تخليد الذكرى 91 لمعركة بوغافر البطولية

مناسبة لاستحضار ملاحم الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال

وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية

 

يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير وساكنة إقليم تنغير في هذه السنة الذكرى 91 لمعركة بوغافر المجيدة التي خاض غمارها أبناء قبائل آيت عطا المجاهدة دفاعا عن حرية الوطن وعزته وكرامته، والتي تعتبر محطة بارزة في تاريخ كفاح الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد في سبيل الحرية والاستقلال وتحقيق السيادة الوطنية والوحدة الترابية.
ففي يوم 13 فبراير من سنة 1933، حاولت القوات الاستعمارية الفرنسية التوغل في الجنوب الشرقي المغربي والسيطرة على منطقة صاغرو وإخضاع قبائل آيت عطا التي شكلت سدا منيعا أمام توسعها، حيث شنت أول هجوم على المجاهدين الذين لجأوا إلى جبل صاغرو باعتباره منطقة استراتيجية تتيح لهم مواجهة القوات الاستعمارية الفرنسية لوعورة التضاريس، مبرهنين ومعلنين بذلك عن رفضهم الخضوع للمحتل الأجنبي الذي لم يفلح رغم أسلحته الفتاكة وجيوشه الجرارة وعتاده المتطور في تشتيت صف المجاهدين وتفكيك وحدتهم المتراصة بفضل إيمانهم القوي بعدالة قضيتهم وتمسكهم المتين بمبادئهم وأفكارهم الوطنية وقيمهم الدينية.
وفي شهادة حول ضراوة المعارك وشراستها، يقول أحد الضباط الفرنسيين وهو النقيب دوبورنازيل: «… كان هناك تقدم ملموس لكن بعدما تحملنا خسائر فادحة، وبالليل كنا نختبئ بين الصخر ولا نستطيع التقدم مع أن أمامنا عدد كبير من الأعداء، حينئذ طلبنا الدعم أثناء الليل».
وفي نفس السياق، يقول الأكاديمي الفرنسي هنري دوبوردو: «لم يستطع الهجوم تحقيق هدفه لأن المقاومة كانت على أشدها ضارية ومنظمة وكشفت عن وجود رئيس وعن تنظيم محكم طويل».
وفي مواجهة المقاومة الشعبية الباسلة وصمودها واستماتة المجاهدين وشجاعتهم التي استحال معها على القوات الاستعمارية اقتحام جبل بوغافر، لم تجد قوات الاحتلال بدا من التراجع وإعادة ترتيب خططها في محاولة لتصحيح أخطائها ولتدارك إخفاقاتها في هذه المعركة، فاضطر الجنرال «هوري»، وهو القائد العام للقوات الفرنسية إلى استدعاء الجنرالين «كاترو» و»جيرو»، وتولــى بنفسـه تدبيـر العمليـات بقصـف مواقـع المجاهديــن ومحاصرتهــا باستعمـال المدفعية والطيران طيلة المدة من 21 إلى 24 فبراير 1933 في محاولة فاشلة ويائسة لإرغام المقاتلين وعائلاتهم على الاستسلام.
وأمام هذه الروح القتالية العالية، اضطر قائد منطقة مراكش للتخلي عن القيادة بعد إصابته بجروح خلال المعارك، وتوالت الهجومات على معاقل المقاومين واستمر القصف ليل نهار واشتد الحصار بعد أن أغلقت كل الممرات والمعابر، غير أن ذلك لم يزد المجاهدين إلا إصرارا وثباتا على المقاومة والكفاح، إذ ازداد حماسهم بعد شيوع خبر مصرع الضابط الفرنسي «بورنازيل»، وما واكب ذلك من ارتباك وتصدع في صفوف القيادة العسكرية الفرنسية التي تأكدت من عجزها على حسم الموقف عسكريا فعمدت إلى فرض حصار اقتصادي.
وهكذا، ستتم مراقبة منابع المياه ونقط عبور المجاهدين والمقاومين، وقد ترتب عن تطويق المنطقة وحصارها كثرة الوفيات في صفوف الأطفال والشيوخ، ولم يكن لهذه الوضعية أن تثبط همم وعزائم المجاهدين أو تنال من صمودهم وثباتهم إلى أن قر العزم على الدخول في حوار مع القبائل الثائرة يوم 24 مارس 1933 وإعلان الهدنة وبدء المفاوضات مع القائد البطل عسو باسلام، زعيم المجاهدين والرجل المتمرس، والمجاهد المغوار الذي بفضل حنكته السياسية وخبرته القتالية، قاد المعارك والعمليات النضالية ضد الجيوش الاستعمارية الجرارة. وقد أسفرت هذه المفاوضات عن قبول وضع السلاح من جانب المجاهدين وفق شروط تضمن حرية قبائل آيت عطا وتصون كرامتهم وكرامة عائلاتهم.
وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر بفخر وإكبار هذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس والعبر والطافحة بالمعاني والقيم، تجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية ومغربية الأقاليم الصحراوية المسترجعة، وتؤكد وقوفها ضد مناورات خصوم وحدتنا الترابية ومخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل ولا مساومة في شبر منه. وستظل بلادنا متمسكة بروابط الإخاء والتعاون وحسن الجوار والسعي في اتجاه بناء الصرح المغاربي وتحقيق وحدة شعوبه، إيمانا منها بضرورة إيجاد حل سلمي واقعي ومتفاوض عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية. وفي هذا النطاق، تندرج مبادرة منح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة المغربية.
وفي هذا المضمار، تستحضر ما ورد في الخطاب الملكي السامي لجلالته حفظه الله، يوم الاثنين 06 نونبر 2023 بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذي أكد فيه جلالته على التزام المغاربة الدائم والمستمر بروح قسم المسيرة الخضراء وعلى مواصلة مسلسل البناء والتشييد والتنمية بالأقاليم الجنوبية المسترجعة. كما رسم هذا الخطاب التاريخي خارطة طريق تنموية واستثمارية للواجهة الأطلسية للمملكة بغية تحقيق التواصل الإنساني والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي، حيث قال جلالته:
«لقد مكنت المسيرة الخضراء، التي نحتفل اليوم بذكراها العزيزة، من استكمال الوحدة الترابية للبلاد.ووفاء لقسمها الخالد، نواصل مسيرات التنمية والتحديث والبناء، من أجل تكريم المواطن المغربي، وحسن استثمار المؤهلات التي تزخر بها بلادنا، وخاصة بالصحراء المغربية (…) غايتنا أن نحول الواجهة الأطلسية، إلى فضاء للتواصل الإنساني، والتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي».
واحتفـاء بهاته المعلمـة التاريخيـة المجيـدة، تنظم المندوبيـة الساميـة لقدمـاء المقاومين وأعضاء جيش التحرير يومه الثلاثاء 23 ابريل 2024 برنامجا للأنشطة والفعاليات بإقليم تنغير يشتمل على، وقفة ترحم على شهداء الحرية والاستقلال بجماعة اكنيون على الساعة العاشرة والنصف صباحا، يعقبها إعطاء انطلاقة أشغال بناء فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير باكنيون.
وعلى الساعة الثانية عشرة زوالا سينظم بقاعة الاجتماعات بعمالة إقليم تنغير مهرجان خطابي بحضور السلطات الإقليمية والمحلية والمنتخبين ونشطاء المجتمع المدني والعمل الجمعوي والمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير، تلقى خلاله كلمات وشهادات للإشادة بفصول هذه الملاحم البطولية وإبراز مكانتها المتميزة في تاريخنا الوطني الطافح بروائع النضالات من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية واستكمال الوحدة الترابية.
وبذات المناسبة، سيتم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وتوزيع إعانات مالية على عدد من أفراد هذه الأسرة الجديرة بموصول الرعاية وشامل العناية والإحاطة.


بتاريخ : 23/04/2024