تكافؤ الفرص بالجامعات المغربية في محك الغش والسرقة العلمية

من المفارقات التي تستوقف المتتبعين لشؤون التعليم العالي في جامعاتنا المغربية، أن العقل الطامح إلى احترام الحقوق والواجبات العلمية، والذي يقضي وقتا كثيرا في الحديث عن تطبيق القانون للاحتماء من الانزلاقات الذاتية في تقييم الأعمال والأفعال، هو نفسه الذي يموه نفسه عندما يصبح القانون فعلا إجرائيا لحماية الأفراد وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في كل الميادين.
إننا نعني بتكافؤ الفرص، خصوصا في الموضوع الذي يهمنا (الغش والسرقة العلمية).. الغش في المراقبات وفي الإنتاجات العلمية والسرقة العلمية بكل أنواعها في التعليم الجامعي.
إن الطالب المغربي له حق الولوج إلى الجامعة، وحق التحصيل العلمي والمعرفي في كل التخصصات.. وعلى عاتق الجامعة واجب الالتزام بضمان هذا الحق.. وهذا يعني التزام كل المعنيين في الجامعة المغربية بالانصياع “القانوني” لتطبيق كل القوانين، في إطار ممارستها لواجباتها العلمية والأخلاقية والقانونية الملزمة بها.
ونذكر بالتخصيص تلك التي تهم موضوعنا، الذي هو تطبيق القانون المعمول به في حالة الغش والسرقة العلمية، أي تمكين كل الطلبة من مبدأ تكافؤ الفرص والنزاهة أثناء الامتحانات، وكذلك في إطار الإنتاج العلمي في كل مراحله، ومن ضمنها، احترام التقييم الذي تدلي به اللجنة أو الأستاذ، والذي يدخل في إطار تخصصهما المعترف به أكاديميا لتجنب ما يعبر عنه بانتحال الصفة العلمية وما شابهها، أي ادعاء تخصص ليس له الصفة القانونية والأكاديمية حسب ما ينص عليه القانون والأعراف الجامعية.
إن تكافؤ الفرص يعني باختصار، التخويل لكل طالب جامعي الحماية من كل عامل خارجي لا يمت لمفهوم الكفاءة بصلة، والابتعاد عن المزاجية وعلاقات الزبونية وشخصنة المشاكل أو المواقف، وهذا مدخل أساسي لتقييم الجهد والكفاءة لكل طالب، وتحصين الطلبة الذين يبذلون جهدا، اعتمادا على كفاءاتهم، للحصول على الدرجة التي يطمحون إليها ويستحقونها.
إلا أن واقع الحال يذهب في منحى آخر.. ففي حالة الغش والسرقة العلمية، يحل باستمرار، وفي أحايين كثيرة، نوع من التمويه العقلي لإغلاق الملفات، وربما الاعتماد على اعتقاد لا محل له في تدبير الأمر، وهو “التستر” بالمفهوم الديني للتعاطف، وحماية وضمان النجاح لأولئك الذين عندما يمرون من صراط التقييم من طرف المشرفين عليهم أو المتواجدين في لجن مناقشاتهم، يوجدون أنفسهم في حالة غش وسرقة علمية.
قد يقول قائل إنه من الممكن أن يقع من له حق التقييم في الخطأ، وهذا ممكن ووارد. وفي هذا الوضع يخول له القانون اللجوء للمسطرة المعمول بها في الوسط الجامعي، وطلب إعادة التصحيح .
إلا أن الأدهى، هو أن هناك تقييما للأعمال المقدمة في إطار البحوث أو في الامتحانات التي تخضع للعقل الإلكتروني، في إطار محاربة عدم احترام القوانين العلمية، وقد يؤكد ذلك العقل وجود خرق للأمانة العلمية، لكن للأسف يتم تكذيب ذلك، فيصبح هذا العقل الإلكتروني محل “عدم الثقة”، ومن تم ادعاء وانخراط المعنيين بالأمر في حملة شعواء ضد الأستاذ أو الأستاذة أو اللجنة التي لجأت لذاك التقييم لحفظ مبدأ تكافل الفرص وحماية الطلبة الذين اعتمدوا على قدراتهم لإنجاز أبحاثهم.. ومن باب العلم بالشيء، إن لهؤلاء حق خضوع أعمالهم للتقييم الإلكتروني من طرف من تخول لهم هاته المهمة، في إطار احترام القانون وأخلاقيات المهنة، وأيضا في إطار الالتزام وضمان مبدأ تكافؤ الفرص والسهر على مصلحة الطالب.
عكس ذلك، وفي أغلب الأحيان، وهذا ما يلاحظه الممارسون والمتتبعون، يقع تكتل لحماية الشخص الذي ارتكب الغش والسرقة العلمية المثبتة بالقرائن العلمية، و”هنا يتم توظيف” بعد الضرب بـ”مبدأ تكافؤ الفرص” عرض الحائط، مبررات من قبيل “عدم الضرر بالشخص الذي ارتكب في فعل الغش والسرقة العلمية أو بمستقبله”، وبالتالي لا يعوون حجم الضرر الذي سيلحق بالطلبة الآخرين الملتزمين بالقانون، ذوي الكفاءة… بل لا يقدرون تبعات الحيف الذي سيطالهم جراء التمييز الذي قد يبنى على المزاجية أو على أسباب أخرى ليست لها علاقة بالعلم.
