تواصل «تجميد» قانون منع التدخين في الأماكن العمومية يعمق معاناة غير المدخّنين

يتنازلون عن حقوقهم بسبب غياب آليات تحميهم من تأثير التبغ ومشتقاته

 

تعتبر ظاهرة التدخين من أخطر الآفات بسبب تداعياتها الصحية، التي تكون قاتلة في العديد من الحالات، وكذا تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية، على الفرد والمجتمع على حد سواء، بالرغم من الإغراء الذي قد تشكّله العائدات المالية التي يمكن أن يدرّها التبغ، لكن بوقع وآثار جد وخيمة، صحية بالأساس، والتي تؤثر على جودة الحياة وتنتج عنها العديد من الأعطاب المختلفة.
تدخين تتعدد صوره، ما بين السيجارة «العادية»، والإلكترونية، والنرجيلة المعروفة بـ «الشيشا»، ولفافات الشيرا أي «الحشيش»، والكيف وغيرها من الأشكال التي تضرّ بالذات وبالغير، سواء بالنسبة لمن يقبل على التدخين بشكل تلقائي لتلبية رغبة داخلية تخصه أو الذي يستنشق النيكوتين وباقي الأدخنة الأخرى التي لها صلة بعالم التبغ ومشتقاته قسرا وضدا عن إرادته، لغياب آليات تحميه من الضيق الذي يسببه المدخّنون لمن هم حولهم والضرر الذي يخلق للغير.لحظة انتشاء، كما يراها المدخّن، يؤكد الأطباء على أنها خطيرة ولها تأثير سلبي صحيا ونفسيا وحتى عقليا، لأن التدخين يؤثر على المناطق الحساسة في الجسم كالجهاز العصبي وعلى الجهاز التنفسي، حيث يتسبب في سرطان الرئة القاتل، إضافة إلى التأثير على الحالة النفسية من خلال العصبية الزائدة والأرق والألم في الرأس، وهذا كله يؤدي وفقا للمختصين، إلى نتيجة واحدة هي التأثير المباشر والسلبي سواء على الصحة أو على العلاقات الأسرية أو حتى على تأدية واجبات العمل على أكمل وجه، فضلا عن وجه آخر للمعاناة والضرر حين يكون التدخين حاضرا وبقوة ودون استئذان في الأماكن العمومية كالمقاهي والمطاعم والشواطئ وفي مقرات العمل وفي غيرها، وهو ما يعتبر تجاوزا لمناطق الراحة لباقي المواطنين غير المدخنين وتهديدا مباشرا على صحتهم. تجاوز، انتقده عدد من المواطنين الذين استقت «الاتحاد الاشتراكي» آرائهم حول الموضوع، حيث أكد (م.ح) 35 سنة، على أنه لم يعد يستطيع ولوج مقهى أو مطعم، إن بشكل فردي أو مع أفراد أسرته، بسبب استهداف حقّه في الجلوس أو الأكل في فضاء بعيدا عن أشكال الإزعاج، مبرزا أن عملية التدخين في مجمل هذه المرافق لا تتوقف، وحتى الفنادق أو المطاعم التي تخصص حيّزا لغير المدخنين، يكون ضيقا ولا يتوفر على مواصفات حمائية، وهو ما يجعل الدخان يصل إلى أنوفهم ومنها إلى صدورهم عنوة، وهو ما اعتبره تعدّيا على حقوقه وحقوق غير المدخنين في بيئة نقية.
من جهته أوضح (ب.م) 27، أنه يتعين على المدخنين بذل جهود اكبر للإقلاع عن التدخين لأنه آفة خطيرة تدمّر الإنسان من الداخل فيتآكل إلى أن يسقط طريح الفراش نتيجة إصابته بأمراض فتاكة سواء رئوية أو جلدية أو حتى سرطانية. أما (س.ت) 29 سنة، فقد استنكرت عمليات التدخين التي تتم في الإدارات العمومية ومؤسسات القطاع الخاص معتبرا أن ما يقع هو إيذاء عمدي للغير من خلال عدم استحضار تبعات الخطوة على غير المدخنين، مشددا على أنه حتى في وسائل النقل العمومية من حافلات وسيارات للأجرة وفي الشواطئ التي يسعى المواطنون للاستجمام فيها يجد الإنسان نفسه مطاردا بدخان السجائر والشيرا وغيرهما. وأجمع المعنيون في تصريحاتهم للجريدة على أن احترام الحرية الشخصية من الحقوق المشروعة لكن دون المساس بحرية الآخرين، أي باقي المواطنين غير المدخنين.
رفض للأذى الذي يتسبب فيه تعميم التدخين، أكّد عدد من المحامين الذين استقت الجريدة آرائهم حول الموضوع، أنه كان من الممكن أن يكون متجاوزا لو تم اعتماد آليات قانونية حمائية، كما ورد ذلك في القانون 15.91 المتعلق بمنع التدخين في الأماكن العمومية، الذي يقضي بمناهضة التدخين ومنعه في جل الأماكن العمومية والمؤسساتية وحتى الترفيهية كالمقاهي والمستشفيات والمصحات ودور النقاهة والمسارح ووسائل النقل والأماكن المخصصة للأطفال كصالات الألعاب والفيديو وغيرها، إضافة إلى منع الدعاية والإشهار للتبغ، إلا أن الواقع يبين على أنه رغم صدوره قبل 30 سنة فإن آليات تنزيله وتطبيقه غابت عن أرض الواقع.
وظل هذا القانون شكليا، وفقا لرأي عدد من المحامين، الذين أشاروا إلى إشكالية تجميد الغرامات وعدم تفعيلها، مستعرضين أشواطا شهدت محاولات لإدخال تعديلات عليه لكن لم يتم قبولها، لتظل معاناة غير المدخنين مع التدخين جد كبيرة، وليتواصل بذلك الأذى العضوي والنفسي الذي يمارسه المدخنون في حق أنفسهم وغيرهم، بسبب هذا الإدمان، بالمقابل تم الاكتفاء بكتابة جمل تحيل على ضرر السجائر على علبها والتي تبين مع مرور الوقت على أنها ليست ذات جدوى، خاصة في ظل الانتشار الواسع للظاهرة التي تشمل الجنسين معا وباتت تستهدف ليس فقط اليافعين بل حتى الأطفال في كثير من الحالات.

* صحفية متدربة


الكاتب : (*) شراف مركوم

  

بتاريخ : 19/06/2023