توقيع  ديوان «الحب والفن» للكاتبة والفنانة التشكيلية لبابة لعلج، الخيمياء الشعرية: النّصُّ- الصّورَةُ

صدرت حديثا للكاتبة والفنانة التشكيلية لبابة لعلج، الترجمة العربية لمؤلفها بافرنسية  «الحب والفن»( كتابات ولوحات) من إعداد الناقد الفني عبدالله الشيخ ، حيث تم تقديم النسختين معا  في إطار فعاليات الدورة ال28 للمعرض الدولي للنشر والكتاب برواق رابطة كاتبات المغرب التي  تترأسها الأديبة بديعة الراضي.
في تقديمه للكتاب،اعتبر الكاتب الإعلامي  والأستاذ الباحث كلود مالان   أن هذا العمل يمثل  مساهمة إضافية إلى صرح فني ثري جدا، حيث تمتلك الفنانة لبابة لعلج مهارة فريدة من نوعها، وطريقة للإفصاح عما تشعر. وأضاف أن الكتاب يتطرق إلى كل من الحب والفن كمجالين رحبين، حيث تساءل عن الرباط بينهما، مذكرا أنه منذ الأزمنة الضاربة في القدم إلى الوقت الراهن، كان هناك ملايين البشر يحتفلون بالحب، في الخطابات، والقصائد، والأناشيد، والعروض المسرحية، والأفلام، لكن ، أيضا، في المعمار، والنحت أو التصوير الصباغي. وأوضح أنه من خلال هذا الكتاب ستثري لبابة لعلج ثقافة القارئ بأجمل الطرق، مستحضرا عشقها للنور، فهي تستوحي إلهامها من عالمها الباطني، حيث منحها التصوير الصباغي باعتبارها أيضا فنانة تشكيلية، إمكانية دعوة الآخرين إلى دنياها ، وتبليغ رؤيتها للعالم، واستدراج اللامرئي إلى المرئي، والإلحاح على لعبة الخيال والواقع.في  معرض تقديمي المعنون ب» الخيمياء الشعرية النّصُّ-  الصّورَةُ»،أكدت ما نصه:
من المعلوم أنّ الفنَّ وسيلةٌ أساسيّة للتعبير عنْ رأيٍ ما أو إحْساسٍ، أو لبلوَرَة رؤيةٍ أخرى مختلفةٍ للعالم، سواءٌ أكانت مستوحاةً من أعْمال الآخرين أمْ كانتْ شيئاً جديداً ومبتكراً تمامًا. ومع ذلك، فإنّ الجمالَ هو جانبٌ متأصِّلٌ في الحياةِ نفْسِها، يجلبُ السّعادة وكلَّ ما هو إيجابيّ للناس. غير أنّ الجمالَ وحده ليْسَ فنًّا، على الرّغْم من أنّ الفنَّ يمْكن أنْ يُصْنَعَ من الأشياء الجميلة، أو حول الأشياء الجميلة، أو من أجلها. وهذا معناه أنّ الفن من شأنه أنْ يسمح لنا بممارسة قدراتنا على الانتباه، وذلك بفضل عمليات الإغراء والتكثيف التي لها آثار الغرابة حين يتدخّل المتخيل ليخلق سياقات جديدة غير مألوفة.
ففي وقتٍ يكون فيه انتباهنا فريسةً لاستراتيجيات مختلفة للاستئثار، لا يكون من المستغرب أن يظهر هذا المفهوم للفنّ مرّة أخرى، المفهوم الجمْعيّ المُوَحِّد في بُعْدِهِ الصّوفي. في هذا الأفق ينبغي قراءة هذا الكتاب- الصورة، الغنيّ والجذاب في الآنِ ذاته. يعتقد الشاعر البرتغالي بّيسوا أنّ الحبّ عبارة عن فكرة، وهذا يعني الشّيء الكثير، لأنّ الجميع يعتقد أنّ الحب هو الجسد أو الرغائب أو المشاعر، وهو ليس روحاً أو فكرة أبداً. من خلال قراءة النصوص الشعرية للفنانة لبابة لعلج، في ضوء أعمالها الفنية، أو العكس، ندرك بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ ما يحبّه الحبّ ليْس هذا الشّيء الجميل أو ذاك، بل الجمال نفسه. ومن ثمّ، إذن، تحملنا نُصُوصُ لُبابة وأعْمالها إلى النموذج الأصلي الأفلاطوني، الذي تستحْضرُهُ في هذا الكتابِ، والذي يبيّن أنّ الحب-الجمال الكامن في هذا الجسد أو ذاك، هو شقيق الحبّ-الجمال الكامن في جسَدٍ آخر، والذي يَحْمِل المرْءَ على أنْ يسْعى وراءَ الحُبّ الذي يكمن في الأشكال والألوان. فالحبّ يربطنا إذن بفكرة الجمال التي لا تمثل الأجسادُ الجميلةُ والأرواحُ الجميلة سوى انعكاساتٍ لها.
أما بالنسبة للرغبة في الإنجاب، التي هي في صميم الحب، فإن النّصوص-الصُّور التي أبدعتها لبابة لعلج تقول ذلك: إنها تعبير عن هذه الرغبة في الخلود الذي يكمن في كلّ واحد منا. ذلك أنّ الطبيعة البشرية تسْعى إلى أنْ تكون مُسْتدامَة وخالدة. والحالُ أنّ الوسيلة الوحيدة المُتاحة لها هي إنتاج الوجود، أيْ الإنصات إلى صوْته الآتي منْ رَحِمٍ مجهول، طالما أنه دائمًا ما يحلّ محلّ الكائن القديم، وبالتالي يترك كائنًا جديدًا مُختلفاً عنه. الإنجابُ إذن بالنّسبة للخلود هو الزّمَن بالنسبة للأبدية: هو صورة له.
استعاراتُ لبابة لعلج مُغْريةٌ وجذّابةٌ: فهي ترضي، إلى درجة المزْج بينها، جاذبية الجذور وشَغَف الأعْماق؛ وفوق ذلك، تدعو إلى النّظر والتفكير في أنه، منْ شذرةٍ إلى شذرةٍ، ومن عنْوانٍ إلى عنْوانٍ، ومنْ صورَةٍ إلى صورةٍ، يمكن اسْتعادة كلّ الحبّ المفقود، تماماً مثل زمن مارسيل بروست. لذلك، فإنّ لُبابة تخْضع، طيلة صفحات كتابها، لهذا الإغراء. إنَّ هذا الأخيرَ، كما كان يقول بودريار، هو أوّلاً وقبْل كلّ شيْءٍ رسالةٌ وصوْتٌ وتأويلٌ. نُضيف أنّ الإغْرَاءَ لا قانون له، غير أنّ له قواعد جوهرية ومحايثة اعتباطية، لكنْ من الضّرورِيّ احْترامها داخل النّصّ الشِّعْري ومن خلاله. الإغراءُ ليْسَ ذا طبيعة إلهيّة ولا صدفويّة. إنّه أمر شيطاني (لذا فهو أنثوي، يسارع المؤلف إلى إضافته). أنْ يُمارسُ الإنسانُ الإغراءَ معناه أنْ يكون بدوره موضوعاً للإغْراء دائماً (منْ هنا طبيعته الانْعكاسيّة). إنه ينتمي على الأرجح إلى السحريّ والطّقوسيّ.
ذلك أنّ جوْهرَ الاستتيقا، في كتاب لبابة لعلج، لا يُحيل على نَمَطٍ من الأشْياء والموضوعات، بقدْر ما يُحيل دائماً على نَمَطٍ ما من التجارب الإسْتتيقيّة، عن طريقِ الكلمَة أو الصُّورَة. يتعلّق الأمْرُ، هنا، بوَحْدَةٍ وتكامُلٍ لا بمُنافَسَةٍ بيْنَ الشّعْرِ واللوحات الفنية التشكيليّة. وهذا لا يتأتّى إلّا من القدرة على تحقيقِ تحوُّلٍ في أنْماطِ التّعبيرِ المختلفة: في أهمّية المُحاكاة، لا بمعنى التقليد، بلْ بمعنى إعادة الإنتاج والإبْداع؛ وفي أهمّية الممارسَة التشخيصيّة النموذجيّة في الشعر، ذلك التّشخيص الذي يجْعل الصّور الشعرية ماثلة للعيانِ؛ وفي أهمّية أنْ يتحدّدَ الرّسْمُ الصّباغيّ ويُحدّد نفْسَه كوسيلةٍ للمعرفة والكشْف، يمكن أنْ يكون فكّ شفرتها ورُموزها مسألة معقّدة، وتُقاربُ تقارُباً وثيقًا بيْن الفنون البَصَريّة والشِّعْر.
