تاريخ العبودية، العرق والإسلام -06- ممارسات العبودية في حوض البحر الأبيض المتوسط

في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، كان غالبية العبيد من أصل إثيوبي. لم يقتصر وصف العبيد على السود فقط، بل شمل أيضا العبيد «البيض» المستوردين من الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، وكذلك العبيد العرب الذين كانوا على الأرجح أسرى حرب وغالبا ما كان يتم إطلاق سراحهم مقابل فدية، وهي ممارسة مربحة بين البدو، يرى المؤرخ
«أبو الفرج الأصبهاني» (ت 967)، الذي قام بتأليف عمل متعدد الأجزاء عن الشعر والأغاني العربية، أنه: «في عصر ما قبل الإسلام، استعبد العرب أطفالهم المولودين من العبيد الإناث الذين خدموا الرغبات الجنسية لأسيادهم.

 

. …في الخطاب القانوني، يبدو أن مؤسسة العبودية في المغرب لا تختلف كثيرا عن مفاهيم العبودية ما قبل الحداثة وأوائل العصر الحديث السائدة في حوض البحر الأبيض المتوسط بشكل عام.
التزمت الديانات الرئيسية الثلاث في البحر الأبيض المتوسط، بالكتب المقدسة التي يمكن تفسيرها على أنها تتغاضى عن العبودية. تشير العديد من الجوانب القانونية لممارسة “الرق” في البحر الأبيض المتوسط، إلى قواسم مشتركة.. على سبيل المثال، على الأقل في القرن ال13ميلادي، كانت العبودية الإسبانية غير تمييزية – تم وصف العبيد بأنهم “بيض” أو “سود” أو غيرهم، على الرغم من أن “معظم العبيد في أوروبا المتوسطية كانوا من البيض”، ومن هنا جاء استخدام مصطلح “سلاف” (Slav)كمكافئ ل”العبد”.
في الواقع، فالعبودية كما هو موضح في “SietePartidas” (الأقسام السبعة) تشبه بالفعل الشريعة الإسلامية في ما يتعلق بالعبيد، وربما تشير إلى تفكير متوسطي مشترك حول العبيد، بالنسبة للدين وبنسبة أخرى إلى القانون. كان “SietePartidas” هو المظهر الإسباني لنهضة القانون الروماني في القرن ال13التي اجتاحت أوروبا، والتي وضعها “ألفونسو العاشر” من أجل استبدال قانون “الأعراف الإقطاعي” السائد في “قشتالة” والذي أصبح الأساس القانوني في جميع أنحاء الإمبراطورية الإسبانية ثم من آسيا إلى إفريقيا إلى العالم الجديد.
على غرار موقف الإسلام من العبيد في قانون الأحوال الشخصية، ففي “SietePartidas”: “لم يكن العبيد مجرد متاع”، مقارنة بالقانون الروماني، حيث “العبد هو – على وجه التحديد – كائن وحيازة وليس شخصا”. علاوة على ذلك، مما يعكس الموقف المستقيل إلى حد ما تجاه العبودية، الذي غالبا ما يوصف بأنه سمة من سمات العالم الإسلامي، حيث جاء “SietePartidas” أن: “العبودية هي أشنع وأحقر الأشياء التي يمكن أن تكون من فعل الرجال..” و “العبودية هي أشرس شيء في هذا العالم باستثناء الخطيئة”.
يؤكد هذا الوصف، الدرجة التي تم بها التعبير عن وضع “الرق” من ناحية قانون الملكية بقدر ما تم التعبير عنه من الناحية الدينية. يوضح تفحص “SietePartidas” المزيد من أوجه التشابه بين المواقف المسيحية والإسلامية بشأن العبودية: “..نقرر أيضا، أن العبودية شيء يمقته الرجال بشكل طبيعي، وأن العبد ليس من يعيش في العبودية فحسب، بل تشمل أيضا أي شخص ليس لديه سلطة حرة لمغادرة المكان الذي يقيم فيه، أو من تعرض للإخصاء فهو ليس حرا، أو متحررا من القيود إذا ما كانت بيده، أو محروسا بطريقة مهذبة”.
