توتر خطير يطبع علاقة فرنسا بالمجلس العسكري في مالي

 

شهدت العلاقات الفرنسية المالية حلقة جديدة من التوتر بعد أن قرر المجلس العسكري في مالي الاثنين طرد السفير الفرنسي، في خطوة تصعيدية جديدة بين باماكو وباريس تطرح علامات استفهام حول مصير الالتزام العسكري الفرنسي في الدولة الإفريقية بالساحل، بعد أن وصل البلدان إلى نقطة القطيعة في العلاقة في ما بينهما حول الشرعية، مما يطرح التساؤل حول التدخل الفرنسي بالمنطقة ونتائجه في الحرب على الإرهاب، وهل بإمكان الجيش الفرنسي الاستمرار في العمل في مالي في ظل ظروف الخلافات الكبيرة مع القادة الجدد لهذا البلد الإفريقي.
وتقود فرنسا منذ 2013 تدخلا عسكريا في منطقة الساحل، أو ما يسمى «عملية برخان» من أجل إنقاذ هذا البلد من الحركات الجهادية التي كادت أن تطيح بالحكومة وتدخل إلى العاصمة باماكو، قبل أن يتدخل الجيش الفرنسي بطلب من حكومة مالي أنداك.
فقد تدهورت علاقة فرنسا مع مالي منذ تولى العسكريون السلطة في غشت 2020 في هذا البلد الغارق منذ عام 2012 في أزمة أمنية وسياسية عميقة، واندلعت هذه الأزمة الجديدة بعد أن أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في 25 يناير أن المجلس العسكري يضاعف «الاستفزازات»، ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان بعد يومين من ذلك المجلس العسكري بأنه «غير شرعي» وقراراته «غير مسؤولة»، وذلك ردا على قرار الدنمارك سحب كتيبتها من القوات الخاصة من مالي بعد «إصرار» العسكر في الدولة الإفريقية على هذا المطلب. هذه الأحداث الأخيرة عقدت العلاقة بين البلدين، لكن هذا التوتر بينهما ليس جديدا، وبدأ بشكل أكبر بين البلدين منذ أن تراجع المجلس العسكري بقيادة الكولونيل أسيمي غويتا عن التزامه الأولي بإجراء الانتخابات في 27 فبراير في خطوة ردت عليها في 9 يناير منظمة دول غرب إفريقيا بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية صارمة على هذا البلد.
وتشعر فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون بالقلق من استعانة المجلس العسكري، بحسب قولهم، بمرتزقة شركة «فاغنر» الروسية المعروفة بقربها من الكرملين والمتهمة بارتكاب انتهاكات في جمهورية إفريقيا الوسطى وبمشاركتها في حروب أخرى. لكن المجلس العسكري ينفي نيته الاستعانة بخدمات فاغنر.
وكانت الخارجية المالية استدعت السفير في أكتوبر 2021 احتجاجا على تصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رد فيه بشدة على تصريحات أدلى بها رئيس الحكومة المالية تشوغويل كوكالا مايغا ووصف فيها عزم باريس خفض عدد قواتها في بلاده بـ «التخلي عن القيادة أثناء الرحلة». ويومها قال ماكرون إن هذه التصريحات «عار» من جانب «ما ليس حتى حكومة».
وزاد المجلس العسكري مؤخرا التصريحات المطالبة بالسيادة من خلال مراجعة الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا أو من خلال دفع الدنمارك لسحب كتيبة قوامها مئة رجل منتشرة في إطار القوات الخاصة الأوروبية تاكوبا بمبادرة فرنسية.
ويتباهى المجلس بتعاونه مع روسيا التي بعثت إلى مالي في الأشهر الأخيرة عددا من «المدربين» العسكريين، بحسب قولها.
رد الفعل الفرنسي بعد هذا التوتر الجديد وطرد السفير لم يصدر بعد، واكتفت وزارة الخارجية الفرنسية بالقول إنها «أخذت علما « بقرار طرد سفيرها في باماكو.
وبدأت ردود الفعل بفرنسا من طرف السياسيين المشاركين في الحملة الانتخابية للرئاسيات، وهو ما يمكن أن يزيد من التوتر في هذه الحملة وعدد من المرشحين طلبوا من الرئيس ايمانييل ماكرون اتخاذ إجراءات ضد المجلس العسكري وبسرعة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى القطيعة النهائية بين البلدين، واعتبر بعضهم أنه لا يدافع بقوة عن مصالح فرنسا.
هذه الأزمة جعلت العديد من الفرنسيين يطرحون السؤال عن جدوى هذا التدخل الفرنسي بالمنطقة وعن نتائجه على المستوى الأمني والسياسي، رغم أن فرنسا نشرت أكثر من 5000 جندي في منطقة الساحل ومالي قبل أن تقرر في 2021 خفض عددهم.
هناك أطرف تعتبر أن النجاح العسكري والقضاء على العديد من قادة التنظيمات الجهادية لم يواكبه تحسن في عيش السكان، بالإضافة إلى ضعف الدول بالمنطقة، وهو أحد أسباب توالي الانقلابات العسكرية بالمنطقة، سواء بمالي أو ببوركينا فاصو مؤخرا، ويهدد الوضع بالمنطقة، بالإضافة إلى دخول فاعل عسكري جديد للمنطقة وهو روسيا من خلال مجموعة «فاغنر»، مما يشكل تهديدا حقيقيا للتأثير الفرنسي بمنطقة الساحل.
وبسبب هذه الوضعية، فإن فرنسا مطالبة اليوم بإعادة النظر في تدخلها في هذه المنطقة، وقراءة نتائج هذه الأزمة لإعادة بناء علاقات وشراكات جديدة مع بلدان الساحل الإفريقي.


الكاتب : باريس- يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 03/02/2022