والأدهى من كل ذلك، يعتبرونهم غير معنيين بالأمر، ولا يدركون أنهم بممارساتهم هاته، يقومون بفعل تمييزي لصالح الطلبة- المدانين بتهمة الغش والسرقة العلمية.
للأسف، إن هؤلاء لا يدركون حجم الحيف الذي يعانيه العاكفون على الدرس والمجدون والمطبقون للقوانين. وهذا الحيف المبني على التمييز له تأثير بالغ على مستقبلهم المهني والعلمي.
من جهة أخرى، ولسبب موضوعي، فقد يحصل هؤلاء الذين طالهم الحيف على نقط متوسطة أو جيدة، في حين يحصل الممارسون للغش وللسرقة العلمية، مع سبق إصرار وترصد، على نقط عالية تخول لهم الولوج للماستر ومسلك الدكتوراه، وبالتالي يسيرون في مسار الغش والسرقة، والنتيجة الحتمية أننا سنقصى الطلبة الجادين من هذا الحق، ونكفل عن وعي أو غير وعي للمحتالين على العلم والقانون الذهاب بعيدا في مسارهم العلمي، وربما يصبحون غدا أساتذة ومسؤولين عن أبناء الشعب وعن كل من يرى في الكفاءة وسيلة للارتقاء الفكري والاجتماعي. والملاحظ، أن من الاستراتيجيات التي يلجأ إليها الخارجون عن القانون الذي يحتكم له التعليم الجامعي، تجييش العواطف عند الطاقم الإداري والتعليمي والطلابي، أو التخويف والتهديد والوعيد واستغلال ذاتية الأساتذة للوصول إلى أهدافهم. وانطلاقا من هنا، تصبح تهمة الغش والسرقة العلمية ثانوية، ليحل محلها مفهوم الظلم أو المس بالشخص نفسه، ويجد الشخص (في صفته المهنية)، الذي يحترم مفهوم تكافؤ الفرص وحماية الجودة العلمية وإعطاء كل المصداقية للتعليم، (يجد نفسه) في مواجهة مريرة مع مجموعة من المواقف الداخلية أو حتى تدخلات خارجية لإحراجه أو الضغط علية للامتثال لطلب المنتحلين للعلم والمعرفة في الإطار الجامعي، ونصنف بسرعة هؤلاء إلى مجموعات وطوائف.
المجموعة التي تسعى إلى نيل الأجر بالمفهوم الديني المحض، والمجموعة التي تعتبر أن تقييم الطالب من طرف أستاذ آخر أو لجنة، هو ضرب لعلمها ومعرفتها، وترفض تقييم الزملاء الآخرين وتعتبرهم لا يرقون علميا لتقييم أعمال طلبتهم، كما يبذلون كل ما في وسعهم لإبطال تقييم العقل الإلكتروني. أما المجموعة الأخيرة فهي تعتمد شخصنة الفعل البيداغوجي، وتخرجه من إطاره المهني والعلمي، لتخلق صراعا وهميا بينه وبين المعني بالأمر.. بل تلجأ في أغلب الأحيان إلى تجييش الطلبة المعنيين بالغش والسرقة والزملاء، وتجعله محل اعتداء لفظي عن طريق استعمال الشبكات الإلكترونية أو المس بسلامته الجسدية.
إن أغلب هؤلاء المجموعات تؤمن بمبدأ تكافؤ الفرص في شقه النظري فقط، وليس كفعل إجرائي ضامن للمساواة بين كل المواطنين في إطار المنافسة المشروعة. إنني أؤمن بأنه لا يمكن للبحث العلمي أن يخلق قفزة نوعية، ويبوئ المغرب مراكز متقدمة، بدون تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وحماية أصحاب الكفاءات… وأسهل طريق لذلك هو خلق مكتب لمراجعة البحوث بشكل أوتوماتيكي، ومراجعة حالات الغش في المراقبات الأكاديمية، كما هو معمول به من طرف لجان أخلاقيات البحث العلمي، وهذه اللجان تسهر على تطوير عدد من البرامج والاستراتيجيات الكفيلة بمراقبة وتتبع مختلف الأنشطة والأفعال التي تنتمي لمجال البحث الأكاديمي بمختلف مراحله. لقد طورت مجموعة من لجان الأخلاقيات بعالمنا اليوم عددا من البرتوكولات الإجرائية والواقعية التي يكمن هدفها في ضمان احترام أخلاقيات البحث، ومن بينها، تجنيبنا لآفة الغش والانتحال والسرقة العلمية… وهي ظواهر مستفحلة ومخيفة، يسجلها الأساتذة والمؤطرون في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، مما يجعلها تضرب بقوة في مبدأ تكافؤ الفرص في فهمه الصحيح، وتخلق نوعا من المخادعة القانونية والإنسانية لشرعنه آفتي الغش والسرقة العلمية.

(*)أستاذة باحثة في علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء


الكاتب : د/ حكيمة لعلا

  

بتاريخ : 21/07/2022