“تجفيف منابع الإرهاب” للدكتور محمد شحرور 11- أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول وفاة الرسول لم تخلق  فراغا دينيا

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

الحياة  هي الأخرى لم تنج من ثقافتنا ،فهي، يقول محمد شحرور، ليست ذات قيمة، ويوضح قائلا: فالأعمار  مكتوبة سلفا ، لكن الأطباء يعاملون المرضى كما يعامل عامل المخبر فئران تجارب، إن ماتت فالمكتوب أنها ستموت بهذه اللحظة.
الأمر بالنسبة لكتاب “تجفيق منابع الإرهاب “لا يقتصر على هذه الفئة، بل يمتد إلى المشايخ ،الذين يؤنبون يوميا الناس على حب الحياة والحرص عليها، علما أن حب الحياة وكره الموت فطرة فطر الله كل مخلوقاته عليها  عاقلة وغير عاقلة، ومن هناك، يقول الدكتور محمد شحرور، لا عجب مما نراه من استهتار بالحياة الإنسانية، ونحن نرى إنسانا يقتل نفسه مع آخرين لايعرفهم أصلا، فيهم النساء والشيوخ والأطفال، ويفسر ذلك، بكون الإنسان الذي يفعل ذلك يحمل ثقافة مريضة.
ويرى أن وفاة الرسول الأعظم، لم تخلق فراغا دينيا، لا على المستوى العقائدي ولا الشعائري أو القيمي أو التشريعي، وهذا مانفهمه من قوله تعالى في سورة المائدة “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا “، لكن بالمقابل تركت فراغا سياسيا، لأنه كان المؤسس فقط، وأسس لمجتمع  مدني تعددي، فكان قفزة إلى الأمام في التاريخ  ولم يكن لحظة واحدة ملكا ولا رئيس دولة بل كان نبيا ورسولا، فالدولة بحاجة إلى من يقودها ويديرها، ويرى أن الإجراءات التي تم اتخاذها في اجتماع السقيفة  كانت محاولة لتعددية سياسية يقول فيها الأنصار للمهاجرين ،منا وزير ومنكم وزير أو ما يسمى اليوم  الائتلاف السياسي، ولاعلاقة لها بالإسلام ولا بالإيمان، مع ذلك يقول المفكر السوري، دخلت وعينا السياسي بذاتها وبما أحدثته من آثار لاحقة  كأحكام شرعية يقاس عليها، منطلقين في ذلك  من مفهومين، عصمة الأئمة وعدالة الصحابة، ثم تلى ذلك حروب الردة  وتبعتها الحروب الأهلية في الجمل وصفين وغيرها ،ليبدأ بعدها ترسيخ الحكم الوراثي على يد معاوية  مؤسس حكم الأسرة السفيانية في العصر الأموي.
وكانت هذه هي المرحلة الانتقالية يقول محمد شحرور، من العهد النبوي إلى الدولة الإمبراطورية المتناغمة والمنسجمة مع الدول في العالم في ذلك الوقت.
ويعود الدكتور محمد شحرور متأملا في مصطلح الردة، وكيف نشأ في العصر الراشدي، وكيف تحدد هذا المفهوم ودخل ثقافتنا ووعينا السياسي والديني ولا يزال إلى يومنا سلاحا أساسيا للقضاء على المعارضة بكل أنواعها.
كل ذلك  جعل صاحب كتاب “تجفيف منابع الإرهاب “يتساءل، عن ماهية الردة  ومن هو المرتد، ولماذا نجد المرتدين في التنزيل الحكيم يوصفون بالخاسرين التي حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة دون تحديد للعقوبة الدنيوية؟.
هذه الأسئلة، تقوده إلى طرح سؤال آخر، هل نفهم من ذلك يقول، إن لله سبحانه وتعالى، عنى بذلك أن يترك أمر تحديد العقوبة للسلطان الإمام وفق معطيات الحالة وظروفها الزمانية والمكانية، وهل كان الحكم النبوي على المرتد بالقتل يدخل ضمن هذا القصد الإلهي، وهل يشمل مفهوم الردة الخروج عن الجماعة إطلافا أيا كانت هذه الجماعة، والخروج عن السلطان الحاكم، وهل الارتداد عن البيعة ارتداد عن الدين ،وماعلاقة الردة بحرية الاختيار؟.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 07/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *