جماعة الدارالبيضاء لا تصون كرامة موتاها .. «إذلال» الموتى والأحياء يتواصل بمقبرة الغفران

لا حديث اليوم إلا عن الجهة التي تتحكم في مقبرة الغفران والتي بيدها مفاتيح المرور والقبور، التي استفادت لسنوات مما حققته ولا تزال تراكمه بـ “فضل” جثامين المواطنين التي ظلت تتوافد على هذه المقبرة من أجل أن توارى الثرى بعد توديعها للحياة، والتي بكل أسف حوّلت غير ما مرّة لحظة تشييع البعض لذويهم وأحبابهم وأقاربهم إلى لحظة قاتمة يسودها الغضب والاستنكار، عوض أن تكون مناسبة بألمها الواسع للسكينة وللترحم على الميت ولتوديعه وداعا لائقا، وللإنصات إلى الذات وآلام الفراق التي تتحكم فيها.
تحكّم، فرض على الكثيرين مرارا وتكرارا الانتظار لساعات متأخرة تمتد إلى ما بعد غروب الشمس ترقبا لمن قد يصل أو لا يصل، خاصة الذين يتوجهون صوب هذه المقبرة من عدد من الأحياء البيضاوية فترة العصر، ليجدوا عند وصول الموكب الجنائزي الأبواب موصدة، فيقف الجميع مكتوفي الأيدي عاجزين عن إيجاد حلّ، فتنطلق الهواتف والاتصالات بحثا عن مسؤول ما وطلبا لحضور من يمكنه أن يعطي الضوء الأخضر لإكرام الميت بدفنه. اتصالات يتم خلالها تقديم وعود بالعمل على فكّ الإشكال، فيطالب أهل الميت ومرافقيهم بالانتظار، وهو ما يتم الامتثال له، فتمر الدقائق ثم الساعات، ويرخي الليل بسدوله، ويتبين على أن القادم لن يأت، فتنطلق الأسئلة حول كيفية التعامل مع هذا الوضع، وهل سيتم الرجوع بالجنازة إلى منزل الراحل، وكيف سيتم حفظ الجثة من كل ما قد يلحقها، وكيف ستمر تلك اللحظات، وهل من سبيل لإيجاد مكان في مستودع الأموات، وغيرها كثير من علامات الاستفهام؟
أسئلة، راودت الكثيرين، ومنهم أسرة فقيد توجهوا بجثمانه أول أمس الاثنين عصرا صوب مقبرة الغفران، فعاشوا نفس السيناريوه ولم تفلح كل الاتصالات والمحاولات في إكرام ميتهم ودفنه، وظلوا هناك لساعات، قبل أن يتوجهوا صوب مقبرة سيدي حجاج، التي كانت هي المحتضنة لجثمان فقيدهم، بعد لحظات انتظار شاقة وأليمة، لم يتم خلالها استحضار حزنهم وألمهم، من طرف من أغلقوا الهواتف وغادروا المكان، تاركين المقبرة لصمتها ولبرودتها، ليكون سلوكهم هذا هو الشكل الذي به يكرمون الموتى!
جنائز، لا يتم استحضار الإكراهات التي عاشها أصحابها قبل تسلم ميتهم، لعامل من العوامل، أو قبل وضعه في سيارة نقل الأموات ولا لحظة وصولها إليهم، وعندما تصل إلى المقبرة التي من المفروض أن تحتضن فقيدهم فيشيّعونه ويودعونه، يعيشون كل هذه الصعوبات، التي باتت عنوانا لمقبرة الغفران، التي يتساءل الكثير من الناس عن الجهة التي تتحكم في مفاتيحها وتفاصيلها، وعن أدوار المنتخبين في علاقة بهذا التدبير ومجالات تدخل أطراف أخرى، علما بأن هذه المقبرة بات إغلاق مجال الدفن فيها بشكل نهائي وشيكا، لتتحول بذلك صوب أراضي سيدي حجاج، التي سيكون تدبير هذا المرفق فيها بيد جماعة مديونة بعيدا عن مجلس مدينة الدارالبيضاء.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 11/10/2023