وإذا تغيرت الأمور الى الأسوأ، قد يخسر كل شيء».

مجموعات الجهادية
تكيف خطابها

مع تفشي فيروس كورونا المستجد، وجدت المجموعات الجهادية نفسها مرغمة على التكيف مع أوضاع طارئة قد تشكل ضربة قاسية لها أو فرصة متاحة أمامها، غير أنها تجبرها على التعامل مع الأزمة وفرضيات الخروج منها في آن.
تتحرك المجموعات الجهادية بشكل متباين في وجه انتشار وباء يضربها بشكل متفاوت، فيقوم كل منها بالتوفيق بين ثوابت عقائدية وضرورات تمليها الصحة العامة.
في ما يلي عرض لبعض هذا التغيير في النهج:

لزمت العديد من المجموعات الجهادية في اليمن والصومال ومنطقة الساحل الصمت حول الوباء العالمي، في حين تناولت أخرى الفيروس الذي يطال أنصارها وأعداءها على السواء.
ونشر تنظيم القاعدة في مارس وثيقة من صفحتين اعتبر فيه أن الفيروس عقوبة أنزلهاالله بالذين يخالفون تعاليمه.
وأوضح مدير قسم مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر لوكالة فرانس برس أن «القاعدة لطالما اعتبرت نفسها حركة نخبوي ة مسؤوليتها إرشاد الأمة إلى إسلام أصيل. وأحداث على غرار فيروس كورونا المستجد تشكل درسا وفرصة في آن لتعزيز هذا الموقف».
ولفت معهد توني بلير للتغيير الشامل إلى أن هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) أوصت على شبكتها الإخبارية «إباء» باتخاذ تدابير نظافة شخصية. ولاحقا، نددت بالاهتمام المخصص للفيروس في حين أن حصيلته تبقى أدنى بكثير من حصيلة النزاع في سوريا.
ومن المفارقة أن أولى التدابير ضد وباء كوفيد-19 في سوريا حصلت في محافظة إدلب، أخر معقل للفصائل الجهادية والمقاتلة في سوريا والتي تواجه وضعا إنسانيا صعبا.
فعلى الرغم من أن الحرب أتت على مستشفيات المنطقة، اتخذت الفصائل المعارضة المسيطرة على المحافظة وأبرزها هيئة تحرير الشام، وبمساعدة منظمة الصحة العالمية، «تدابير وقائية أكثر تشددا وسرعة من نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد»، بحسب ما أكد معهد «واشنطن إنستيتيوت» ذاكرا بصورة خاصة التحقق من حرارة الأشخاص عند الحدود مع تركيا وتعقيم المدارس والمساجد.
ورأى تشارلز ليستر أن «التحدي بالنسبة لهيئة تحرير الشام الآن هو أن تقدم نفسها لروسيا وتركيا على أنها مؤهلة لتحكم» المناطق السورية الخارجة عن سيطرة دمشق، ولو أنه من الواضح أن الحركة لن تكون قادرة على مواجهة تفشي الوباء على نطاق واسع.
بالنسبة لحركة طالبان الأفغانية التي وقعت اتفاقا تاريخيا مع الأمريكيين، لم يكن للفيروس أي تأثير على استراتيجيتها.
وعلى هامش هجماتها على القوات الحكومية، تطرح الحركة نفسها كبديل في مكافحة الأزمة الصحية.
وأعلنت أن السلطة لا ترى في الوباء «سوى فرصة لاختلاس أموال أجنبية». ورد المتحدث باسم مجلس الأمن الوطني الأفغاني جويد فيصل «اقترحنا وقف إطلاق نار شاملا لمكافحة (وباء) كوفيد-19، لكنهم رفضوا».
وماذا لو كان الوباء يصب في مصلحة الجهاديين؟ أشارت مجموعة الأزمات الدولية في هذا السياق إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا أمر عناصره في نشرته الأسبوعية «النبأ» بمهاجمة «الكفار».
والواقع أن هذه الحركات تغتنم أوضاع الفوضى وتزدهر فيها. وحذرت مجموعة الدراسات بأن «تنظيم الدولة الإسلامية قد يستفيد من الوضع طالما أن (وباء) كوفيد-19 يضعف أعداءه» داعية الأسرة الدولية إلى عدم إهمال أولويات الأمس.
يبقى من الصعب معرفة ما إذا كان الوباء سيبدل الوضع في مناطق انتشار المجموعات الجهادية. ففي أفغانستان والساحل والصومال، يبدو أنه لم يؤثر بعد على الوضع الأمني.
ويبقى خطر وقوع اعتداء كبير في أوروبا أو الولايات المتحدة محدودا على المدى القريب.
وأكد جان شارل بريزار من مركز تحليل الإرهاب في باريس «فرضنا الحجر المنزلي وعمليات المراقبة على الحدود وفي المواصلات. الخطر في الوقت الحاضر محدود جدا».
لكن الوضع الصحي لا يمنع فردا معزولا أو خلية صغيرة من القيام بعملية، وهو ما أكده هجوم بالسكين نفذه لاجئ سوداني السبت في جنوب شرق فرنسا وأوقع قتيلين.
ولم يظهر حتى الأحد أي ارتباط مؤكد بتنظيم الدولة الإسلامية لكن مصدرا مطلعا على الملف قال لفرانس برس «من الواضح أن خطر انتقال فرد تحركه دوافع قوية إلى تنفيذ عمل لم يتبدد مع قيام الأزمة».
وحذر عنصر سابق في الاستخبارات الفرنسية قبل بضعة أيام «لم ننته بعد من هذه الحرب ضد التيار الإسلامي. نعرف أنهم قد يضربون من جديد. ولم يعد بالإمكان أن نكون مهملين».

 

 


بتاريخ : 13/04/2020