تأملات في حالة شرود

هو معينه وسنده الدائم. منذ نضج ووعى بالحياة، وهو يرافقه ويسير بجواره. لم يشعر يوما، أنه تعب منه أو ملّ، ولا عبر أحدهما في رغبته في التخلي عن الثاني وتركه وحيدا.
كلما سقط، تكون يد مرافقه أول يد تمد إليه، لتوقفه مجددا. وهي اليد ذاتها التي تطبطب وتربت على كتفه، ثم تمرر كفها على شعره، وقد تمسح دموعا لم يرها أحد. سيان عند رفيقه، أن تكون السقطة بفعل ضغط الحياة، في زمن يصعب ويعسر التأقلم مع مده وجزره، أو بفعل فاعل مع سبق الإصرار والقصد، أو فقط بسبب اصطدام طبيعي، لا تعمد ولا نية مبيتة خلفه.
في فترات هروبه أو عزلته، حيث يترك الناس والعالم خلف ظهره، ليجالس ذاته وينصت إليها وتنصت إليه. وهي لحظات، قلما تجود ظروف الحياة والعيش عليه بها. أثناءها لا يمانع في اصطحاب رفيقه الدائم، ليقينه التام بأن صاحبه هذا سيجالسه صامتا إن كانت تلك رغبته، وإلا فسيواصلان نقاشا وحوارا، من حيث تركاه آخر مرة. كلاهما ينصت للآخر، بتركيز وتمعن قويين.
عندما يشعر بتلك الحاجة الملحة لمقاومة بياض الورقة، من أجل كتابة أو إبداع خاطرة أو نص سردي، وفي خضم هذه الرغبة الساحرة الجامعة بين المعاناة والمتعة، يكتشف أن مرافقه أول من يحدس هذه الرغبة. هو لا يحدسها فقط، بل هو من يوقظها، ثم يمنحها توابل وعدة النبش والحفر، عن الحكايات والأفكار، وعن الصور الفنية الملائمة، لهذه لإرهاصات الأولية، قبل أن تكتمل على شكل نص أدبي.
أكثر من ذلك، هو لا يعتبر نفسه مغاليا عندما يقر ويعترف أن النواة الأولى لجل ما خطته أنامله، هي أصلا من وحي رفيقه أيضا. التصميم والتصور الفني وما شابهه، هو كذلك من انطباع وتوجيه معينه وسنده الدائم. أضف إلى ذلك أنه هو نفسه، لا يدري على أية حال ؟ وإلى أين كانت حياته ستؤول من دون رفيقه ؟ لأجل ذلك هو يكرر دوما، وفي كل وقت وحين، على مسمعه عبارته المعهودة :
– شكرا لك لأنك مؤنسي ورفيقي اليومي، في غدوي وترحالي، وفي خلوة تأملاتي، وإنصاتي لنفسي..
شكرا لك أيها الطفل الكامن بداخلي وفي أعماق ذاتي.

السينما والرواية

كلما أثير في مناسبة ما ذلك النقاش القديم الحديث، حول السينما والرواية، ولماذا الأولى لا تقتبس أفلامها إلا نادراً من الثانية ؟ ابتسم نصف ابتسامة غير بريئة، متذكراً حلقة من برنامج تلفزيوني، كأنه شاهدها ليلة أمس فقط، رغم مرور أزيد من عقد ونصف، على مرورها على الشاشة الصغيرة. كان ضيف الحلقة مخرجاً سينمائيا شَهرته خرجاته الإعلامية، أكثر مما شهرته أفلامه التي أخرجها. أجاب فناننا ليلتها مذيعة البرنامج عندما سألته لماذا لا يبنى أفلامه على قصص أو روايات لكتاب مغاربة ؟ بأنه لم يسبق لأي كاتب أن طرق بابه، مقترحاً عليه عمله الإبداعي ليحوله إلى سيناريو فيلم.
وهو لا يزال يبتسم، يجد ذات السؤال يتردد داخله :
– هل سبق للمتوج العربي بجائزة نوبل للآداب، الذي تحولت جل رواياته إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، أن طرق باب مخرج ما ؟ وهل فعل ذلك كبار الروائيين العالميين، الذين تحولت روائعهم الأدبية، إلى تحف بصرية، استمتع بها عشاق الصورة بعد عشاق خير أنيس ؟.
راكم مخرجنا أفلاما أخرى، دون أن يتأسس سيناريو واحد منها على نص أدبي. أيكون فعلا لا يزال ينتظر أن يطرق بابه كاتب، حاملاً بين يديه إصداره التخييلي راجياً إياه أن يبعث فيه الحياة سينمائياً ؟


الكاتب : عبد الحق السلموتي

  

بتاريخ : 22/06/2023