إنّ الشّعر، في هذا السياق، يُسائل هوّيّته التشخيصيّة منْ داخل البنْية الفنّيّة ونظامها، ويبحث عنْ نفسه في مختلف الاتّجاهات. إنّ الشِّعْرَ والفنّ تربطهما علاقة وجدانية وعلاقة تعاطُفٍ، بالمعنى الذي حدّده ميشيل فوكو، حيث يكونُ لوَعْيِ قرابتهما وتشابههما «السلطة الخطيرة» لاستيعابهما، وجعلهما متطابقيْن وممتزجيْن، إلى درجةِ المُجازَفَة والمُخاطرة باستلابهما وَجَعْلهما يَفْقِدان فَرَادَتَهما.
هكذا، إذن، يتطوّر كلٌّ من النّصّ والصُّورَة، في كتاب لُبابة لعلج، بكيفيّةٍ مُتوازيةٍ داخلَ حوارٍ وُجُودِيّ دائمٍ وحقيقيّ، يُسائلُ الإنْسانَ حول معنى الحبّ والجمال، إلى حدّ لا ندري معه مَنْ يُعلّق على الآخر، النّصّ أم الصّورة.
إنّ الحبّ الذي يتوسّط ما هو فانٍ وخالِدِ، ما هو بشريّ وأُلُوهيّ، يحتلّ في شعر لبابة منتصف الطريق بين المعرفة والنّكهة. وبَيْنَ الاثنيْن، توجد اللغة الشعرية ساميةً وباهرةً ومُتعاليةً ورائيّةً. وعندما تكونُ الوحدةُ المتناغِمَةُ بين الفنّ التشكيلي والشعر تامّة وبالغةً حدّ الكَمال، فإنّ هذا الأخير يتوارى خلف الصّورة وفي ثناياها. هنا بالضّبط يكمن درس فنّانتنا لبابة لعلج، ذلك الدرس الهايدغيري الذي يقول إنّ اللغةَ مسْكنُ الكائن.
لبابة لعلج فنانة تشكيلية وأديبة، من مواليد فاس. توجت مسارها الإبداعي عام 2019 بالدكتوراه الفخرية من طرف منتدى الفنون التشكيلية الدولي.  عضو رابطات كاتبات المغرب.  عضو المكتب الدائم لرابطة كاتبات إفريقيا. منشورات حول تجربتها : «بزوغ غرائبي»، «عوالمي»، «المادة بأصــوات متعددة»، «تجريد وإيحاء»، «سيدات العالم: بين الظل والنور». من مؤلفاتها الأدبية  «كتابات ولوحات»: «شذرات»، «أفكار شاردة»، «أيقونات التشكيل بصيغة المؤنث»،»تصوف وتشكيل» ،»ملحون وتشكيل» ،» شعر وتشكيل»،»همس الصمت»،»موسيقى وتشكيل « (الجزء الأول والجزء الثاني) ، «العيش مع الذات»، «العيش المشترك» ،»رقص وتشكيل»(الجزء الأول والجزء الثاني)، «الموت  والفن»، «الزمن والفن «، «طريق النور»،   «الجمال والفن»، «صوت باطني»، «الحقيقة  والفن» ، «الحرية والفن». من مؤلفاتها قيد الطبع (كتابات ولوحات):  «السعادة والفن»، «الخيال والفن»، «الذاكرة والفن»، «الحلم والفن»، «الصحراء والفن»، «بيان غنائي».


الكاتب :  د. مصطفى النحال

  

بتاريخ : 17/06/2023