“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور : 7 – أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول الردة عمل وسلوك مثل باقي السلوكيات

 

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص) ،لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

يواصل  الدكتور محمد شحرور، طرح  أسئلته المتعلقة بموضوع تجفيف منابع الإرهاب، وهي الأسئلة  التي أجاب عنها بالتفصيل  في هذا  الكتاب،حيث تساءل  عن مفهوم الجهاد والقتال في مصطلح الأمة وفي مصطلح  القومية وفي مصطلح الشعب؟.ومتى يجاهد الإنسان على أنه فرد من أمة، ومتى يجاهد على أنه فرد من قومية، ومتى يجاهد على أنه فرد من شعب؟ بمعنى  أن  المفكر  محمد شحرور، أراد من خلال ذلك ، تحديد  ما أسماه بالعقيدة القتالية للأفراد، وكذلك  يقاتل الناس في مجموعات تشكل الجيش، أي  ما يسمى بالعقيدة القتالية للجيوش.
من  هنا  ينتقل  إلى  مسألة أخرى  التي  كثيرا  ما  أثارت نقاشات  بين الفقهاء  منذ صدر  الإسلام، ويتعلق الأمر بمسألة الردة، التي هي مفردة قرآنية ،يقول المفكر محمد شحرور،وردت  مشتقاتها في تسعة وخميسن موضعا في التنزيل الحكيم، وتحمل عددا من المعاني.
واستند  أيضا  هنا  على ما جاء به  الزمخشري في “أساس البلاغة”، حيث أورد أكثر من عشرين وجها من وجوه معانيها على الحقيقة، وأكثر من عشرة وجوه على المجاز، ورأى الدكتور محمد شحرور، أنها تدور حول بضعة محاور لاتتعداها، سواء في مواضعها في التنزيل أو في وجوه معانيها  عند أهل اللسان. لكنه ركز في بحثه  على محورين ، إذ يرى   أن الرد أتى بمعنى الإرجاع والإعادة كما  في قوله تعالى في سورة القصص  “فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن”، و كذلك  في سورة البقرة “ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا “،وكذا في سورة يوسف “ولما فتحوا  متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم”.
لكن يضيف محمد شحرور، أن الرد أتى  بمعنى المنع والصد  والإحجام كما جاء في سورة الأنبياء “بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولاهم ينظرون”، وفي سورة يونس “وإن يردك بخير فلا راد لفضله “وفي سورة الرعد “وإذا أراد لله بقوم سوءا فلا مرد له”، وفي سورة المائدة، يقول لله سبحانه وتعالى “ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب لله لكم ولاترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين”.
ووقف  محمد شحرور  عند آيتين كريمتين تحديدا، ويتعلق  الأمر بما جاء في سورة البقرة، “ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة” وأما الآية الثانية من سورة المائدة “يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي لله بقوم يحبهم  ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل لله ولا يخافون لومة لائم”.
انطلاقا  من هاتين الآيتين، عرف محمد شحرو،  الردة  بأنها سلوك وعمل  تماما كما هو الإيمان الذي هو سلوك وعمل، وكما الكفر والشرك  الذي تم تعريفه بأنه موقف وسلوك وعمل،ولما كانت السلوكيات والأعمال هي المعيار الذي يتقرر على أساسه الثواب والعقاب يوم الحساب بدلالة قوله تعالى  في سورة الزلزلة “يومئذ يصدر الناس أشتاتا  ليروا أعمالهم  فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره  ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره “، ويرى  أن الردة عن الدين أحد هذه الأعمال التي يختارها الإنسان لنفسه، ويتقرر مصيره على أساسها إلى الثواب أو العقاب.وفي إطار تعريف موضوع الردة، يقول محمد شحرور، لابد للردة والارتداد من موضوع ومحل تتجلى فيه، ويضيف  أن ذلك يأتي جوايا عن سؤال منطقي،  يتعلق ب الارتداد عن ماذا؟ ويجيب أن الجواب في كلتا الآيتين هو الدين، والدين  يرى شحرور، هو المنهج السلوكي العام بدءا من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والعمل الصالح، والحد الأدنى هو الإيمان بالله واليوم الآخر  والعمل الصالح، إذ يكفي هذا الحد الأدنى للدخول إلى الإسلام مرورا بالإئتمار بأوامر لله تعالى والانتهاء عن نواهيه، ثم أداء أركان الإيمان  من صلاة وزكاة وصوم وحج، وذلك تحت عنوانين  رئيسيين، الأول شهادة أن لا أله إلا لله وهي رأس الإسلام ،والثاني  شهادة أن محمدا رسول لله وهي رأس الإيمان، ثم الالتزام خلال ذلك كله بالمثل العليا والأخلاق الحسنة المحمودة.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 02/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *