توحيد المصطلح الديداكتيكي في مادة اللغة العربية ضرورة ملحة

مما لا شك فيه أن كل مادة دراسية لها خصوصياتها التي تميزها عن المواد الأخرى، كما أن لكل مكون من مكونات المادة، أيضا، خصوصياته التي تميزه عن المكونات الأخرى. ولأن موضوع توحيد المصطلح الديداكتيكي موضوع شاسع بسبب ما ذكرناه، فإني سأقتصر في هذه المقالة المتواضعة على ديداكتيك مادة اللغة العربية بالسلك الثانوي التأهيلي، خاصة بالمستويين الإشهاديين الأولى بكالوريا علوم وتكنولوجيا والثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية.
وقبل الخوض في الموضوع لا بد من إدراجه في السياق الذي يحفز على معالجته، ويتعلق الأمر بالضبابية التي تكتنف الأطر المرجعية للامتحانات الموحدة في ظل تعدد الكتب المدرسية والاختلاف الكبير في الاستعمال المصطلحي الذي يتوسل به كل كتاب، وكذا في الممارسة الصفية لكل أستاذ، وفي هذا الصدد سنعرج على أمثلة واضحة تبين هذا الاختلاف.
لو عدنا إلى الدرس اللغوي للسنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية سنجد اختلافا كبيرا في المصطلحات الديداكتيكية، خاصة في درسي الخطاطة السردية والنموذج العاملي، هذان الدرسان اللذان يوظفان في تحليل النصوص النصوص السردية بالمجزوءة الأولى (أشكال نثرية حديثة/ القصة، المسرحية) في الدورة الثانية، كما يوظفان في تحليل رواية «اللص والكلاب» ضمن مكون المؤلفات، يخلقان للأسف الشديد لدى المتعلمين تشويشا كبيرا نتيجة الترجمة الخاطئة وغير السليمة في بعض الكتب المدرسية.
فما تجده في كتاب: «في رحاب اللغة العربية» ليس هو ما تجده في كتاب: «الممتاز في اللغة العربية» ولا في كتاب: «النجاح في اللغة العربية»، ولا أدري إلى أي حد يتفق مركز التقويم على توظيف أو اعتماد مصطلح دون الآخر، خاصة وأن هناك من السادة الأساتذة المصححين للامتحان الوطني، وهذا موضوع آخر مؤرق، من لا يقبل استعمالات مصطلحية ديداكتيكية أخرى.
وما سجلناه بشأن ما سبق يمكن أن نسجله أيضا بشأن درس التوازي خاصة، كما يمكن أن نسجله، للأسف الشديد، على مستوى درس مكون المؤلفات، حيث يستعمل مصطلح «المنهج التكاملي» في المرحلة التركيبية لقراءة مؤلف: «ظاهرة الشعر الحديث» وهو مصطلح لا يستند على أي أساس معرفي، لأن نظريات النقد الحديثة تنظر لمناهج نقدية تختلف عن بعضها في الوسائل التي تعتمدها في دراسة النص الأدبي، كالمنهج النفسي والمنهج الاجتماعي والمنهج البنيوي وغيرها، وعوض أن نوظف مصطلحا غير متداول ولا أصول معرفية له (المنهج التكاملي) يمكن أن نستبدل هذا الاستعمال باستعمال آخر نعبر عنه لغويا، لأن اللغة ليست عاجزة، بالقول: وظف الناقد في مؤلفه مجموعة من المناهج النقدية كالمنهج التاريخي ……… والمنهج الاجتماعي ……
الأمر لا يقف عند مستوى الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية فحسب، بل إننا نسجل كذلك بمستوى الأولى بكالوريا علوم وتكنولوجيا اختلافا في الاستعمال المصطلحي الداكتيكي، خاصة في الدرس اللغوي، وعلى سبيل المثال درس التمييز الذي يعمد البعض في ممارسته الصفية، كما يعمد معدو الكتب، إلى اعتماد تسميتين غير علميتين لنوعي التمييز بالقول: تمييز ملحوظ/ تمييز ملفوظ، لأن تسميتي الملحوظ والملفوظ تتعلقان بالمميز، لأنه هو الذي يكون موضوع ملاحظة أو تلفظ، أما التمييز فيسمى نوعاه كالآتي: تمييز مفرد أو ذات/ تمييز جملة أو نسبة…..
