تفاصيل إيقاع أمن مراكش بشبكات دولية لقرصنة أرصدة زبناء الأبناك

 

اختفاء ممنهج وتدريجي لمبالغ مالية من أرصدة زبناء بعض الوكالات البنكية، كان شرارة الإنذار التي نبهت المسؤولين عن هذه المؤسسات المالية إلى وجود عملية كبيرة لقرصنة حسابات زبناء بطرق استفادت من الطفرة التكنولوجية التي سمحت بالوصول إلى هذه الحسابات والسحب منها دون أن يدري أصحابها بذلك. الآلة الأمنية تحركت بسرعة من أجل محاصرة هذه العمليات الإجرامية التي لم تكن الأولى والتي تكررت ثلاث مرات على الأقل في النصف الثاني من سنة 2019، وتتبع خيوطها والعمل على الإيقاع بالضالعين فيها.
كانت استشارة الشباك الأوتوماتيكي أشبه بلسعة عقرب لدى العديد من المواطنين، الذين فوجئوا باختفاء مبالغ مالية من حساباتهم الشخصية لم يكونوا قد سحبوها، فتقاطرت الشكايات على الوكالات البنكية بخصوص هذا النزيف المريب لأرصدة الزبناء، لتنطلق عملية المراقبة في محاولة للإجابة عن هذا السؤال اللغز.
لم يطل الانتظار طويلا حتى رصدت كاميرا للمراقبة بوكالة بنكية توجد بحي جليز بمراكش قبل أسبوع، حركة مشبوهة من قبل أحد الأشخاص وهو يشغل جهازا إلكترونيا بالشباك الأوتوماتيكي للوكالة. لتتدخل عناصر الأمن بسرعة وتلقي القبض عليه ثم تخضعه للتحقيق الذي كشف تفاصيل العملية.
جاءت أولى المعطيات التي أسفرت عنها عملية إيقاف المشتبه به، من التفتيش الذي أجراه المحققون تحت إشراف النيابة العامة بغرفة الفندق الذي يقيم به، والتي أفضت إلى ضبط وحجز العشرات من البطائق البنكية الممغنطة الفارغة، ومعدات تستعمل في نسخ وقرصنة المعطيات البنكية من الشبابيك الأوتوماتيكية، ومبالغ مالية من العملة الوطنية والأجنبية عززت الشكوك في أنها حصيلة العمليات التي قام بها المعني، إضافة إلى معدات إلكترونية أخرى.
تعميق البحث مع المشتبه به قاد إلى اكتشاف حقائق أهم، تتمثل في أن الأمر يتعلق بعملية ممنهجة للسطو على حسابات زبناء الأبناك من قبل شبكة مكونة من عناصر حاملين لجنسيات أجنبية دخلوا إلى التراب الوطني كسياح، ونفذوا عمليات مماثلة أوقعت عددا من الضحايا. وهو ما استنفر المجهود الأمني للبحث عنهم، وتنبيه الأبناك إلى هذه العمليات الخطيرة، ومواصلة البحث عن شركاء محتملين لهذه الشبكة.
التحقيق الذي باشرته الفرق الأمنية المختصة أفضى إلى أن هذه الشبكة استعملت معدات إلكترونية استهدفت بها الشبابيك الأوتوماتيكية لقرصنة البيانات الخاصة للزبناء، وتحميلها في بطاقات مغناطيسية فارغة واعتمادها في سحب الأموال المسروقة من أرصدة الضحايا بمدن مختلفة من تراب المملكة.
خطورة هذه العملية دفعت مديرية المراقبة ببنك المغرب إلى تحذير الأبناك من عمليات مماثلة، منبهة إلى أن منفذيها يستعملون وسائل تتكون من قارئ للشريط المغناطيسي والذي يتم تثبيته على فتحة تقديم البطاقة البنكية، لتتمكن من استنساخ المعطيات المالية المخزونة داخل الشريط المغناطيسي للبطاقة، إضافة إلى “كاميرا” من الحجم الصغير توضع تحت غلاف بلاستيكي بمكان إخراج الوصل البنكي، والذي يتم بواسطته تسجيل الأرقام السرية التي يكتبها المستعمل في لوحة المفاتيح الرقمية.