حددت “SietePartidas”، ثلاثة أنواع من العبيد من قبيل “أولئك الذين أسروا في الحرب والذين هم أعداء الإيمان، حيث يمكن ل “أعداء الإيمان” هؤلاء أن يحرروا أنفسهم من عبوديتهم من خلال “المعمودية القانونية”، وينطبق بشكل خاص على المسلمين الذين إذا تم استعبادهم يمكن أن يتحرروا عبر الوشاية عن أنشطة المسلمين الآخرين. يمكن للسادة أيضا تحرير عبيدهم من خلال صياغة عقود تنص على ذلك أمام 5شهود أو تنص على أنه يجب تحرير عبيدهم عند وفاتهم (أي وفاة الأسياد)”.
كانت قوانين العبيد في “SietePartidas”، مثل قانون العبيد الإسلامي، نتاج مجتمع كانت فيه العبودية ذات طبيعة منزلية بشكل أساسي. ينص قانون “ناير” على أحكام مماثلة ل“SietePartidas” والتي تشبه بعض قوانين العبيد في الشريعة الإسلامية. تم إنشاء قانون نوار” (أو الرمز الأسود) في فرنسا عام 1685من قبل الملك لويس الرابع عشر. ومن المثير للاهتمام أن توسع “العبودية السوداء” وإضفاء الطابع العنصري عليها في المغرب وفي المنطقة الأطلسية المجاورة كان يحدث في نفس الوقت.
إن سعي “مولاي إسماعيل” لإضفاء الشرعية على استعباد “المغاربة السود” في نفس الوقت الذي اعتمد فيه القادة الأوروبيون تدابير قانونية لتبرير استعباد السود يمثل تطورا مستقلا مذهلا، ينبع مع ذلك من جذور مشتركة في مفهوم البحر الأبيض المتوسط للعبودية والتقاليد الإبراهيمية.
إن أوجه التشابه هذه، هي الاعتراف ببعض الحقوق المستعبدين، وخاصة إمكانية استعادة المستعبدين لحريتهم. والأهم من ذلك، الحكم الذي أصر على أن يتبع الأطفال وضع أمهاتهم بغض النظر عن وضع الآباء، وبالتالي السماح ببعض التنقل التصاعدي.لكن في المستعمرات والمزارع، تم تقييد هذه الأحكام “الليبرالية” أو إلغاؤها، فعلى سبيل المثال يحظر قانون 1724في ل”ويزيانا” الزواج بين البيض والسود. كانت هذه المراجعات اللاحقة، مشابهة ل”قانون العبيد الاستعماري البريطاني” و”قانون العبيد الأمريكي” لاحقا، وهنا تكمن الاختلافات بين الغرب قبل الحرب والمفاهيم الإسلامية للعبودية.
خلال توسع الإسلام، تم جمع العبيد من بين المحتلين. بالإضافة إلى أسر العبيد في جنوب وغرب وشرق “شبه الجزيرة العربية” بعد تحركات الجيوش الإسلامية، تم أخذ العبيد في غارات على الشواطئ الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. في الواقع، حتى القرن ال19 تم جلب العبيد من أصول مختلفة إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كما أثبتت جنوب شرق أوروبا والشواطئ الشمالية للبحر الأسود أنها مصادر وفيرة للعبيد. كان السلاف (باللغة العربية “السقالبة”) إحدى المجموعات المستغلة بشكل خاص، كما تم استيراد عدد كبير من العبيد من آسيا الوسطى. هذه الممارسة سارت في كلا الاتجاهين. أصبحت هذه المصادر غير موثوقة أكثر فأكثر في نهاية العصور الوسطى في أوروبا.
ازدادت غارات الرقيق في غرب إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، وأصبحت أكثر شيوعا عندما بدأ إمداد العبيد (من المشتريات وأسرى الحرب) من مناطق أوروبا مثل “شبه الجزيرة الأيبيرية” و”القوقاز” و”البحر الأسود” في التضاؤل، بمجرد أن خمدت الحروب التي خاضتها السلطنات الإسلامية. تحولت الدول الإسلامية جنوبا إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، واستعبد مسلمو شمال إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشرق إفريقيا، إذ كانت هذه من بين المصادر الأولى والأخيرة.


الكاتب : ترجمة: المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 18/03/2024