إن هذا الاختلاف المسجل في استعمال المصطلحات الديداكتيكية في مادة اللغة العربية كما أشرنا، يضع كافة المتدخلين في إعداد المناهج والمقررات والكتب المدرسية موضع مساءلة، ومبررنا في ذلك هو أن المتعلم هو قطب العملية التعليمية التعلمية، وليس من التربوي أن نخلق ما يؤثر عليه سلبا ويشوش على فهمه وإدراكه عندما يكون في إطار وضعية اختبارية إشهادية أو عادية، أو حتى أثناء بناء التعلمات في الممارسة الصفية، وإلا فنحن مدعوون إلى العمل بنظام الأقطاب في اعتماد الكتب المدرسية وإعداد الاختبارات والامتحانات مع المواكبة المستمرة والتحيين المتجدد لأدوات الاشتغال الديداكتيكية للسادة الأساتذة، وإن كان هذا الموضوع أيضا سيخلف تجاذبات أخرى وسيزيد من تعميق هو تكافؤ الفرص بين المتعلمين وطنيا.
وعندما نقول إن هذه الوضعية المسجلة تقتضي تحمل جميع المتدخلين مسؤولياتهم، فإننا نقصد بالضرورة الاعتماد في إنتاج وإعداد الكتب المدرسية الموحدة على فرق علمية متمكنة قادرة على توحيد المصطلحات الديداكتيكية، انطلاقا من أصولها المعرفية إن كانت مصطلحات متجذرة في الثقافة الأدبية واللغوية العربية، أو بالتدقيق العلمي الرصين في ترجمة المصطلحات الديداكتيكية ذات الأصول المعرفية الغربية، حتى لا يكون هناك تشظي مصطلحي يفقد المتعلمين تركيزهم ويشوش على مداركهم.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن هذه الفرق العلمية من الواجب عليها أن تستثمر مقترحات السادة الأساتذة الممارسين، وهي مقترحات تُجمع بناء على اللقاءات التي يباشرونها على مستوى المجالس التربوية وترسل إلى السادة المراقبين والمؤطرين التربويين، وهنا تتجلى مسؤولية السادة الأساتذة، وتتجلى كذلك مسؤولية السادة المؤطرين الذين ينبغي أن يؤسسوا لمشاريع تربوية في هذا الصدد، ستكون بمثابة مورد هام يُرجع إليه من أجل تبنيه من طرف الفرق التربوية المكلفة باعداد الكتب، كما يتيح إمكانية العودة إليه للتعديل والتحيين بين الفينة و الأخرى في حال تسجيل قصور معين.
المسؤولية أيضا يتحملها مركز التقويم والامتحانات الذي يتحتم عليه العمل على استدماج التحديثات التي تدخلها الفرق المعنية في الكتب المدرسية على مستوى الأطر المرجعية، وذلك لتنزيل مشروع توحيد المصطلح الديداكتيكي في إعداد الكتب وفي الممارسة الصفية وفي الاختبارات والامتحانات.
إن طبيعة الاشتغال الذي ينبغي أن يُرسخ، تقتضي إشراك كافة المتدخلين بشكل أفقي مؤداه توحيد الرؤية ومن ثم تتويج هذا العمل بشكل موحد على مستوى القرارات المتخذة، مع فتح باب العودة التنقيح والتحديث والتحيين كلما لوحظ قصور معين في مشروع التوحيد، الذي نراه كما يراه الكثير من المتدخلين مشروعا هاما، وهنا تحضرني الأيام الدراسية التي عقدتها شعبة اللغة العربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع أسفي، بداية سنة 2015 ضمن فعاليات الملتقى الأول لتدريسية اللغة العربية، وقد كان ملتقى ناجحا دعا في توصياته إلى توحيد المصطلح الديداكتيكي لمادة اللغة العربية.

(°) أستاذ بالثانوي التأهيلي


الكاتب : محمد باجي (*)

  

بتاريخ : 24/02/2022