أمن مراكش سبق له أن تمكن عدة مرات من محاصرة نشاطات مماثلة يكون فاعلوها في غالب الحالات أجانب. وكان أبرزها عملية إيقاف مواطن منحدر من أوروبا الشرقية يبلغ من العمر 32 سنة، خلال شهر يوليوز من السنة الجارية، حيث مكنت الأبحاث التي قامت بها مصالح الشرطة القضائية بالمدينة من توقيف المعني الذي دخل إلى التراب الوطني كسائح، متلبسا بإنجاز عملية سحب مالي من إحدى الوكالات البنكية بوسط مدينة مراكش، وأسفرت عملية التفتيش بالفندق الذي يقيم فيه عن حجز العشرات من البطائق البنكية المغناطيسية الفارغة، ومعدات تستعمل في نسخ وقرصنة المعطيات البنكية انطلاقا من الشبابيك الأوتوماتيكية، فضلا عن معدات معلوماتية متنوعة، وكذا مبالغ مالية بالعملة الوطنية والأجنبية يشتبه في أنها من متحصلات نشاطه الإجرامي.
كما سبق لذات المصالح أن أوقفت ثلاثة أشخاص يحملون الجنسية الفرنسية، من أصول مغربية وجزائرية وتركية بأحد الفنادق المصنفة بمراكش، كانوا موضوع مذكرة بحث دولية، وبحوزتهم أزيد من 10 بطائق بنكية مزيفة، للاشتباه في تورطهم في تزوير واستعمال بطائق بنكية مزيفة.
وقبل ذلك أوقفت مواطنا تركيا كان بصدد مغادرة المغرب عبر مطار مراكش، تبين أنه موضوع مذكرة بحث دولية بسبب نشاط مرتبط بتورطه ضمن شبكة مكونة من عناصر أجنبية مختصة في قرصنة البطائق البنكية والاستيلاء من خلالها على أرصدة الزبناء، حيث بينت التحقيقات أن الموقوف وشركائه قاموا بعمليات مماثلة عابرة للحدود في عدد من البلدان كروسيا وأوكرانيا وتونس ومصر وتركيا. وبينت نتائج التحقيقات أن الأموال التي استولوا عليها من أحد الأبناك المغربية تجاوزت 745,516.00 درهم مضافة إلى مبلغ 500.000 درهم من مؤسسة أخرى بشكل متزامن وفي ظرف وجيز. وقادت التحريات في هذه العملية إلى إيقاف مواطنين تركيين آخرين ضالعين في نفس النشاط الإجرامي، لتثبت التحقيقات أن الأمر يتعلق بشبكة إجرامية تتموقع بعدد من البلدان كروسيا وأوكرانيا وتركيا، ويتلقون التعليمات من قيادة هذه الشبكة ويستلمون معدات تنفيذ غاراتهم على الأبناك من خبراء في المعلوميات والقرصنة الإلكترونية يحملون جنسية روسية.
وكان من أهم الشبكات التي أوقفتها مصالح الأمن بمراكش في إطار نفس النشاط الإجرامي الشبكة المعروفة باسم « شبكة مرسيليا»، والتي يتكون أغلب عناصرها من مواطنين فرنسيين من أصول جزائرية يقيمون بمدينة مرسيليا. والذين أوقفوا بعد توصل الأجهزة الأمنية بمعلومات تفيد أن بعض الأجانب المقيمين بأحد الفنادق المصنفة بالمدينة يقومون باستعمال بطائق بنكية مزورة في سحب مبالغ مالية من شبابيك أوتوماتيكية ويترددون على كازينو المامونية الفاخر، لتسفر عملية التفتيش التي طالت غرفة أحدهم بالفندق عن حجز العشرات من البطائق البنكية المزورة ومبالغ مالية بالأورو والدرهم.


الكاتب : مكتب مراكش :  عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 28/12/2019