ثنائيات كريم بناني المتعددة..

إنه واحد من الأسماء الركيزة في تاريخ الفن التشكيلي بالمغرب، يعدّ كريم بناني من رواد الحداثة الفنية بالمغرب، إن لم يكن من بين الأسماء التي مهدت الطريق صوب الاشتغال التشكيلي البصري المعاصر بهذا البلد. ظل مخلصا إلى مركباته المونوكرومية والبيكرومية، التي تنطلق من تأثير فني مدهش بالطبيعة وانسيابية الجسد –الأنثوي خاصة- لتتصل بالتجريدي، الذي يأخذ المشخّص إلى عوالم من التأويل المفتوح على كل القراءات الممكنة.
يلغي كريم بناني عن أعماله كل الزوايا الحادة من أجل نعومة قصوى، عمادها الجسد الأنثوي في تواصل مجرد بالطبيعة، وذلك إخلاصا للحرية المطلقة التي تنفتح على شساعة مخيلة الناظر. إذ تعتمد أعماله التشكيلية على اللعب الماهر بالثنائية: البيوكرومية (ثنائية اللون)، والطبيعة-الجسد البشري، المجرد-المشخص… إلخ. باحثا عن تجسيد العالم من خلال ترميزية تشكيلية عمادها الشكل واللون المتناغمان.
مثله مثل زملائه في ساحة التمهيد إلى الحداثة الفنية التشكيلية بالمغرب، تأثر كريم بناني بالتراث المغربي والموروث الجمالي بهذه الجغرافيا القصية، بكل تنوعها الثقافي، إذ استلهمت أعماله الأولى جماليات الزربية المغربية.. محاولا نقل موتيفاتها ورموزها ودلالاتها إلى المستوى التشكيلي، أي من دلالة الاستعمال إلى عوالم التأويل والجمال.
لا تقدم منجزات بناني نفسها إلى المتلقي بالبساطة، فهذا الأخير يحتاج معها إلى فك الرموز وإعادة النظر (القراءة) مرارا وتكرار، لما تختزنه وتختزله في طياتها من كثافة رمزية نابعة من اهتمام وإلمام بالموروث الثقافي والرمزي البصري.
تظهر أعمال كريم بناني كأنها نتاج اللامسبق واللامخطط، كأني به يباشر الفنان عمله دونما نية مسبقة لما سوف تخطّه وتشكّله يده.. تاركا للمخيلة كامل التحكم في اليد والريشة والمادة المراد نحتها، هاربا من كل نمطية ومن كل إعادة تدوير ما رآها، إذ بفعل هذه «الارتجالية» يعمل على تحوير العالم المختزن في الذاكرة بشكل أليغوري مجرد وسلس.
استقى كريم بناني في أعماله، العديد من الإيقاعات والأشكال والرموز، معالجا إياها بطريقته الخاصة وبألوانه الزاهية، بما في ذلك الخط العربي الذي يلمع من خلال مجموعة من الخطوط المفصلية بطريقة إيمائية، متحررة من الكتابية والمدرسية. إن أعماله بالتالي، تعدّ عفوية وحرة طليقة، تسعى إلى النعومة في كل تجلياتها وخاصة ما تتيحه التواءات الجسد الأنثوي، وما تغيّبه الطبيعة من زوايا حادة، منتصرة للمستدير والسلس: منحنيات الطبيعة والجسد. إنه بهذا يرسم داخله، أو كما يقول «أرسم لنفسي ولأكون محبوبا. لا يهم ما إذا كانت لوحاتي تباع أو لا، فأنا لا أهتم ! لأن الفن يتناسب مع وجودي. أرسم توازنيَ، حيث أجدني في كليته».
لم يتوقف اشتغال كريم بناني على الصباغي والتشكيلي فحسب، فقد كان رجل الميدان، من خلال مجموعة من الممارسات النشطة المنخرطة داخل الحقل الفني المغربي، حيث شارك في تأسيس دار العرض Structure BS رفقة صديقه حسن السلاوي، التي سوف تعمل على إبراز مجموعة من الأسماء الفنية طيلة السنوات الممتدة من 1974 إلى 1984. وقد شارك في أول مؤتمر عربي للفن التشكيلي ببغداد سنة 74.. وكان من مؤسسي الجمعية المغربية للفن التشكيلي، والتي ترأسها لردح من الدهر.


الكاتب : عز الدين بوركة

  

بتاريخ : 06/01/2023