تزايدت أعداد «المصابين» بها في أكثر من مدينة : «عدوى الجمال» تواصل الانتشار داخل عشرات الأحياء الشعبية

«لقد فكرنا في كيفية استغلال فترة الحجر الصحي بشكل جيد وتحويلها لفرصة للقيام بما يفيد الحي وساكنته»، «لم نعد نطيق سماع أخبار سلبية عن الحي، تتحدث عن المخدرات والاعتداءات والسرقات، وحاولنا رسم صورة مغايرة تعيد الاعتبار لعموم قاطنيه…»… إنها عينة من ارتسامات بعض أبناء حيي سباتة وليساسفة بالدارالبيضاء، بشأن مبادرات «تزيينية»’ أضفت رونقا لافتا على واجهات المنازل و مداخل الأزقة، وأيقظت في النفوس جذوة أمل إمكانية التصدي لمظاهر القبح، انطلاقا من تحمل المسؤولية الذاتية بهدف تحقيق التغيير، كما يستشف من مبادرة شاب أفلح في تحويل سطح منزل أسرته بحي الفرح إلى «معرض جداريات تسر الناظرين».
مبادرات تذكر المنشغل بأحوال المجتمع – بشتى تمظهراتها – بما تعيش على إيقاعه، منذ سنوات، العديد من مدن وأقاليم جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، من «تنافس» نموذجي بين سكان «الأحياء الشعبية» في ما يخص تقديم أرقى الصور عن هذا الحي أو ذاك، والاجتهاد من أجل إبقائه في منأى عن كل الملوثات، مادية كانت أو معنوية.
ونستحضر هنا – على سبيل المثال لا الحصر – تجربة مميزة، سبق أن طبعت الصورة العامة لبعض أحياء «المدينة القديمة» لطنجة : شارع الأطلس بحي السواني، أزقة حي جنان القبطان، حي الإنعاش، حي ابن بطوطة القريب من سوق «كاسبريطا «الذائع الصيت…، والتي شكلت برهانا على أن المواطن بإمكانه توفير شروط العيش السليم في محيطه، وحماية هذا الأخير من مختلف عوامل التلوث ذات التداعيات المدمرة على صحته كفرد، والصحة العامة للجماعة التي تقاسمه الاستقرار في نفس الفضاء.
إن ظاهرة «التنافس الجمالي» – إن صحت التسمية – التي تفشت «عدواها»، مؤخرا، بشكل لافت في العديد من المدن، على امتداد الجهات ال 12 لجغرافية البلاد، في ظل موجة «المبادرات» الإيجابية الساعية إلى القطع مع العديد من «النقائص» المجتمعية، تشكل «مجالا «خصبا للقراءة المتأنية لمؤشرات تحمل في طياتها دلالات عميقة. كيف لا والأمر يتعلق بتصرفات ومسلكيات «راقية» يتمنى المرء أن تنتقل «عدواها» – عكس عدوى كورونا التي نرجو إبادتها سريعا – إلى مختلف الدروب و«الحومات»، في كافة المدن والقرى، وذلك في أفق التخلص من مظاهر «البشاعة» التي تئن تحت وطأتها العديد من التجمعات السكنية في أكثر من جهة، علما بأنها مبادرات شبابية، وسكانية خالصة، استقر قرار أصحابها على مغادرة مقعد المتفرج المنتظر لالتفاتة من قبل «الجهات المسؤولة» قصد إحداث «تغيير» لا يتطلب تخصيص ميزانية ولا اعتقالا في قيود البيروقراطية، بقدر ما يستدعي توفر إرادة عمل صادقة.
خطوات تعيد إلى الواجهة استعجالية العمل على التنزيل الناجع للمقاربة التشاركية في تدبير الشأن المحلي، والتي نص عليها دستور فاتح يوليوز 2011، وذلك من خلال اعتراف العديد من مسيري المجالس الجماعية، بأن سكان هذا الحي أو ذاك، لهم من الكفاءة والقدرة ما يجعلهم مؤهلين للعب دور الشريك الأساسي والمحوري في وضع أي برنامج يتوخى تنمية محيطهم وتطويره. فهم الأدرى بحاجياتهم وتراتبيتها ، ومواطن النقص المحتاجة لاتخاذ تدابير استعجالية، وكذا نقط القوة المنتظرة لإجراءات الدعم والإسناد…
إنها مبادرات تستوجب تعاطيا مغايرا مع مختلف المشاكل والإكراهات المتعددة الأوجه التي تحبل بها يوميات قاطني غالبية «الأحياء الشعبية»، من قبل من أنيطت بهم مسؤولية تمثيليتهم في المجالس المحلية، يقطع مع اعتبارهم مجرد «خزان انتخابي» – بكل ما في العبارة من إساءة لذكائهم – لا تستحضره الأجندات المناسباتية إلا كلما دق ناقوس شد الرحال صوب صناديق الاقتراع التي باتت ، للأسف، تعاني من الهجران والعزوف؟


الكاتب : حميد بنواحمان

  

بتاريخ : 15/06/2020