تاريخ العبودية، العرق والإسلام 03 – عن جدلية «أو ما ملكت أيمانكم» بين المفسرين..

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ «أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم

 

 

…يشرح العلامة «الزمخشري» (أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري) (1075-1144)، في تفسيره للقرآن أن: «الرجال يمارسون (التسري) لأن الهدف الوحيد للزواج هو الإنجاب»، وهذا منظور «نخبوي» لأنه لا يستطيع كل شخص في المجتمع تحمل تكاليف اقتناء جارية للتمتع الجنسي. ومن الغريب، أن هذا التعريف للزواج على أنه للإنجاب فقط، يتناقض مع القرآن والسنة النبوية (الحديث)، التي تعترف صراحة بأن «المتعة الجنسية هي أيضا جزء مهم من الزواج”. وفي ما يتعلق بالعلاقات الجنسية، يقول القرآن: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ».
على عكس معظم المفسرين الإسلاميين (الكلاسيكيين)الذين كانوا يرون أن «أو ما ملكت أيمانكم» تعني «المحظيات»، رأى عالم الدين الإسلامي الفارسي المشهور «أبو بكر الرازي» (1149-1209) – وجزء من المدرسة الأشعرية الشافعية – الذي كتب أحد أكثر التفاسير موثوقية للقرآن، وأحد أولئك الذين شككوا في الآثار الأخلاقية لمثل هذه التفسيرات والممارسات واقترحوا أن تفسير «أو ما ملكت أيمانكم» يجب أن تعني «أولئك الذين يمتلكونها بحق من خلال الزواج (عقد النكاح)». ووفقا لمفسر القرآن «محمد أسد»، «يشير الرازي – على وجه الخصوص – إلى أن الإشارة إلى “جميع النساء المتزوجات»، التي تأتي بعد تعداد درجات العلاقة المحظورة، تهدف إلى التأكيد على حظر العلاقات الجنسية مع أي امرأة غير الزوجة الشرعية».
تم قبول تفسير «أو ما ملكت أيمانكم»، كقاعدة وترخيص لأخذ العبيد ك«محظيات» بحلول نهاية القرن ال9. قام علماء القرآن في هذه الفترة، مثل «الطبري» و«ابن كثير الدمشقي»، بتدوين العادات الراسخة لمجتمعاتهم المعاصرة في تفسيراتهم للقرآن، وقدموا الأسس الدينية والقانونية لمعاقبة الممارسات الاجتماعية التي لا تتفق مع روح الآيات القرآنية ونصها الصريح في كثير من الأحيان، وبالتالي وضع الاتجاه الرئيسي لتفسير القرآن على أنه يضفي الشرعية على ممارسة أخذ العبيد للمحظيات للأجيال القادمة.
اتبعت العديد من التفسيرات في الإسلام، مسارا مشابها لتفسير «أو ما ملكت أيمانكم»الذي لا يتفق مع القرآن. خذ على سبيل المثال، لقب القرآن ل«محمد» باعتباره «النبي الأمي». يقول القرآن: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ”. يفسر معظم المفسرين لقب «النبي الأمي» للرسول محمد على أنه وصف له، لكن مراجع أخرى تعطي اللقب صفة تمييز تشير إلى أصل النبي على أنه “عربي» وليس ب«يهودي» أو “نصراني”، ومنه قوله تعالى: “فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”.
حددت البيئة الثقافية – بشكل عام – الغرض من البحث العلمي، وأثرت على مسار التفسيرات المتعلقة بحق الرجل في إقامة علاقات جنسية مع العبيد من الإناث. ومع ذلك، فإن الأدبيات النسوية الحالية حول موضوع «النوع الاجتماعي» و«المرأة في الإسلام» من قبل النساء المسلمات مثل «ليلى أحمد»، «فاطمة المرنيسي» و«أمينة ودود»، قد تلفت الانتباه إلى إعادة تفسير القرآن، بحجة أن القرآن قصد الزواج الأحادي (الزوجة الواحدة).
كتبت «أمينة ودود» في هذا الصدد: «لو تم تنفيذه [القرآن] بالكامل بالمعنى العملي، لكان الإسلام قوة محفزة عالمية لتمكين المرأة». قالت منظمة «أخوات في الإسلام»، وهي منظمة غير حكومية مقرها «ماليزيا» تدافع عن حقوق المرأة: «لذلك من الواضح أن إعطاء الزوجة مثل هذا الخيار للحصول على الطلاق من خلال عقد الزواج أو التعاليق ليس مخالفا للتعاليم الإسلامية. إنه ليس تفسيرا جديدا نشأ فقط في هذه الأزمنة الحديثة. على العكس، بل هو مدعوم بالممارسات التقليدية منذ الأيام الأولى للإسلام..».


الكاتب :   ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 14/03/2024