ترهّل وضعف تقييم البرامج والاستراتيجيات … استمرار معاناة الصحة من مرض سوء الحكامة المزمن

شخّص التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و 2020 مجموعة من الأعطاب المرتبطة بالحكامة على مستوى قطاع الصحة، إذ بمجرد رفعه أمام جلالة الملك تطبيقا لمقتضيات الفصل 148 من دستور المملكة وكذا المادة 100 من القانون 62.999 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، فسح المجلس المجال أمام الرأي العام وعموم المهتمين للوقوف على تفاصيل التقرير الجديد، الذي يشكل إلى جانب الفلسفة المالية التي تقوم عليها تدقيقات واستشارات المجلس، قيمة مضافة على مستوى متابعة تنفيذ السياسات القطاعية في جزئيتها والعمومية في كلّيتها.
وأكد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، الذي يخص فترة استثنائية ارتبطت بالجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 بمختلف تبعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، استمرار معاناة قطاع الصحة من مرض سوء الحكامة المزمن، وهو ما يتجسد في مجموعة من المظاهر، على رأسها عدم إحداث المجلس الوطني الاستشاري للصحة واللجنة الوطنية لعرض العلاجات، في حين أن الهيئات التي تم إحداثها إما تعاني هي الأخرى من عدم التفعيل، أي أنها تعتبر هيئات شكلية، أو أنها ذات دينامية ضعيفة، كما هو الحال بالنسبة للجان الجهوية لعرض العلاجات والمرصد الجهوي للصحة.
ولامس التقرير عطبا آخر، لطالما نبّهت إليه التنظيمات النقابية والمهنية الصحية ومختلف الفاعلين المعنيين بالشأن الصحي وعلى رأسهم المهنيين، والمتمثل في الخريطة الصحية التي لم تتجاوز، وفقا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات، مرحلة المسح الشامل لعرض الرعاية الصحية الحالي، وهو ما نبّهت إليه «الاتحاد الاشتراكي» في مناسبات عديدة، حتى يتأتى تطوير عرض العلاجات وتجويده ويسمح بتحقيق عدالة صحية مجالية. وأوصى المجلس الأعلى للحسابات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على إثر ذلك، بوضع نظام حكامة يتلاءم مع المنظومة الصحية الوطنية يكون قابلا للتطبيق، إلى جانب العمل على تفعيل جميع هيئات وآليات الحكامة لضمان تفعيل هذا النظام في شموليته، مشددا على ضرورة تقييم فعاليته ونجاعته ووقعه على تدبير المنظومة الصحية عامة وعلى عرض العلاجات على وجه الخصوص.
ووقف التقرير، في الشق المرتبط بعملية التخطيط الاستراتيجي والاستراتيجيات التي تم وضعها من طرف الوزارة التي تخص الفترات 2012-2008 و 2016-2012 ثم خطة الصحة 2025، عند غياب التأطير والتوثيق بشكل كاف، في حين أنه على مستوى التتبع لم يتم دعم هذه الاستراتيجيات بالمؤشرات الملائمة التي ينبغي وضعها لقياس درجة تحقيق الأهداف المحددة مسبقا، فضلا عن ضعف في إعداد حصيلة الإنجازات، وفي القيام بمهام التقييم عند منتصف ونهاية المدة، وفي إعداد التقارير الخاصة بالإنجاز استنادا على الأهداف الاستراتيجية التي تم تحديدها، وهو ما يحدّ من عملية تقييم مدة تحقيق الأهداف التي سطرتها هاته الاستراتيجيات، الأمر الذي يؤكد استمرار عطب لطالما تم التنبيه إليه في ارتباط بالسياسات العمومية في شموليتها والقطاعية أو المجالية في محدوديتها.
وعلى مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين في مصالح المستعجلات، أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن دراسة بيّنت حجم الاكتظاظ الذي تعاني منه هذه المصالح ومدى تأثير ذلك على جودة الخدمات، بالإضافة إلى غياب إطار قانوني خاص بها من شأنه تحديد مهامها وتنظيم أنشطتها، منبها إلى أن إحداث المستعجلات الطبية للقرب الذي يروم تقريب هذه الخدمات من ساكنة المناطق النائية اعترته هو الآخر عدّة أعطاب، بالنظر إلى أن بعض المناطق لا تتوفر على هذا النوع من المصالح رغم إحداث 80 مركزا تمت برمجتها ما بين 2012 و 2016، كما أن عدد الأسرّة المخصصة للمستعجلات والإنعاش في المؤسسات الاستشفائية لبعض الجهات يبقى محدودا. وأبرز التقرير أنه تم منح مبالغ جزافية تتراوح ما بين مليون ومليوني درهم لواحد وثلاثين مؤسسة استشفائية في إطار مخطط العمل 2012-2016 لإنجاز أشغال تهيئة ودعم المرافق التقنية الخاصة بالمستعجلات إلا انه وفضلا عن المشاكل التقنية التي عرفها إنجاز هذه الأشغال فإن تحسين جودة الخدمات بهذه المصالح لم يرق إلى الأهداف المرجوة.
وبخصوص المراكز الاستشفائية الجماعية التي شملتها رقابة المجلس الأعلى للحسابات بتعاون مع المجالس الجهوية والتي بلغ عددها خمسة، في كل من وجدة والراشيدية وسوس ماسة والداخلة وكلميم، إضافة إلى ثلاثة مراكز استشفائية إقليمية بكل من خريبكة وورزازات والقنيطرة وكذا المستشفى الإقليمي بالعرائش، فقد تم الوقوف على ملاحظات ذات طابع بنيوي ومشترك تهم تقادم البنيات التحتية الاستشفائية والبنايات وقلّة صيانتها، مما يجعلها غير مناسبة لتقديم خدمات ملائمة للمرضى، فضلا عن ضعف طاقتها الاستيعابية والنقص في المعدات الطبية والتقنية الأساسية، إلى جانب الخصاص في الأطر الطبية وشبه الطبية، ونفس الأمر بالنسبة للموظفين والإداريين والتقنيين، دون إغفال التوزيع غير المتوازن للموارد البشرية على المستوى الترابي ومحدودية مردوديتها خاصة في المناطق النائية.


الكاتب : إعداد: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 16/03/2022